نتائج زيارة الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط أوباما الثاني يمحو أوباما الأول
في تعليقها على مقابلة للرئيس الأميركي باراك أوباما للقناة الإسرائيلية الثانية، عشية زيارته الاولى للدولة العبرية في 22 آذار 2013، قال انه يُقدر "القيم الأساسية" لإسرائيل. أما ما جاء في تعليق الصحيفة الإسرائيلية "هآرتس"، كما جاء في المجلة الفرنسية "لوكورييه إنترناسيونال"، إن تصرف وعبارات أوباما لا يسمحان ببزوغ أي امل في معالجة الملف الفلسطيني، وإن أوباما اراد إذلال الإسرائيليين حين تحدث إليهم كجهلة، وفاضت عباراته بالتهكم على القادة الإسرائيليين، متجاوزاً بذلك الإطار البروتوكولي و"حتى المكر الأميركي"؛ فعن أي قيم يتحدث سيد البيت الابيض؟ تُجيب الصحيفة على الشكل الآتي: "عن معاملة الفلسطينيين اللاإنسانية، أو عن التصرف تجاه المهاجرين الأفارقة..." أو عن التكبر والعنصرية والتطرف القومي، فهل ما يُعجب به أوباما الاوتوبيسات المنفصلة المخصصة للفلسطينيين "الا يُذكره هذا بشيء"، مجموعتان تعيشان على الأرض نفسها "الأولى لها كل الحقوق والمميزات" والثانية محرومة من أدنى حق من حقوق الانسان؛ وتضيف الصحيفة "إننا البلد الأكثر عنصرية في العالم مع الجدار الفاصل العنصري وسياسات الاباراتيد.."؛ ثم تختتم الصحيفة تعليقها متمنية على أوباما زرع شاربين والتجول في شوارع المدينة والتحدث مع الإسرائيليين "ليسمع كيف يتحدثون مع السود مثله؟!".
يبدو هذا التعليق غير مفاجئ للمواطن الفلسطيني، وإلى حد ما، المواطن العربي، اللذان يعيشان ويكتويان بالعنصرية والتمييز والحقد.. التي يمارسها الإسرائيلي كقائد سياسي، أو ديني، أو كفرد عادي لقسم كبير من الشعب الإسرائيلي؛ لكن يأتي هذا التعليق من صحيفة إسرائيلية، مهما كان لونها السياسي، وقبل معرفة ما سيقوم به الرئيس الأميركي اثناء زيارته، فالمسألة تستوجب التساؤل والمناقشة والتوضيح.
في مقارنة بسيطة لما كان عليه أوباما، في زيارته الأولى، في بداية ولايته الأولى، عام 2009 وخصوصاً مضامين خطاباته التي ألقاها في تركيا وفي القاهرة في حزيران من ذلك العام، وفي اللقاءات التي عقدها مع القادة والمسؤولين السياسيين، وبين ما جرى خلال هذه الزيارة، إلى إسرائيل، التي استمرت ثلاثة أيام، وشملت أيضاً الضفة الغربية والأردن، وبصرف النظر عن التبريرات والحجج، التي أثارتها وسائل الاعلام من ان الرئيس يسلك، حالياً، طريق "الواقعية السياسية"، تُظهر هذه المقارنة أن أوباما الثاني تخلى عن أوباما الاول. إن الدليل على ذلك اشارات ووقائع أهمها ما يلي:
اولاً: نقل المستشار المساعد لمجلس الأمن القومي الأميركي "بن رودس" عن أوباما قوله: "إن الهدف من الزيارة هو الإستماع. في نيتي لقاء نتنياهو... ولقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس حكومته سلام فياض، لأستمع اليهم ليعرضوا استراتيجياتهم، وما هي رؤاهم، وما يجب عمله؟". من نافل القول، أن الخلاف بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني عميق وجذري، انما في الوقت الراهن فالخلاف ينحصر، بتوقف المفاوضات منذ أكثر من سنة حول ما قام ويقوم به نتنياهو من عمليات استيطانية في الاراضي الفلسطينية المحتلة وفي الضفة الغربية ومطلب عباس هو توقف هذه العمليات، لأن ذلك مخالف للقانون ولأنه استيلاء على أملاك الغير بالقوة ويسبب هجرة الفلسطينين، فضلاً عن أنه يُلغي تماماً مشروع الرئيس الأميركي الاسبق جورج بوش الابن، وتبناه أوباما من دون تحفظ، والقائم على قيام دولتين فلسطينية وإسرائيلية في فلسطين المحتلة، علماً أن الإدارة الأميركية، ومن خلال بياناتها تدين، فقط، التصرف الإسرائيلي.
