فرصة ثانية لنتنياهو وعباس

ربما كانت عملية خطف الشبان الإسرائيليين الثلاثة مناسبة لمراجعات سياسات الجانبين
بقلم: براك ربيد
من السابق لأوانه التقدير كيف ومتى ستنتهي قضية اختطاف الشبان الاسرائيليين الثلاثة في غوش عصيون. هذا الحدث المأساوي هو بلا شك احدى نقاط الدرك الأسفل في العلاقات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية في السنوات الخمسة الاخيرة التي تولى فيها بنيامين نتنياهو منصب رئيس الوزراء. ومع ذلك، فبالادارة السليمة يمكن تحويل الازمة الى فرصة «لاعادة بدء» منظومة العلاقات بين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس «أبو مازن».
كانت اسرائيل خريف 2006 لا تزال تلعق جراح حرب لبنان الثانية واختطاف جلعاد شاليط. وحيال الفلسطينيين كان جمود سياسي شبه مطلق وحملة عسكرية مستمرة ضد حماس في غزة. وحاول وزير الدفاع في حينه عمير بيرتس تثبيت قناة حوار مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. أما رئيس الوزراء اولمرت فتميز غضبا جراء ذلك على أن بيرتس يعمل من خلف ظهره.
بعد بضعة اشهر من ذلك، في شباط 2007، وقع مندوبو فتح وحماس على اتفاق مصالحة في مكة في السعودية وأعلنوا عن تشكيل حكومة وحدة. فردت اسرائيل بحدة وأعلنت بانها لن تعترف بالحكومة الجديدة الى أن تعترف حماس باسرائيل، وتتنكر للارهاب وتحترم الاتفاقات السابقة. وكانت الثقة بين اولمرت وعباس في الدرك الاسفل. «خنتني وذهبت مع حماس»، قال اولمرت لنظيره الفلسطيني في لقاء ثلاثي عقد في حينه وشاركت فيه وزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس.
في غضون بضعة اشهر، في حزيران 2007، انهار اتفاق المصالحة بين فتح وحماس حين سيطرت المنظمة الاسلامية على قطاع غزة في انقلاب عسكري والقت من هناك بعباس ورجاله.
وغيرت هذه الاحداث المأساوية من الاساس منظومة العلاقات بين اولمرت وعباس، اللذين وضعا خلفهما الدم الفاسد وبدآ يعملان بالتعاون.
في المؤتمر الذي عقد بعد بضعة اسابيع من ذلك في شرم الشيخ – بمشاركة الرئيس المصري حسني مبارك وعبدالله ملك الاردن – أعلن اولمرت عن تحرير 250 سجين فتح كبادرة طيبة لعباس. بعد خمس لقاءات اخرى بين الزعيمين انعقد في تشرين الثاني 2007 مؤتمر السلام في انابوليس والذي جلب الطرفين في غضون سنة الى حافة اتفاق سلام تاريخي.
اختراق سياسي بين اسرائيل والفلسطينيين، على شكل مؤتمر أنابوليس يبدو في هذه الايام خيالا من قبيل قصص الف ليلة وليلة. ومع ذلك من الصعب عدم ايجاد أوجه شبه بين تطورات الاشهر الاخيرة – فشل محادثات السلام، انعدام الثقة العميقة بين نتنياهو وعباس، اقامة حكومة وحدة بين فتح وحماس، اختطاف الفتيان والحملة ضد حماس في الضفة – وتطورات الاحداث قبل سبع سنوات بالضبط.
الكثيرون في القيادة الفلسطينية يرون في اختطاف الفتيان في الضفة كتآمر من حماس على السلطة الفلسطينية. تكرار مصغر للانقلاب في غزة في 2007. وقد أوضحت تصريحات الرئيس عباس الشجاعة والقاطعة امام وزراء خارجية منظمة الدول الاسلامية أمس في جدة في السعودية ماذا يفكر عن الاختطاف.
لقد اظهر خطاب عباس بانه بقي ملتزما بعدم استخدام الارهاب في الكفاح لانهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية مستقلة. وقد شهدت اقواله كألف شاهد على أنه لا توجد في قلبه اي محبة تجاه حماس، وأن الترتيب بين فتح والمنظمة الاسلامية بعيد عن أن يكون حلفا مقدسا. ولحدث الاختطاف امكانية كامنة لا يفكك في وقت قصير حكومة الوحدة الفلسطينية التي أدت اليمين قبل اسبوعين فقط.
مثل اولمرت في 2007، على نتنياهو أن يستغل الازمة الحالية كي «يعيد بدء» منظومة علاقاته مع عباس.
ويبدو في الايام الاخيرة بان نتنياهو فهم بان هذا هو الاتجاه الذي يتعين عليه ان يسير فيه.
بعد بضعة ايام من الهجوم منفلت العقال على عباس، فهم رئيس الوزراء بان العدو الحقيقي ولعله المشترك له وللرئيس الفلسطيني هو حماس. وكانت المكالمة الهاتفية بين نتنياهو وعباس خطوة اولى في الاتجاه السليم.
يمكن لخطوة نتنياهو التالية ان تكون في شكل رد ايجابي على خطاب الرئيس الفلسطيني. لشدة الاسف رد نتنياهو بشكل جامد وبارد مثلما فعل في النبأ عن الشجب والتضامن مع الضحايا الذي نشره عباس بمناسبة يوم الكارثة. وذات الرد ليس فقط اعتبره عباس كاهانة شخصية بل الحق بنتنياهو ضررا جسيما في البيت الابيض. ويبدو أن هذا هو الفارق بين الزعيم والسياسي. خطوة اخرى ليس متأخرا القيام بها حتى الان هي تركيز الاعمال العسكرية ضد حماس فقط والامتناع قدر الامكان عن المس بالابرياء مما سيلزم عباس بابداء التضامن مع المنظمة الاسلامية.
الى جانب المحاولات لانقاذ الفتيان والقبض على خاطفيهم، على نتنياهو أن يقرر في الايام القريبة القادمة ما هو الهدف السياسي الذي يريد أن يحققه من الاحداث الاخيرة. عودة الى الصيغة لتمديد المفاوضات والتي بحثها مع عباس قبل بضعة اسابيع وبناء بطيء للثقة هي خيار واحد. خطة سياسية بديلة وطموحة تملأ الفراغ الناشيء وتنقذ اسرائيل من عزلتها الدولية هي امكانية اخرى.
ان الخوف الاسرائيلي من سيطرة حماس على الضفة الغربية الى جانب القلق في العالم من العربدة الاجرامية للجهاديين في سوريا وفي العراق يعطي نتنياهو، الى جانب الخطوة السياسية، الادوات لترميم العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. لقد وقعت في يد نتنياهو فرصة حقيقية لبلورة ذات الخطة الاستراتيجية التي كانت تنقصه جدا في السنوات الخمسة الاخيرة. محظور عليه أن يفوت ذلك.
هآرتس