هل يمكن إسقاط دكتاتور؟

لقد شهد ميدان التحرير ثورتين أطاحتا برئيسين واليوم لا يمكن التظاهر هناك
سمدار بيري
القلب النابض لانتفاضة الملايين التي اسقطت نظام حسن مبارك ومحمد مرسي، يبدو في ظهيرة اليوم كممر عبور هاديء من النيل حتى سلسلة المحلات في مدينة القاهرة. هنا وهناك تشاهد نساء يسرن بازواج يتهامسن ويلبسن الحجاب الملون، يسرعن للعمل، لا احد يتوقف ولا احد يبتسم، يحافظن على هدوء كبير، والتصوير ممنوع.
لا توجد في الميدان معالم للاحتجاج وهي نظيفة، وقبل اسبوعين ازيلت النصب التذكارية لشهداء الثورة وبدلا منها رفع العلم المصري عاليا. ومن يصل إلى هنا لا يستطيع تخيل ما حصل خلال الاربع سنوات الماضية.
على الجهة اليمنى لميدان التحرير متحف مصر الوطني، وعلى اليسار مقر الاستخبارات هنا حققوا وهنا قرروا من يحول إلى السجن ومن يعود إلى البيت.
وفي احدى الزوايا تتواجد آليات عسكرية لتذكر بالايام العنيفة التي شهدها ميدان التحرير، من يريد التظاهر من اجل السيسي يجب ان يأخذ اذنا بذلك. على المداخل السبعة لميدان التحرير يتواجد الجيش مع كلاب الاثر بحثا عن المتفجرات.
لم أكن في مصر مدة خمس سنوات واصدقائي في القاهرة علموني أن من يشرب من مياه النيل، سيعود اليها، لكن المكان الذي كان في يوم من الايام بيتي الثاني اغلق بوجههي فجأة.
يوم اندلاع «الربيع العربي» ضد مبارك في كانون ثاني 2011 توقفوا عن اصدار تصاريح دخول للاسرائيليين، وحين حاولت الحصول على فيزا قال دبلوماسي رفيع المستوى في وزارة الخارجية المصرية «هذا ما ينقصنا، ان تتهجم الجموع الغفيرة على صحفي اسرائيلي». لم اقتنع ولم أتنازل ومرة تلو الاخرى عبأت بانضباط أربع نسخ من أجل اذن الدخول. ولم ترد القاهرة حتى قبل اسبوعين.
كنت منفعلة جدا ولم أنم قبل السفر بيومين. قال لي اصدقاء اسرائيليون: هل جننتِ؟؟ من يسافر إلى هناك؟؟ وقال آخرون: يا ليتني اني معك، وبعد أن اشتريت تذاكر السفر ابلغت اصدقائي القدامى انني سازورهم وفي القريب في أم الدنيا. قالوا لي: تعالي وشاهدي التغيير الذي حصل. اصبحنا 90 مليون، وكل واحد الان سياسي، وكل واحد لديه ما يقوله عن السلطة، وكل واحد يقدم للرئيس النصائح ويقدم الدعاوي حول سلوك الدولة. هذا لم يكن في عهد مبارك.
الطائرة التي حطت في مطار القاهرة الدولي مليئة بالمسافرين. لكن ثلاثة فقط نزلوا في مصر اما الباقون سيواصلون باتجاه جنوب افريقيا والهند والشرق الادنى. وبعد ساعة ستعود الطائرة لتل ابيب وعليها طاقم الدبلوماسيين والحراس في السفارة الاسرائيلية من اجل نهاية الاسبوع. لا توجد لهم مكاتب او سفارة، يعملون في بيت السفير. الطاقم مقلص وفي تل أبيب بالمقابل توجد سفارة مصرية ولا يوجد سفير. عليك ان تفهمي، انك لا تعنين شيئا لنا. يقول لي هشام قاسم، وهو الصحفي الذي أسس جريدة «مصر اليوم»: «اسرائيل ليست هي العدو، ولدينا عمل جيد معكم في الشؤون الامنية وتعلم الطرفان ان يعملا بصمت، عند الضرورة، يرفعون السماعة ويتصلون بكم، والعكس»، لا توجد لدى قاسم مشكلة بدعوتي لفنجان قهوة واذا سأله احد عني يقول هذه صحفية اسرائيلية. «لقد كنت معارضا علنيا لحسني مبارك، لم احتمل الفساد، وابتعاد السلطة عن الشعب. قاومت حسني مبارك 20 عام، وانضممت إلى المعارضة التي رشحت منافس لحسني مبارك لكن الاخير وضع المرشح في السجن، وانا تركت السياسة».
«بنظرة إلى الوراء، اعتقد ان عاما قد ذهب سدى، الشبان حققوا الهدف ولكن دون خطة عمل بعد ذلك، خطف الاخوان المسلمون السلطة. انا اعتقد انهم حصلوا على الاغلبية في الانتخابات بسبب كراهية مبارك، ولكن حين تبين انهم يريدون تحويل مصر إلى دولة دين إسلامية مثل ايران، وبعد ان زوروا الدستور وحاولوا السيطرة على الجيش، تمت الاطاحة بهم».
«لم يعد الناس خائفين، المصري البسيط الذي يحل جميع مشاكله بالمزاح تحول إلى عدائي، تعلم ابن الشارع ان يسمع صوته ورأيه وان يسقط الدكتاتور، السيسي نفسه يفهم انه اذا فشل قد تحدث ثورة. لكن لا اعتقد انهم سينتفضون ضده لان البديل سيء جدا».
