مبررات فوز حماس في أي انتخابات قادمة
أحدث إعلان السلطة الفلسطينية عن إجراء إنتخابات لمجالس الحكم المحلي، تبايناً واضحاً في وجهات النظر، ففي الوقت الذي طالب فيه البعض الرئيس أبو مازن إجراء الإنتخابات وضخ دماء جديدة في إدارة السلطات المحلية، مبررين ذلك بضعف المجالس الحالية التي تم انتخاب بعضها عام 2012م، والتي لم تقدم الكثير للمجتمع المحلي، على الرغم من إسهامات الجماهير المالية المدفوعة على شكل ضرائب ورخص بناء، حيث لم تحقق هذه المجالس على الأرض أكثر من بعض الأبنية التي تتملكها بلديات المدن الكبرى على حساب مساحات قليلة من الأرض، كان من الأجدى أن تبقى ساحات ومتنزهات عامة مجانية يقضي فيها المواطنون المتكدسون في شققهم السكنية ضيق أوقاتهم ،وبعض الخدمات الروتينية التي تتعلق بالنظافة والمياه والكهرباء، أوبعض المشاريع التي تتبرع بها الدول المانحة كتعبيد بعض الطرق. كما تأمل هذه الأصوات المطالِبة بالإنتخابات من إيجاد فرص لعدد من القيادات الشابة أو الراغبة في العمل وخاصة من كوادر حركة فتح التي تمسك بزمام السلطة في الضفة الغربية.
لم يكن من الوارد في الحسبان لدى أغلب الأوساط بما فيها حركة "فتح" ؛إعلان حركة حماس عن نيتها المشاركة في هذه الإنتخابات والسماح بإجرائها في قطاع غزة . لقد لاقى إعلان حركة حماس بالمشاركة في هذه الإنتخابات ردة فعل لدى الأوساط الفتحاوية كونها المعني الأول في هذه الإنتخابات، فبعضهم طالب الرئيس بتأجيل هذه الإنتخابات كعضو المجلس التشريعي جمال الطيراوي، وحسن عصفور أحد مهندسي اتفاقية أوسلو،وبعضهم طالب بتوحيد صفوف الحركة وخوض هذه الإنتخابات والعمل على الفوز فيها ومنهم الدكتور نبيل شعث الذي رحب بإجراءها.
توقع الكثير من المحللين للشأن الفلسطيني، فوز حركة حماس في هذه الإنتخابات أو أي انتخابات قادمة تجري على الساحة الفلسطينية في هذه المرحلة، حتى أنّ بعض الأوساط الإعلامية والأمنية الإسرائيلية حذرت من إجرائها وذلك حسب المعطيات التي تراها تلك الأوساط.فوفقاً لما نشرته صحيفة هآرتس عن محللها للشؤون العسكرية عاموس هرئيل، الذي يرى أن تفاؤل حركة فتح في الفوز ليس في محله وسوف تستغل حركة حماس الركون لهذا التفاؤل وستزيد من جهودها للفوز ،وقال هرئيل أنّ الأمن الإسرائيلي تحدث لنظرائه الفلسطينيين أن حركة حماس ستستغل هذه الاستهانة بالخصم والفوز في الانتخابات وزيادة تأثيرها السياسي بالضفة وإضعاف السلطة. وقال "يوسي ميلمان" الخبير الأمني الإسرائيلي في صحيفة معاريف إن إسرائيل تستعد لما سماه "مفاجأة أكتوبر" وهي الفوز الكبير المتوقع لحركة "حماس" في الانتخابات البلدية الفلسطينية.
وبنظرة واقعية، ما هي المرتكزات والمبررات لفوز "حماس"، في حال حدثت انتخابات بنفس ظروف عام 2005م، وهو عام الانتخابات البلدية التي حققت حماس فيها فوزاً كبيراً في ظل الإنفراج الأمني الداخلي الذي سمح لجميع الكتل من تقديم نفسها بدون أدنى ضغط أو تضييق أمني للمواطن الفلسطيني.