ثانياً: في خطابه في جامعة القاهرة، عام 2009، بعد أن ألحّ أوباما على أهمية الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني، أكد على انه "سيُتابع هو شخصياً تحقيق هذا الاتفاق حتى النهاية، بكل صبر وإخلاص تتطلبهما هذه المحاولة". أما في خطابه في 21 آذار 2013 في مركز المؤتمرات في القدس، التي تعتبرها السلطات الإسرائيلية عاصمة أبدية وغير مقسمة، ما يُطيح بأي عملية سلام دائم وعادل في المنطقة، تخلى رئيس أكبر دولة عالمية عما قاله في القاهرة. فالبيت الابيض، في المرحلة الراهنة، لا يرغب بالإنشغال بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. يأخذ المراقبون على ان أوباما، بصفته رئيساً للدولة الأميركية، لم يقم بأي ضغط حقيقي على إسرائيل لأي من ممارساتها غير القانونية والهمجية والتي تزرع الفوضى وتُسبب الحروب في منطقة الشرق الاوسط، والمقصود بالضغط الحقيقي هو اتخاذ عقوبات، كما كان يجري مع الرؤساء الأميركيين في السابق، في حال لم ترتدع عن القيام بأعمال مخلة بالامن الاقليمي والقانون الدولي، علماً انها القوة الوحيدة التي تتميز بهذه الميزة. يشهد على ذلك ما جرى بين الرئيس هاري ترومان ودافيد بن غوريون، مؤسس دولة إسرائيل، الذي اُرغم على سحب قواته العسكرية من سيناء المصرية في كانون الأول عام 1948، تحت تهديد بفرض حصار اقتصادي من أميركا، وأُرغم، أيضاً بن غوريون على تنفيذ الفعل نفسه بعد حرب السويس عام 1956 والا عوقبت الدولة العبرية كما هدد الرئيس داويت ايزنهاور، ولدى انعقاد مؤتمر مدريد عام 1991 حين هدد اسحاق شامير بعدم المشاركة، ما كان من الرئيس الأميركي جورج بوش الأب إلا أن هدد بعدم تقديم ضمانة مصرفية بقيمة عشرة مليارات دولار، لمساعدة الدولة العبرية في استيعاب مليون يهودي لاجئ من الاتحاد السوفياتي. ويخلص المراقبون بالقول إن على أوباما، كي يمتثل نتنياهو لارادته، أن يُهدد بخفض قيمة المساعدة المالية السنوية التي تمنحها أميركا لتل أبيب والبالغة ثلاثة مليارات دولار.
ثالثاً: يرى المطلعون على كواليس الدبلوماسية الأميركية ان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تحول بالنسبة لهذه الدبلوماسية من صراع "ضرورة "الى صراع "هواية" وذلك عائد لأسباب عديدة منها: اختفاء المخاوف الحقيقية لحرب عربية - إسرائيلية في المرحلة الراهنة، على الاقل؛ ومنها أيضاً تضاؤل أهمية منطقة الشرق الاوسط، خصوصاً بعد استثمار واشنطن للغاز الصخري ما يُؤذن بان تصبح الولايات المتحدة مكتفية ذاتياً وأول دولة منتجة للغاز في العالم قبل روسيا وذلك خلال السنوات القليلة المقبلة؛ ومنها أخيراً، وحسب الاستراتيجية الدفاعية التي اعلنها الرئيس الأميركي أوباما مطلع هذه السنة، انتقل الاهتمام الأميركي من الاطلسي إلى الهادئ، خلال السنوات المقبلة، في حين ان هذه الاستراتيجية لم تُعر منطقة الشرق الاوسط الاهتمام الموعود...
وهكذا يبدو ان الوقائع المذكورة تُنبئ بأن لا خرقاً حقيقياً سوف يشهده الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وان "الهواية" ستتغلب على "الضرورة" لدى الدبلوماسيين الأميركيين في تحركهم في المنطقة. وصدق التحليل الذي وصف زيارة أوباما لإسرائيل بأنها سياحية أكثر منها سياسية؟!