الأسرى الفلسطينيون وغياب استراتيجية تحريرهم

بقلم: 

 

لا يزال ملفّ الأسرى الفلسطينيين ساخناً، جراء التطورات الأخيرة في السجون الإسرائيلية، خاصة بعد استشهاد الأسير عرفات جرادات خلال تعذيبه، الأمر الذي أدّى إلى حالة من الغليان في السجون إضافة إلى إضراب نحو أربعة آلاف أسير، احتجاجاً على استشهاده وعلى استهتار إدارة السجون بالأوضاع الصحّية للأسرى المضربين.

تطوّرات الحركة الأسيرة هذه، ودخول عدد من الأسرى المضربين في مرحلة الخطر، نتيجة تراجع تدهور أوضاعهم الصحية، دفعت أبناء الضفة والقطاع إلى الخروج بمسيرات غضب سرعان ما تحولت إلى مواجهات مع الجنود الإسرائيليين عند مدخل سجن عوفر قرب رام الله وفي محافظة الخليل التي ينتمي إليها جرادات، وعدد من مدن الضفة الغربية، وهو ما بات ينذر بتطوّر الأمر إلى انتفاضة إن عمدت إسرائيل إلى تصعيد إجراءاتها التعسفية بحق الأسرى، خاصة أن أبناء الضفة باتوا يعانون الأمرّين من اشتداد وتيرة الاستيطان والجدار.

هذه الأوضاع تأتي في وقت يتّسع فيه نطاق الأسرى المضربين بانضمام ثلاثة أسرى جدد إلى معركة الأمعاء الخاوية، ليرتفع بذلك عدد المضربين إلى 15 أسيرا، بهدف إنهاء الاعتقال الإداري، وإطلاق سراح الأسرى الذين أعادت سلطات الاحتلال اعتقالهم، بعد نيلهم الحرية في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة التي أطلق فيها أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل الإفراج عن الجندي جلعاد شاليط.

ويبلغ عدد الأسرى المحررين ممن أعيد اعتقالهم نحو 15 أسيراً، بينهم الأسيران سامر العيساوي وأيمن الشراونة اللذين يخوضان إضراباً عن الطعام منذ أشهر، بعد تشريع إسرائيل لمواد قانونية تتيح إعادة محاكمة من أفرج عنهم في صفقة "الوفاء للأحرار"، وإعادة الأحكام السابقة إليهم، حتى إن كان سبب إعادة الاعتقال مخالفة سير يرتكبها الأسير المحرّر أو المشاركة في مظاهرة.

كما أن الأسرى الفلسطينيين يطالبون بإلغاء توقيفهم في السجون الإسرائيلية تحت مسمّى الاعتقال الإداري والذي يسجن بموجبه الأسرى دون محاكمة، وإنما بناء على معلومات سرّية تحصل عليها إدارة السجون بطرق مختلفة، خاصة من خلال الجواسيس. ولا ترغب بالإفصاح عن مصادر المعلومات أو التهم، كي لا تؤثّر "سلباً على هذه المصادر".

وقانون الاعتقال الإداري يعود إلى زمن الانتداب البريطاني، حيث تعتقل إسرائيل الفلسطينيين لمدة تتراوح ما بين 4 إلى 6 أشهر قابلة للتجديد، وفقاً للملف السري المعدّ ضد الأسير، حيث يطبّق هذا القانون على 178 أسيرا إداريا بينهم 5 أسرى يخوضون الإضراب المفتوح عن الطعام.

ويمثل لجوء الأسرى إلى الإضراب نوعاً من فقدان الثقة في الفصائل الفلسطينية التي لا تملك استراتيجية واضحة لتحريرهم من السجون الإسرائيلية. بالتالي فإن الإضراب يمثل حلاً. على هذا الأمل يعوّل الأسرى المضربون، وهو ما يتطلب إرادة وعزيمة للاستمرار بمعركة الجوع لفترات طويلة، خاصة أن الاحتلال بات في مأزق إن استجاب لمطالب الأسرى بالحرية، حيث سيقدم معتقلين جدداً على الإضراب، وهو ما حصل قبل أقل من عام. فبعد رضوخ إدارة السجون لإرادة بعض الأسرى المضربين سابقاً وإطلاق سراحهم كخضر عدنان وهناء الشلبي وثائر حلاحلة ومحمود السرسك وأكرم الريخاوي، ولهذا السبب لجأ إلى إطالة أمد الإضراب عبر تقديم المدعمات والفيتامينات لزيادة آلام وعذابات الأسرى المضربين التي أسفرت عن تعطل أعضاء كاملة من أجسادهم، ويمكن إطلاق سراحهم قبل اقترابهم من مرحلة الشهادة كي لا ينضم أسرى جددا لمعركة الأمعاء الخاوية، وذلك ضمن استخلاص "العبر" من إضراب عدد من الأسرى الإداريين قبل أقل من عام.

وما يثير الأسى ضعف فعاليات التضامن الشعبي التي  يتطلع إليها الأسرى المضربين، بسبب قلة ثقة الشعب الفلسطيني بالفصائل التي تقيم هذه الفعاليات والإعتصامات، فتقتصر المشاركة الشعبية على أهالي المعتقلين أو بعضهم، وعلى زيارات محدودة لخيم التضامن المقامة في بعض مدن الضفة وغزة.

وتغيب أيضاً الجهود العربية لإنهاء معاناة الأسرى وعلى الأخصّ مصر التي رعت اتفاق تبادل الأسرى عام 2011 واتفاقا آخر في أيار من العام الماضي أنهى إضراب الأسرى في السجون، حيث تنتهك إسرائيل هاتين الاتفاقيتين بإعادة اعتقال الأسرى المحررين وإبقاء عدد من الأسرى في الزنازين الانفرادية إضافة إلى تجديد الاعتقال الإداري لعدد من المعتقلين الذين اتفق على إطلاق سراحهم حينما ينهوا الأحكام المفروضة عليهم.

ولا يمكن التعويل على الدول الغربية، لأنها تعتبر الأسرى إرهابيين ومن حق إسرائيل أن تبقيهم في السجون، حتى لا يهدّدوا أمنها ويعودوا إلى "أعمال العنف".

انطلاقاً من ذلك ينبغي أن تعمل الفصائل الفلسطينية على وضع استراتيجية لتحرير الأسرى، تتضمن القيام بفعاليات وأحداث جدية تستقطب الاهتمام الدولي والإعلامي، وتشكّل ضغطاً على إسرائيل لتفرج عن الأسرى، وفي مقدمتها العمل على تطوير المواجهات مع جنود الاحتلال الأخيرة، والاستفادة من الزخم الشعبي الأخير لقضية الأسرى للوصول إلى انتفاضة ثالثة تضمن إنهاء عذابات الأسرى.

المصدر: 
موقع المدن