«لقد اثبتت السنوات الاربع الماضية ان مبارك لم يفعل شيئا للحفاظ على السلام مع اسرائيل، لم يغلق الانفاق ولم يحارب حماس، واليوم يوجد تعاون استراتيجي كبير، الدور الاسرائيلي في أمريكا لصالح المساعدات لمصر ولصالح الاعتراف بالسيسي كرئيس شرعي كان أمرا استثنائيا. ويوجد لدينا من يُقدر جهودكم».
«اشخاص مثلي، عارضوا في السابق علاقات طبيعية مع اسرائيل، يقولون اليوم بصوت مرتفع: لا توجد مشكلة في الحديث مع الاسرائيليين، العدو الحقيقي لنا هو حماس وتنظيم الدولة وزعماء يؤيدون الإسلام المتطرف. لا توجد لدي مشكلة في الظهور مع الاسرائيليين أو أن يقولوا عني مطبّع».
من الصعب أن أبتعد عن الميدان، أقف إلى جانب القوى الامنية، رأسي المكشوف لا يثير التفات أحد، أنا أعتبر في نظرهم سائحة ومصر محتاجة للسياحة، مكعبات اسمنتية عالية تحيط بالجامعة الأمريكية. هنا تهجمت مجموعة على الصحفية الأمريكية لارا لوجين وتم سحبها إلى أحد الأزقة والتهجم عليها مثل الحيوانات، لكنها أُنقذت، صعدت إلى الطائرة وغادرت ولم تعد إلى مصر.
الى تلك الأزقة قام متظاهرون بسحب متظاهرات واغتصابهن. احدى هؤلاء البنات قام السيسي بزيارتها في المستشفى، وتعهد أمام الكاميرات أن أمرا كهذا لن يتكرر. لا أحد يتهجم على النساء ويحط من احترامهن، وأنه سيتم القبض على الجناة ومعاقبتهم.
تروي الرسومات على الجدران قصة الثورتين، العنف، الدموع، خيبة الأمل لدى الجيل الشاب الذي خرج لطرد رئيسين. صورة لمصطفى الذي قتل على أيدي الاجهزة الامنية، صورة اخرى لشاب يحمل نصف ساندويش فلافل ويتوسل: «أعطونا عمل، لنجد ما نأكله»، وصورة لوائل غنيم «نبي غوغل» الذي أرسل الملايين عن بعد في الموجة الاولى لمتظاهري التحرير. غنيم لم يعد في مصر منذ زمن، فقد يئس من الثورة، عاد إلى «غوغل» ونشر كتاب حول اسباب عدم خوفه هو ورفاقه من السلطة.
في اليوم التالي ذهبت إلى خان الخليلي. يوجد هناك بوستر يتضمن صور الرؤساء ويظهر فيه جمال عبد الناصر والسادات والسيسي. قلت لصاحب المحل إن صورة أحدهم غير موجودة. «هل جننت.. هل أعلق صورة حسني؟؟ أنا لا أريده، هو غير موجود من ناحيتي».
في الطريق إلى الأهرامات
نتباطأ أمام المدخل إلى المستشفى العسكري الذي أحضر اليه السادات في المعادي، بعد أن أطلقت عليه النار في الذكرى الثامنة لحرب يوم الغفران. نائبه في ذلك الحين، حسني مبارك، يتعالج هنا منذ ثلاث سنوات. لقد تمت تبرئة مبارك من مسؤولية قتل المتظاهرين، لكن البنود حول الفساد في «قصور الرئاسة» لم تسقط بعد، هو حر عمليا ويستطيع العودة إلى البيت، لكنه يفضل البقاء في المستشفى إلى حين انتهاء المحاكمة.
ليست هذه المحاكمة الوحيدة التي تشغل مصر. مرسي حكم عليه هذا الاسبوع بالاعدام. وبعد اسبوعين سيقدم مرة اخرى من اجل سماع الحكم بتهمة الاتصال مع حزب الله، حماس وايران. وكما يعتقدون في القاهرة فان الرئيس السيسي لن يصادق على حكم الاعدام بحق سلفه مرسي. أقف مطولا أمام احدى عجائب الدنيا السبع، بعد ساعة يصل جمال مبارك مع زوجته وابنته، حاملا كاميرا. لقد خرج من السجن منذ فترة قصيرة وهذه هي المرة الثانية التي يظهر فيها على الملأ.
لقد أعطاني أحد الاصدقاء قبل 12 سنة كتاب وقال لي اقرأيه. كان اسم الكتاب «عمارة يعقوبيان» وتدور قصته حول عمارة تحمل هذا الاسم ويسكن فيها الأغنياء والفقراء الذين يعيشون على السطح مع الدجاج. حتى الآن طبع الكتاب للمرة الـ 14 وترجم إلى 24 لغة وهو الثاني من حيث البيع في العالم العربي بعد القرآن الكريم. الكاتب الاسواني هو نبي الثورة حيث تنبأ بها، ويرفض المرة تلو الاخرى ترجمة الكتاب للغة العبرية ويقرن ذلك بانهاء الصراع مع الفلسطينيين.
وصلت إلى عمارة يعقوبيان بسهولة، وجاء باتجاهي الحارس وكأنه يخرج من الكتاب بلباسه الجلابية. سألته هل قرأت كتاب «عمارة يعقوبيان»، فأجابني نعم قرأته لكن شخصيتي لم تعجبني، فأنا أكثر حذاقة.