حملة للترويج لحل الدولتين

بقلم: 

 

يؤكد إعلان البيت الأبيض عن عدم إطلاق الرئيس أوباما مبادرة سلام خلال زيارته المقبلة إلى إسرائيل والضفة الغربية، الشعور بأنه يرى الزيارة كفرصة لتحسين العلاقات مع الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، في بداية فترته الرئاسية الثانية. بالطبع لتعزيز الدعم الشعبي للعلاقات بين الحكومات قيمة كبيرة. ومن الصعب انتظار أي نوع من الإنجاز بين القادة الإسرائيليين والفلسطينيين طالما بقي الشعبان متشككين في إحراز أي تقدم. مع ذلك إذا ركز البيت الأبيض على الشعوب، وليس على الحكومات فقط، وأشار إلى البيانات المهمة التي أصدرها الطرفان، يمكن أن ينتج عن ذلك تقدم حقيقي.

لا يزال كثيرون يؤيدون حل الدولتين وإن كان عددهم في تناقص. وتوضح استطلاعات الرأي أن كل طرف مقتنع بأن الآخر لا يقبل حل الدولتين. ولأن كلا من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يتفادى المخاطرة، فقط دعم قاعدتيهما الشعبية هو الذي سيغير حسابات المكسب والخسارة في المخاطرة عندما يتعلق الأمر بتقديم التنازلات. ومن المفارقة أن كثيرا من هذه المواقف الشعبية التي تقيد القادة تنتج وتكرس بسبب الرسائل السلبية التي يقدمها القادة أنفسهم. ورغم الاختلافات بين الاثنين كان لنتنياهو وعباس خلال السنوات القليلة الماضية تصريحات شعبية مهمة حول قضايا أساسية. على سبيل المثال أعلن نتنياهو في خطابه أمام لجنة الكونغرس المشتركة عام 2011 سعيه للسلام الذي لا يكون بموجبه الفلسطينيون رعايا أو مواطنين إسرائيليين، حيث قال: «ينبغي أن يحظوا بقوميتهم بكرامة كأفراد أحرار مستقلين يعيشون في دولتهم». وصرح عباس في يونيو (حزيران) عام 2010 قائلا: «لا أحد ينكر تاريخ اليهود في الشرق الأوسط. يتحدث ثلث القرآن عن اليهود في الشرق الأوسط. لا أحد من جانبنا ينكر أن اليهود كانوا في فلسطين وكانوا في الشرق الأوسط».

 

في وقت لاحق من ذلك العام، قال عباس: «يمكننا أن نضع حدا للصراع وللمطالبات التاريخية.. عندما نصل إلى اتفاق ونوقع هذا الاتفاق. لا يمكن لأحد من الجانبين أن يتحدث عن مطالبات تاريخية بالأرض». للأسف كثيرا ما يتم تجاهل أو تناسي الكثير من التصريحات الإيجابية نظرًا لتفرقها وغياب التنسيق الذي يساعد على زيادة تأثيرها إلى الحد الأقصى.

 

يتذكر الناس التصريحات السلبية لأحد الجانبين وينسون الإيجابية. ولن يستطيع جانب واحد الإدلاء بتصريحات كريمة خشية تشهير وتنكيل المتشددين من بني جلدته به، حيث يعتقدون أن هذه الخطوات لن تقابل بالمثل. وحتى تصبح هذه الرسائل فعّالة، لا ينبغي أن تكون متفرقة أو بشكل عرضي، بل يجب تكرارها والتأكيد عليها للحصول على أكبر تأثير ممكن. السؤال هو هل هؤلاء القادة عازمون على حشد جهودهم من أجل تكرار هذه التصريحات كجزء من دائرة قوية، يدعم فيها تصريح الآخر، بدلا من أن يقوضه.

المواقف الشعبية مهمة لعملية السلام الآن، نظرا لانتهاء عصر القادة العظماء الذين حملوا المشعل على درب السلام. لم يعد هناك أنور السادات أو إسحاق رابين لتعبئة الأغلبية المعتدلة من الشعبين. في الماضي كانت الأكثرية تتبع قادتها الذين يتسمون بالجرأة، أما الآن فالانتقادات والشكوك الشعبية تمنع القادة من أن يمارسوا القيادة. لن يكون التحول في المواقف الشعبية سهلا، لكنه ضروري من أجل اتخاذ خطوة سياسية حاسمة.

 

أخشى ما يخشاه الفلسطينيون هو توسع الحدود الإسرائيلية بطول نهر الأردن وهو ما يعني ضم الضفة الغربية واستمرار الاحتلال إلى أجل غير مسمى. ويشير الفلسطينيون إلى استمرار التوسع الاستيطاني كدليل على افتقار إسرائيل للصدق وحسن النية في التوصل لاتفاق سلام. إنهم يخشون أن تتمخض عملية السلام عن عملية أخرى دون أن تفضي أبدا إلى سيادة فلسطينية.

 

أما أخشى ما يخشاه الإسرائيليون فهو عدم اعتراف السلطة الفلسطينية بشرعية إسرائيل كدولة تضم اليهود ويتمتع فيها جميع المواطنين بحقوق متساوية. إنهم يشيرون إلى تصريحات عباس حول القدس باعتبارها تشكيكا في علاقة اليهود التاريخية بالمدينة. وقال عباس في مارس (آذار) عام 2010 في خطابه أمام اجتماع القمة العربية الذي أذاعته قناة «الجزيرة» إن القدس وما حولها أمانة أودعها الله إياهم، وإن إنقاذها من وحش الاستيطان وخطر التهويد والمصادرة فرض إلهي على جميع المسلمين. ويرى الإسرائيليون أن هذا أمر مهم جدا خاصة بالنظر إلى صورة إسرائيل السلبية في الإعلام الفلسطيني ورفضها من قبل الجماعات المتطرفة مثل حركة حماس. إنهم أيضا يخشون في النهاية من عدم رغبة الفلسطينيين في إنهاء الصراع.

 

ينبغي على أوباما خلال زيارته حثّ كبار المسؤولين من الجانبين على التأكيد علنا وبشكل مستمر على المبادئ الأساسية لتهدئة المخاوف الأساسية لدى الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. ينبغي أن يوضح أن الولايات المتحدة سوف تنصت وتنتقد الرسائل السلبية. وما ينبغي على القادة عمله ينبغي أن يكون واضحا. إذا كان يأمل كل طرف أن يدلي الطرف الآخر بتصريحات مماثلة، فعليه أن يدلي هو بهذا النوع من التصريحات. وحتى يستمر الأمر ويؤتي ثماره، يجب أن تكون الرسائل الإيجابية واضحة جلية ومتبادلة. ورغم أنه من السهل الوقوع في دائرة اليأس والإحباط من هذا الجمود الحالي، يمكن إعادة احتواء الشعبين المتشككين. ويعد هذا ضروريا لإحراز التقدم.

 

* ماكوفسكي مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. والعمري مدير تنفيذي لفريق العمل الأميركي حول فلسطين.

المصدر: 
الشرق الأوسط