مستقبل الدعم الأمريكي لإسرائيل

حيمي شليف

بالنظر من أعلى، فان دعم الجمهور الأمريكي لاسرائيل لم يتضاءل في السنوات الاخيرة، بل العكس. حسب استطلاع «غالوب» الاخير فان لـ 70 بالمئة هناك رأي ايجابي نحو اسرائيل، و62 بالمئة يفضلونها على الفلسطينيين. ولكن عندما ننزل إلى الارض ونفحص المعطيات بتدقيق أوسع نجد أن الصورة أقل إسعادا.
صحيح أن تأييد اسرائيل يرتفع بصورة دائمة في اوساط المسيحيين، البيض، المحافظين وكبار السن، لكن هذا الدعم يتضاءل لدى غير المتدينين، الأقليات، الليبراليين وفي الاساس لدى الشباب. حسب هذا المعيار فان مستقبل الدعم الأمريكي لاسرائيل قد أصبح وراء ظهرها.
رؤساء حركة المقاطعة المناوئة لاسرائيل المعروفة بـ «بي.دي.اس»، يديرون بسبب ذلك حملة لاحتلال عقول وقلوب النخبة من الشباب الأمريكي. العملية التكتيكية المركزية لتحقيق هذا الهدف يتم القيام بها في الـ 4200 حرم جامعي للكليات والجامعات المنتشرة على طول البلاد وعرضها في الولايات المتحدة، في اوساط نقابات المحاضرين والطلاب معا.
بعد عشر سنوات من النشاط فان الحركة لا تستطيع الاشارة إلى انجازات عملية. خلافا لبضع كنائس مسيحية فانه لا توجد أي جامعة أمريكية قررت سحب استثماراتها من اسرائيل. من جهة اخرى يصعب نفي أن مؤيدي المقاطعة لديهم زخم في الآونة الاخيرة ـ اعدادهم تتزايد، نشاطاتهم تزداد وفي اجزاء محددة من القارة مثل كاليفورنيا يحظون بانجازات رمزية هامة في اوساط نقابات الطلاب ونقابات الاكاديميين الذين يصوتون مع المقاطعة.
هكذا تحولت صرخة «السماء تسقط» للجالية اليهودية المنظمة، من مبالغة فادحة استهدفت حث النشاطات وتجنيد الاموال، إلى وصف يعبر عن حقيقة الحالة: الجو السائد في الاحرام الجامعية يشتعل ليس فقط بالمعارك بين مؤيدي المقاطعة ومعارضيها، ولكن ايضا كما هو مفهوم في «حروب يهودية» بينهم وبين أنفسهم.
مؤيدون كثيرون للمقاطعة ينشطون في منظمة «طلاب من اجل العدل في فلسطين»، وفي مقابلهم تقف منظمات «هيلل» وهيئات يمينية اخرى، وفي الوسط هناك حركة «جي ستريت» التي تحولت في أحرام جامعات مختلفة لتصبح المنظمة اليهودية الاكبر.
في عدد من الاحرام الجامعية استطاعت المنظمة أن تجند إلى جانبها الطلاب الذين تربوا على يد «جي ستريت» للنضال المشترك ضد المقاطعة. ولكن في منظمات اخرى، مثلما في اسرائيل ربما، يفضلون محاربة المنتقدين في الداخل بدلا من الاعداء في الخارج.
في عدد من الولايات، المنظمات اليهودية جندت إلى جانبها ايضا الطائفة الفنغلستية المؤيدة لاسرائيل. في ولاية تنسي وانديانا صادقت البرلمانات على قرارات ضد نشاطات «بي.دي.اس»، كما أن الكونغرس يتوقع أن يسن قانون ضد المقاطعة من قبل اوروبا أو السلطة الفلسطينية. لكن هذه الجهود ايضا يمكن أن تعمل كسهم مرتد، حيث ينظر اليها كنتيجة للتعاون بين حكومة اسرائيل واللوبي اليميني الذي يعمل من اجلها في واشنطن وبين مؤيديهم المسيحيين والمحافظين في ارجاء الولايات المتحدة ـ كل هذا بتمويل واشراف رأسماليين يمينيين يقفون من ورائهم. بالنسبة لطلاب شباب وليبراليين، يهود وغير يهود، هذه ليست رابطة تثير العطف وتدعو للتماثل معها.
في نهاية الامر هذا هو الفيل الموجود في الغرفة والذي يفضل معارضو المقاطعة تجاهل وجوده: العلاقة المباشرة بين صورة اسرائيل وعملياتها في السنوات الاخيرة وبين الاغتراب المتزايد نحوها في الجامعات والتسارع في نشاطات الـ بي.دي.اس. معارضو المقاطعة يفضلون الاستناد إلى العدد الكبير من أبناء الاقليات في الجامعات بما فيهم المسلمين.
وحتى في «الجو» الذي انشأه الرئيس اوباما بدلا من الربط بين التصاعد في نشاطات المقاطعة والعمليات المضرة إعلاميا مثل وقف عملية السلام، اضرار الحرب الاخيرة في غزة، النضال ضد المهاجرين الاجانب، الحرب بين نتنياهو واوباما وانتخاب حكومة في اسرائيل ينظر اليها كحكومة يمينية متطرفة.
من وجهة نظرهم فان العداوة المناوئة لاسرائيل التي تنتقل في حالات معينة لتكون ضغينة مناوئة لليهود، ظهرت أكثر من مرة بدون أي ذنب لنا فيها، كما هي العادة في التاريخ اليهودي، فهي تنبع من المماثلة المتعاظمة بين الاسرائيليين والكولونياليين، وبين الفلسطينيين والاقليات المضطهدة مثل أمريكيين – مولدين وافريقيين ـ أمريكيين. رغم مكانتهم الاقتصادية الاجتماعية العالية، ما زال اليهود يفكرون ويصوتون كأقلية مضطهدة.
مؤيدو اسرائيل اعتادوا أن يعزوا انفسهم بالتفكير بأن الوقت سيفعل فعله، والطلاب سيكبرون وسيدعمون اسرائيل كما فعل آباؤهم. في الابحاث التي اجريت في السنوات الاخيرة اتضح رغم ذلك أن النضج لا يغير بصورة دراماتية الرأي الاساسي. هذا الرأي يتشكل بين عمر 14 ـ 24 سنة وفي الاساس في عمر الـ 18، عندما يبدأ الأمريكيون دراستهم في الجامعة.
يبدو أن الجيل الحالي سيتمسك طوال الوقت بآرائه الليبرالية الواضحة فيما يتعلق بالاقتصاد والدين والمجتمع مع الميل إلى التصويت للديمقراطيين. هذا يقلق جدا الجمهوريين، وكان عليه أن يقلق بدرجة ليست أقل اسرائيل.

هآرتس

حرره: 
م . ع
كلمات دلالية: