تونس : تحديات المرحلة الانتقالية

 

 

صبيحة ٦ شباط / فبراير، وقع اغتيال المعارض اليساري الرّاديكالي البارز والحقوقي شكري بلعيد أمام منزله، بثلاث رصاصاتٍ قاتلةٍ في الرّأس. وقد اتّسمت العمليّة نسبيًّا بالاحترافيّة، وإن كانت المؤشِّرات تحيل على ثقةٍ محيِّرةٍ لدى القتَلة عند قيامهم بالعمليّة؛ إذ تعمّدوا البقاء بوجوهٍ عاريةٍ بحسب بعض الشّهود. ولقد جعل سياق التّأزّم والاحتقان الذي جرى فيه الاغتيال، أيَّ نقاشٍ هادئٍ حول هويّة القاتل أمرًا مستحيلًا. فمنذ البداية، وقع تبادل التّهم والردّ عليها سياسيًّا، بعيدًا عن سير التّحقيق. وعلى هذا الأساس، حُدِّد الاتِّهام على أساسٍ سياسيٍّ؛ فإمّا أن يكون القاتل من السّلطة بالضّرورة بما أنّ الفقيد معارضٌ بارزٌ، وإمّا أن يكون من المعارضة التي تستهدف تقويض المسار الدّيمقراطي، لأنّه "ليس من مصلحة" السّلطة أن تكون القاتل. وهذه كلّها تهَمٌ سياسيّةٌ، لا علاقة لها بالقانون.

جعل هذا الوضعُ عملَ وزارة الدّاخليّة متأثِّرًا بالغ التّأثّر بالوضع السِّياسي، ومنَحَ انتقادات المعارضة المتعلِّقة بـ "تحييد" تلك الوزارة جاذبيّةً كبيرةً، بصرف النّظر عن مدى وجاهة ما تقوم به. ونحن بذلك بإزاء حالةٍ يصعب فيها التّوافق على المشتَرَك الأدنى، ويصبح فيها التّصعيد التّطوّرَ الطّبيعيَّ. وليس السّؤال الأهمّ الآن: من هو القاتل، وإنّما من هو القتيل القادم؟ وعلى رأس الأمثلة المقارَنة التي تُستَحضر الآن في كواليس الأوساط السِّياسيّة في تونس، نذكر اغتيال رفيق الحريري. وبالنّظر إلى ذلك، تصبح مسألة "التّحقيق" في الجريمة مسألةً هامشيّةً ومستحيلةً تقريبًا، قياسًا بالوظيفة السِّياسيّة للاغتيال نفسه.

أزمة "الترويكا"

كان اغتيال بلعيد، النّقطة التي أفاضت كأس الأزمة السياسيّة. فقد كان الائتلاف الثّلاثيّ الحاكم ("حزب حركة النّهضة"، و"حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة"، و"حزب التكتّل من أجل العمل والحريّات") المعروف باسم "التّرويكا"، يعيش أشهر أزمةٍ داخليّةٍ مكتومةٍ. وكان هناك وعيٌ متزايدٌ بفقدان شعبيّة الحكومة، وباهتراء قواعد الأحزاب الثّلاثة وحزامها الانتخابي. لا يعود ذلك إلى التّأثير السّلبي لكلّ من هو في موقع الحكم، وإلى اختبار السّلطة في مثل هذه المرحلة الصّعبة فحسب، بل يعود كذلك إلى عددٍ من العوامل الخاصّة بالوضع التّونسي. فلقد جرت الانتخابات ضمن سقفٍ عالٍ من التوقّعات والانتظارات؛ إذ كان عديد التونسيّين ينتظرون إنجاز استحقاقات الثّورة، مثل: مقاومة الفاسدين، ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان، وتنمية الجهات الأكثر فقرًا، تلك التي انطلقت منها الثّورة. ولكنّ الحكومة اختارت عدم مواجهة النِّظام القديم. وفي مقابل ذلك، كان التّفويض المؤقَّت والانتقالي الممنوح لأحزاب الأغلبيّة، يدفع في اتِّجاه نسقٍ بطيءٍ من التّغيير. وبمعنًى آخر، اصطدمت الانتظارات الشّعبيّة لإصلاحاتٍ هيكليّةٍ فوريّةٍ بأدواتٍ سياسيّةٍ تفرض إصلاحاتٍ طفيفةً. وما زاد الوضع تعقيدًا، أنّ الائتلاف الحاكم كان متردِّدًا، ولم يتصرّف كحكومةٍ ذات برنامجٍ سياسيٍّ ثوريٍّ في مرحلةٍ انتقاليّةٍ، بل كحكومةِ تسيير أعمالٍ. ذلك أنّه لم يحقِّق حتّى البعض من الإصلاحات الممكنة في السِّياق الانتقالي الرّاهن. وكانت "التّرويكا" ائتلاف الضّرورة، وليست ائتلافًا مبنيًّا على برنامجٍ وخطّةِ عملٍ واضحةٍ. وتبيّن مع الوقت أنّ ذلك هو عطبها الرّئيسيّ. ولم تستفد المعارضة من صداميّة الحكومة مع إرث النِّظام القديم، بل استفادت من براغماتيّتها ومن نزعة التّسوية لديها بالخصوص.

كانت ضرورة إدخال تغييرٍ على الأداء الحكوميّ أمرًا بديهيًّا في ظلّ مراجعة مبادئ كلّ المسار الانتقاليّ، ولا سيّما بإزاء تكرّر المحاولات الصِّداميّة للمعارضة مع السّلطة القائمة، إلى حدّ الدّفع نحو نزع الشّرعيّة عن المؤسّسة المنتَخَبة الوحيدة منذ الثّورة، وهي المجلس الوطني التّأسيسي. وقد اتّجهت المفاوضات داخل "التّرويكا" نحو مسارين:

المسار الأوّل: يتعلّق بوضع خريطة طريقٍ، في إطار وثيقةٍ مشتَرَكةٍ تحدِّد خطّة عمل الحكومة في ما تبقّى من الفترة الانتقاليّة، وكذلك القيام بـ "حوارٍ وطنيٍّ" يجمع مختلف الفرقاء في توضيح الطّريق المؤدّي إلى الانتخابات القادمة.

المسار الثّاني، كان الأكثر تعقيدًا، ويتعلّق بالتّغيير الوزاري؛ إذ واجه حزب الأغلبيّة مطالب من شريكيْه بتغيير عددٍ من وزارات السِّيادة التي في عهدته، وحتّى بتحييدها. وفي الوقت الذي كان هناك توجّهٌ نحو توسيع الائتلاف الحاكم، تبيّن تدريجيًّا أنّ المفاوضات تتّجه نحو عجزٍ في التوصّل إلى توافقٍ بين الأطراف الثّلاثة، ومن ثمّة احتمال انفراط عقد التّحالف بينها، خاصّةً بعد تهديد "حزب المؤتمر" تهديدًا رسميًّا - ولأكثر من مرّةٍ - بالانسحاب من الحكومة.

جرى توجيه الضّربة القاضية للتّرويكا، بعد اغتيال شكري بلعيد مباشرةً؛ عندما قرّر رئيس الحكومة وأمين عامّ حزب "حركة النّهضة" تشكيل "حكومة كفاءاتٍ" مستقلّةٍ عن الأحزاب، بداعي فشل أحزاب الثّلاثي الحاكم في التوصّل إلى توافقٍ. وتكمن المعضلة الأكبر، في أنّ قرار رئيس الحكومة، كان متباينًا مع موقف حركته التي تصرّ على تشكيل حكومة ائتلافٍ سياسيٍّ.

أهوَ الانقلاب على الشّرعية؟

إثر اغتيال شكري بلعيد مباشرةً، اتّهمت وجوهٌ معارضةٌ عديدةٌ - وبكلّ بساطةٍ - "حركةَ النّهضة" بـ "المسؤوليّة السِّياسية"، أو بـ "المسؤوليّة المباشرة" عن الجريمة. وبسرعةٍ، وفي ظرف ثلاثة أيّامٍ امتدّت من صبيحة الاغتيال إلى يوم تشييع الجنازة، حصل تصعيدٌ كبيرٌ في مواقف المعارضة، التي تراوحت بين ضرورة إسقاط الحكومة وحلّ المجلس التّأسيسي. ولقد تميّزت الجنازة الضّخمة بشعاراتٍ معاديةٍ لـ "حركة النّهضة"، تنادي بـ "إسقاط النِّظام".

وبرز حزب "حركة نداء تونس" في المشهد المعارض؛ ذاك الذي يقوده رئيس الحكومة المؤقَّت قبل الانتخابات الباجي قائد السِّبسي (وهو من رجالات بورقيبة المقرَّبين، ووزير داخليّةٍ سابقٍ، عُرفت وزارته بممارسات قمعيّة، كما عُرف بقربه من الدّوائر الغربيّة خارجيًّا)، منافسًا أساسيًّا لحركة النّهضة بحسب عددٍ من استطلاعات الرّأي ومن الاجتماعات الشّعبيّة التي يعقدها من حينٍ إلى آخر. وهذا الحزب هو توليفةٌ غير متجانسةٍ من رموز محسوبةٍ على النِّظام القديم، مع أطراف تُنسب إلى اليسار، دون أن يكون للحزب برنامجٌ معلَنٌ وواضحٌ. ولقد تميّز "نداء تونس" - منذ تأسيسه في ربيع السّنة الفارطة - بخطابٍ معادٍ للإسلاميّين، ومدافعٍ عن "النّموذج الحداثي التّونسي البورقيبي". واعتمد في ذلك خطابًا سياسيًّا يدفع نحو تحديد زمن عمل المجلس التّأسيسي في عامٍ واحدٍ، ورفض المسار القائم على حكومةٍ سياسيّةٍ في الفترة الانتقاليّة. وهكذا خاض حملةً سياسيّةً قبل ٢٣ تشرين الأوّل / أكتوبر الماضي (الذِّكرى الأولى للانتخابات)؛ من أجل إنهاء "الشّرعيّة الانتخابيّة"، والبدء في "شرعيّةٍ توافقيّةٍ"، وهو ما يعني عمليًّا إنهاء دور المجلس التّأسيسي. إنّ اغتيال بلعيد كان مناسبةً للحديث بشكلٍ صريحٍ في هذا الاتِّجاه، من خلال تصريحات قائد السِّبسي الذي دعا إلى حلّ المجلس التّأسيسي وتشكيل حكومةٍ جديدةٍ مبنيّةٍ على "التّوافق"[1].

قبل أيّامٍ قليلةٍ من الاغتيال، شكّلت الأحزاب الممثِّلة لكتلة المعارضة داخل المجلس الوطني التّأسيسي من حزبي "الجمهوري" و"المسار" جبهةً سياسيّةً وانتخابيّةً مع "نداء تونس". لكنّ مواقفها لم تكن متجانسةً بعد ذلك؛ إذ دافعت عن موقف "تعليق" عضويّة ممثّليها في المجلس التأسيسي، وليس عن حلِّه. في مقابل ذلك، كان موقف "الجبهة الشعبيّة" (وهي تحالفُ أطرافٍ يساريّةٍ راديكاليّةٍ، كان من بين قيادييها شكري بلعيد) حاسمًا في اتِّجاه الدّفع بمسارٍ موازٍ للمؤسّسة الشّرعية القائمة؛ إذ دعا إلى "مؤتمر إنقاذٍ وطنيٍّ" تنبثق عنه "حكومة أزمةٍ". ولعلّ من بين أهمّ تداعيات الاغتيال، تذليل الفوارق بين "نداء تونس" و"الجبهة الشعبيّة" التي كانت تقدِّم نفسها على أنّها "طريقٌ ثالثٌ" يضاف إلى طريقيْن ("الترويكا" من جهةٍ، و"نداء تونس" من جهة ثانيةٍ)، وتؤكِّد على أنّها على قطيعةٍ مع رموز النِّظام القديم الذين يتألّف منهم "نداء تونس". ولقد نُظِّمت اجتماعاتٌ تنسيقيّةٌ بين الطّرفين لأوّل مرّةٍ، وجرى تقاربٌ في الموقف السِّياسيّ العامّ؛ وهو البحث عن مسارٍ موازٍ للشّرعيّة.

إنّ تسلسل الأحداث السّريع، ودفع المعارضة به نحو التّصعيد، والمناداة بمراجعة المسار برمّته، قد جعل البعض يتحدّث عن "محاولةٍ انقلابيّةٍ على الشّرعيّة"، خاصّةً من أوساط السّلطة. ولقد قرّر الجيش - ممثَّلًا في وزير الدِّفاع "التّكنوقراط"، والمقرَّب من قيادته - بعث مؤشِّراتٍ سلبيّةٍ في هذا الاتِّجاه، عندما قام على غير عادته باتِّصالٍ هاتفيٍّ على إحدى القنوات التلفزيونيّة، ينتقد فيها أيّ إشارةٍ إلى "تسخير" رئيس الجمهوريّة للقوّات المسلَّحة لحماية الجنازة، قائلًا إنّ الجيش لا يخضع إلى أيّ حزبٍ، مشكِّكًا ضمنيًّا في موقع رئيس الجمهوريّة المؤقَّت المنصف المرزوقي، ومؤسِّس "حزب المؤتمر" أحد أحزاب "التّرويكا"، بوصفه قائدًا أعلى للقوّات المسلّحة.

صبّت بعض المواقف في الخارج الزّيتَ على النّار، وتحديدًا تلك الآتية من فرنسا. فلقد عبّر وزير الدّاخليّة الفرنسي إيمانوال فالس - في حوارٍ له على إحدى الإذاعات الفرنسيّة الأكثر انتشارًا - عن موقفٍ حادٍّ نوعًا ما؛ يرى فيه ضرورة دعم فرنسا "للدّيمقراطيّين" في تونس، وتضمّن نقدًا قويًّا لما عدّه "فاشيّةً إسلاميّةً صاعدةً". وتدخّل الباجي قائد السِّبسي على أمواج الإذاعة نفسها، فقدّم حزبه بوصفه ممثِّلًا لـ "الدّيمقراطيّين". وهو ما يمكن تأويله على أنّ رموز النِّظام القديم - حلفاءَ فرنسا التّقليديين- الذين يضمّهم هذا الحزب، هم الذين يحتكرون الدّيمقراطيّة دون غيرهم. ولقد نظرت أوساط السّلطة إلى هذه الواقعة كدليلٍ على تحالفٍ بين باريس والمعارضة، خاصّةً بعد تصريحاتٍ لإحدى ممثِّلات "الجبهة الشّعبية" في فرنسا على قناة "فرنسا ٢٤"، نادت فيها بتدخّلٍ فرنسيٍّ في تونس احتذاءً بالتدخّل الفرنسي في مالي. كانت ردّة الفعل الرّسمية على تصريحات وزير الدّاخليّة الفرنسي فوريّةً، تمثّلت في استدعاء السّفير الفرنسي للاحتجاج على ما عُدّ "تدخّلًا سافرًا في الشّأن التّونسي". والحقيقة، أنّ مواقف فالس - المعروف بمواقفه الحادّة في ما يخصّ الإسلاميّين - لم تكن متجانسةً مع مواقف الرّئيس الفرنسي ووزير خارجيّته، تلك التي توخّت الحذر وحرصت على اتِّخاذ مسافةٍ فاصلةٍ ممّا يحدث في تونس.

السّيناريوهات الممكنة

تُطرح في الوضع الحاليّ ثلاثة سيناريوهاتٍ ممكنة في تونس:

- حكومة "كفاءاتٍ مستقلّةٍ" أو "تكنوقراط": وهذا مقتَرَح رئيس الحكومة حمّادي الجبالي، يسانده فيه طيفٌ واسعٌ من المعارضة، وخاصّةً "نداء تونس". ويرجع موقف المعارضة المساند هذا - على الأرجح - إلى سببين: يعود أوّلهما إلى أنّ حديث رئيس الحكومة عن عدم حاجة المجلس التّأسيسي إلى تزكية حكومة "التِّكنوقراط" التي اقترحها، من شأنه أن يجعل المجلس التّأسيسي دون معنى على مستوى الصّلاحيّات التّنفيذيّة، وتَبعًا لذلك سيشكِّل ذلك حلًّا جزئيًّا له. ويعود السّبب الثّاني إلى أنّه اعترافٌ بفشل أحزاب الثّلاثي الحاكم في الحكم، وضربةٌ استباقيّةٌ كبيرةٌ لها قبل الانتخابات القادمة. هذا علاوةً على أنّ "حكومة تكنوقراط"، ستعيد في الأغلب إنتاج وجوهٍ من الحكومات السّابقة؛ إذ إنّ "التّكنوقراط" هم في معظمهم إداريّون قريبون من النِّظام القديم، ممّا يعني استعادة ذلك النِّظام نفوذه على مستوى السّلطة التّنفيذيّة. أمّا العائق الأساسي الذي يقف أمام هذا الخيار، فهو رفض "حركة النّهضة" و"حزب المؤتمر" وكتل أخرى في المجلس التّأسيسي له، ممّا يعني استحالة حصوله على التّزكية في الوقت الرّاهن. وحتّى لو تجنّب رئيس الحكومة عرض وزرائِه الجدد على التّزكية، سيتعرّض لسحب الثّقة من جانب المجلس التّأسيسي، حسبما ينصّ على ذلك "الدّستور الصّغير" المنظّم للسّلطة الحاليّة. والاحتمال الوحيد الذي سيسمح لهذا الخيار بالنّجاح، هو اختيار "حركة النّهضة" التّوافق مع مقترح أمينها العامّ ورئيس الحكومة حمّادي الجبالي، وتجنّب إقصائه من قيادة الحركة وإنهاء حياته السِّياسيّة. لكنّ كلّ المؤشِّرات الآن، تدلّ على تمسّك "حركة النّهضة" برفض حكومة "التّكنوقراط"، التي ترى فيها انتحارًا لها.

-حكومة ائتلافٍ سياسيٍّ مع كفاءاتٍ: وهي حكومة تجدِّد الائتلاف السِّياسيّ من داخل المجلس التّأسيسي، مع تطعيمها بـ "كفاءاتٍ مستقلّةٍ" في الوزارات التّقنيّة، وهو مقتَرَح "النّهضة" و"المؤتمر" وأحزابٍ أخرى داخل المجلس. ويمكن أن يتحصّل هذا المقتَرَح على أغلبيّةٍ مريحةٍ، ولكنّه قد يعني التخلّي عن حمّادي الجبالي في رئاسة الحكومة، خاصّة إذا ما تمسّك بمقترح "حكومة التّكنوقراط". وفي هذه الحالة، سيجري تعويضه بقياديٍّ آخر من "حركة النّهضة"، سيكون - على الأرجح - عبد اللّطيف المكّي وزير الصحّة الحالي، أو بدرجةٍ أقلّ محمد بن سالم وزير الفلاحة الحالي. في المقابل، سيواجه هذا الخيار صعوباتٍ في الحفاظ على "التّرويكا"، بما أنّ "حزب التكتّل" يساند حتى الآن مقتَرح "حكومة التّكنوقراط"، وربّما يقع ضمّ أحزابٍ جديدةٍ ممثّلة في المجلس التّأسيسي مثل "حركة وفاء". لكنْ، من المرجَّح أن يواجه هذا الخيار رفضًا كبيرًا من مختَلَف قوى المعارضة. ويعني ذلك تواصل حالة التّجاذب في ما تبقّى من الفترة الانتقاليّة، ولا سيّما إذا لم ينجح التّحالف الجديد في التّوافق مع القوى الموجودة خارج السّلطة حول خريطة طريقٍ مشتَرَكة نحو الانتخابات، من شأنها أن تحدِّد المواعيد الرّئيسة في الأجندة السّياسيّة؛ مثل نهاية كتابة الدّستور، وإنشاء الهيئات الدّستوريّة المصادِقة على المجلّة الانتخابيّة، وتحديد موعد الانتخابات القادمة.

-تدخّل الجيش، وحلّ المؤسّسات المنتَخَبة، وإقامة "الشّرعيّة التّوافقيّة": تبقى نسبة احتمال هذا الخيار ضعيفةً، لكنّها ممكنةٌ إن استمرّت حالة التّجاذب، أو تكرّرت حالات الاغتيال، وتصاعَدَ العنف السِّياسي، على نحوٍ يحيل إلى سيناريو قريب من السّيناريو الجزائري. ويعني هذا الخيار عمليًّا مواجهةً مفتوحةً مع "حركة النّهضة" والأطراف العلمانيّة المدافعة عن الشّرعية والأطياف الإسلاميّة المختلفة. وهو ما يؤدّي إلى احتمال الدّخول في حالة اقتتالٍ داخليٍّ، خاصّةً مع كلّ المؤشِّرات المقترِنة بانتشار تهريب السِّلاح عبر الأراضي التّونسيّة، وخزنه بغرض التّجارة أو ليكون في حوزة التيّار "السّلفي الجهادي".

المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات

وحدة تحليل السياسات

14 شباط فبراير 2013