هناك نوعان من الدواعي لهذا الفوز، دواعي خارجية ودواعي داخلية. أمّا الدواعي الخارجية فهي متعلقة بالخصم السياسي الأهم أمام حركة حماس وهي حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، فهي التي تبنت وقادت من خلال منظمة التحرير برنامجاً سياسياً منذ خمسة وعشرين عاماً، مبنيّ على المفاوضات المباشرة مع دولة الإحتلال،وتبني خيار حل الدولتين، وإذا بقطار المفاوضات يصل إلى طريق مسدود أمام رفض دولة الإحتلال تقديم تنازلات على الأرض تسهم في قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967م. لقد ركنت حركة فتح على مسيرة المفاوضات بعد أن تخلت عن برنامجها التحرري المبني على الكفاح المسلح، وأشغلت كوادرها بإدارة السلطة وبيروقراطيتها، ولم تهتم بتنشئة جيل جديد على أسسها التي انطلقت من أجلها، ممّا أضعف صفها الداخلي وجعل جزء من الذين يرغبون في الوصول إلى شأن ما؛ الإنضمام للحركة دون معرفة لقواعدها ومنطلقاتها.
كما أنّ حركة فتح الآن تفتقد إلى رص صفوفها، فهي مقسمة إلى تيارات، وعيون البعض فيها متجهة نحو خلافة الرئيس أبو مازن، ومن هنا يصعب إيجاد قائمة واحدة لها في العديد من المواقع، أو حتى حسم الأمر على قائمة وطنية تشمل الكل الفلسطيني.
أما من جهة السلطة التي تديرها حركة فتح، فهناك الكثير من الملاحظات، سواءٌ منها الاستئثار الوظيفي، أو قضايا الفساد المالي الذي تتابع المحاكم الفلسطينية عدداً منها، أو الوضع الاقتصادي الغير مستقر، واحتكار رأس المال بيد فئة قليلة من الناس تزاوجت مع السلطة وتسيطر على مفاصل هذا الاقتصاد وقطاعاته المفصلية كقطاع الاتصالات على سبيل المثال لا الحصر.
أما دواعي فوز حركة حماس الداخلية، فأولها أن الحركة تبنت برنامجاً منذ تأسيسها، وما زالت متمسكة به وهو مبني بالأساس على خيار المقاومة بكل أشكالها، وعدم التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين، على الرغم من ترحيب قياداتها بقبول دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران دون التنازل عن الحق الفلسطيني في فيما تبقى من أراضٍ محتلة، وهي التي خاضت ثلاثة حروب في ست سنوات وقدمت خيرة قياداتها في سبيل الدفاع عن الشعب الفلسطيني ،وهي التي رفضت رفع الحصارعنها كحركة وعن قطاع غزة مقابل قبول شروط الرباعية الدولية التي تستند بشكل أساسي على الإعتراف بدولة إسرائيل وحقها في الوجود على أرض فلسطين.
في المقابل فإنّ حركة "حماس" تراهن على الشعب الفلسطيني في التمييز بين قدرتها على إدارة البلديات وبين منعها من ذلك، حين تمّ اعتقال أغلب عناصرها الذين فازوا في الانتخابات التي حدثت عام2005م، وأن قاعدتها الجماهيرية لم تتضرر جراء ذلك، بل على العكس فبالرغم من الإعتقالات وإغلاق كافة مؤسسات حركة حماس في الضفة الغربية ومنع نشاطاتها وحرمانها من حقوقها النقابية، فقد حققت حركة حماس في الانتخابات الطلابية نجاحاً وتقدماً يعتبر مؤشراً على حضورها في الشارع الضفاوي.
وأمر آخر ومهم، ويعتبر ميزة داعمة لفوز حركة حماس، وهو أنّ هذه الحركة تقدمت سابقاً للإنتخابات وتتقدم الآن موحدة مرصوصة الصف، إذ لم يسجل في تاريخها أي انشقاق أو خروج على الإجماع، حتى وإن تباينت الآراء الداخلية فيها أو تصريحات بعض قيادادتها، ولم يحدث أن تراشق قادتها بعضاً نقداً أو تشهيراً، ممّا يجعل صورتها أمام الجماهير متماسكة غير مشروخة.
من هنا فإن كانت التقديرات تصبّ في صالح حركة حماس في فوزها في هذه الانتخابات،في حال تحققت الموضوعية والشفافية وتكافؤ الفرص، فإنّ مصلحة الجماهير الفلسطينية وفي هذه اللحظة بالذات لهي بأمس الحاجة إلى الجهود الموحدة، وذلك من خلال قوائم وطنية تشارك فيها الفصائل كافّة لتقديم الأفضل، وتغيير الصورة النمطية لدى المواطن الفلسطيني المبنية على صورة الانقسام الراسخة منذ عشر سنوات.