الأصولية اليهودية

بقلم:تومر فرسيكو
الأزمة التي تعاني منها اليهودية الدينية اليوم مقرونة بالفرضية التي تقول إنه إذا عُثر على المخربين الذين أحرقوا الطفل علي دوابشة فسيكونون متدينين.
عدد من العمليات الإرهابية التي حدثت في السنوات الأخيرة التي انتهى قسم قليل منها باعتقال المخربين اليهود، لا تترك مجالا للشك ويجب الاعتراف بالحقيقة: توجد اليوم ثقافة يهودية أصولية دموية، يخرج منها مخربون ولا يتم القبض عليهم، وحينما يتم القبض عليهم، يحظون بدعم الجمهور الذي جاءوا منه.
اتهام اليهودية بالإرهاب اليهودي ليس حكيما مثلما هو اتهام الإسلام بالإرهاب الإسلامي ليس حكيما. ففي الحالتين ليس الدين هو المسؤول بل كيفية فهمه. الحديث يدور هنا عن الاصولية، أي التصميم على أخذ الكلمات مثلما وردت في الكتب المقدسة. يحاول المؤمنون العودة إلى المصادر والى الأسس الطاهرة، وبذلك تتم اعادة الدين إلى عصره الذهبي الوهمي.
الأصولية هي رد على أزمة. رغبة في احداث اصلاح داخلي لمن يرون تفكك العالم الديني من حولهم. الأصولية بحد ذاتها هي ظاهرة عصرية، وتعتبر ردا وتطورا موازيا للعلمانية الواسعة في مئات السنين الاخيرة، لذلك يحاول المؤمنون الاصوليون ابعاد أنفسهم عن كل ما هو تابع للمواقف والقناعات الغربية العلمانية. وفي حالات كثيرة تكون النتيجة رفض الاخلاق الانسانية.
وبناءً على ربط الاصولية الاشكالية بالاخلاق الانسانية، فهي تبتعد عن الطريقة البسيطة والضمير، وبالتالي يتم الاعتماد على الاخلاق الالهية، التي هي جوهرية في الكتب المقدسة، التي يحملها الاصولي كراية، وكل شذوذ عن القوانين الالهية المكتوبة هو مثابة كُفر. من هنا يجب تطويع العقل والضمير الانساني للقوانين الدينية الالهية.
هذه هي احدى المشكلات الاساسية في العالم اليهودي الديني في الوقت الحالي. فلدى الحريديين والصهاينة المتدينين نرى الانفصال عن الضمير والاخلاق الانسانية العامة وتقديس كلامي للمصادر الدينية، والذين أحرقوا كنيسة الخبز كتبوا على الجدران «الاصنام تحطم تحطيما» لأنهم آمنوا بضرورة الانصياع لما هو مكتوب. لهذا قالت افتتاحية الموقع الحريدي «ساحة السبت» عن مسيرة المثليين إنها «مسيرة العيب»، وهنا يتم رفض الفكر الاخلاقي الغربي لأنه يتعارض مع الفكر الديني الاصولي.
هذا الامر بحد ذاته عصري، وهو يناقض الدين الذي دمج دائما بين البساطة والأوامر الالهية، والامر الذي كان مفهوم ضمنا قبل مئتي عام هو أن ضميرنا أداة دينية، وأن الله منحنا المشاعر الاخلاقية وهو الشيء الذي يعتبر في الوقت الحالي عدم استقامة وعدم جدية في الدين، وأن الفعل الديني الصحيح هو التغلب على الضمير الانساني وتنفيذ الأوامر التوراتية بحذافيرها.
بدلا من رؤية الاخلاق الانسانية كتعبير الهي، يتشكل الانصياع، أي على المؤمن الانصياع لله حتى لو كانت هذه الاوامر قبيحة حسب المعايير المتعارف عليها. في كتاب «من سيناء إلى صهيون» قال الحاخام البروفيسور دافيد هيرتمن إن هذا الموقف يرفض التحالف بين الله والانسان. «اذا نظرنا إلى هذا التحالف على أنه تبادلية فليس معقولا خنق اخلاقية الانسان وحكمته».
هيرتمن يتحدث عن معارضة سيدنا ابراهيم لله عندما أراد توسيع سدوم. وهذه المعارضة جاءت باسم الاخلاق الانسانية.
وحتى لو تم القاء القبض على الإرهابيين اليهود، ولو تمت محاكمة الحاخامات الذين يحرضون على الكراهية، فان جذور المشكلة لن تُحل. فاليهودية المتطرفة في اسرائيل تفسر التوراة بحذافيرها، والفصل بين الاصولية والدين هو الذي سيحل المشكلة ويضع حدا للإرهاب اليهودي.
التحدي الذي تواجهه السلطات الدينية هو القول الواضح بأن الانصياع للدين بشكل أعمى هو كفر، وعلى الحاخامات المطالبة بعدم الانصياع الكلامي لأنه تبسيط وسطحية، وأن تجاهل الضمير هو أمر لا يرضي الله. إن التشديد على أن القيم الاخلاقية العامة ملزمة ليس أقل من أوامر التوارة، من هنا على اليهودية تبني الاخلاق الانسانية من جديد وتقديس الضمير.
هآرتس