هل فلسطين على طريق انتفاضة قادمة؟

بقلم: 

 

في الثلاثين من شهر آذار/مارس من سنة 1976، أي قبل نحو 37 سنة، هب الفلسطينيون وخرجوا في تظاهرات حاشدة في أراضي فلسطين المحتلة منذ العام 1948، وذلك احتجاجا على مصادرة السلطات الإسرائيلية لمساحات واسعة من أراضي المنطقة التاسعة في الجليل الفلسطيني المحتل، وتتبع هذه الأراضي البلدات الفلسطينية التالية: سخنين ودير حنا وعرابة وعرابة هذه هي الواقعة في الجليل الفلسطيني، لأن هناك عرابة أخرى بالقرب من مدينة جنين وذلك بحجة إقامة مستعمرات جديدة ومعسكرات وميادين لتدريب الجيش الإسرائيلي على تلك الأراضي. وقد واجهت القوات الإسرائيلية المواطنين الفلسطينيين بكل وسائل القمع والبطش، ليذهب جراء ذلك ضحايا كثر وجرحى، وتم اعتقال العشرات، وحكم عليهم بالسجن لمدد طويلة.

ومن يومها والفلسطينيون في تجمعاتهم المختلفة، بما فيها الشتات، يقيمون الاحتجاجات سنويا في ذكرى ذلك اليوم ويخرجون بمظاهرات صاخبة، ويواجهون قوات الاحتلال التي لم تتورع عن مهاجمتهم وإيقاع عشرات الضحايا، وجرح واعتقال العشرات من بينهم، على الرغم من انطلاق مظاهراتهم بشكل سلمي. هكذا حصل منذ أيام في الثلاثين من آذار/مارس، وهكذا تكرر ويتكرر هذا الأمر في كل عام. كما أن بداية ذلك الشهر شهد فعاليات احتجاجية في قرى وبلدات فلسطينية عدة، بسبب إقامة جدار الفصل العنصري الإسرائيلي الذي أنشئ على مئات الدونمات من الأراضي الفلسطينية، كما إن الدولة الإسرائيلية الرسمية ومستعمريها صادروا مئات الدونمات من أراضي القرى والبلدات الفلسطينية، بما فيها مدينة القدس، حيث تم تقطيع الواحدة لمواطن واحد على سبيل المثال، إلى عدة وحدات، بعضها صودر وبعضها الآخر أقيمت عليه بوابات وحواجز لتعطيل حياة الفلسطينيين وتسويد عيشهم، ومنع التواصل والرعاية بين صاحب الأرض وأرضه، أو بين الناس وتواصلهم في ما بينهم.

وتعتبر قرية بلعين الرائدة في مجال الاحتجاجات الأسبوعية التي ما زالت تتكرر منذ ثماني سنوات، تبعتها في ذلك عشرات القرى والبلدات التي تعاني من مصادرة أراضيها، ومن جور الجدار العنصري تجاهها، ومن هجمات المستعمرين الإسرائيليين المتكررة، واستمرار اقتلاع أشجارها المثمرة؛ كأشجار الزيتون والنخيل والحمضيات وغيرها. لذلك أخذت تتسع الاحتجاجات وبدأت باستقطاب المئات من الفلسطينيين والعشرات من بين المتضامنين الأحرار الإسرائيليين والأجانب لنتذكر راشيل كوري الأميركية على سبيل المثال (والتي سقطت شهيدة تحت جنزير جرافة اسرائيلية) وفي المقابل لم تتورع القوات الإسرائيلية من استعمال أقسى أساليب القمع والبطش تجاههم، وإصابة العديدين من بينهم، بمن فيهم الأجانب والإسرائيليين واعتقالهم وتسفير أو سجن من تقبض عليهم من بينهم.

تمارين على انتفاضة قادمة

هذا ويستمر الفلسطينيون في حشد المئات من بينهم للاحتجاج على استمرار سجن الآلاف من بين أبنائهم المناضلين الذين وصل عددهم في هذه المرحلة إلى نحو خمسة آلاف أسير، يخوض عدد من بينهم إضرابات عن تناول الطعام، وصل عددها إلى مئات الأيام، كحالة الأسير سامر العيساوي الذي يخوض إضرابا عن الطعام لم يسبقه إليه أحد في عدد أيامه ومعاناة ظروفه.

وكي يكرس الفلسطينيون حقوقهم في بعض الأراضي والأماكن التي صادرها الاحتلال، أو ينوي مصادرتها، تمهيدا لتوسيع المستعمرات، أو بناء الجديد منها، فإن شبان وشابات المقاومة الشعبية، يستمرون في بناء القرى الشبابية عليها، كقرية باب الشمس المأخوذ اسمها من رواية الكاتب الياس خوري التي صدرت في العام 1998. في حين يتكرر إقامة مثل تلك القرى في مناطق أخرى غير منطقة القدس، لتبادر القوات الإسرائيلية إلى هدمها، وتفكيك وحداتها وخيمها بكل عنف وفظاظة، وتعتقل عشرات الشبان والشابات الذين أقاموها وسكنوا فيها.

إن الإصرار على إقامة مثل تلك الفعاليات الاحتجاجية وتنويعها، ما هي إلا من نوع اكتساب خبرات نضالية تتراكم وتتراكب وتتنوع، لتصبح رصيدا مكتنزا لمواجهة آلة القمع الإسرائيلية، وصولا إلى انتفاضة شاملة لا يعرف أحد متى ستنفجر؛ كون استمرار إقامة الاحتجاجات والنضالات متنوعة الأشكال والأساليب، تمنع حالة الدعة والاسترخاء التي تنعمت بها قوات الاحتلال في أوقات سابقة، كما وأنها تكسر حاجز الخوف لدى الفلسطينيين، وتكوّن لديهم رصيد من خبرات وتجارب النضال وأساليبه المتنوعة.

لقد تردد أخيرا من أن السلطات الإسرائيلية تسيطر على نحو من 85% من أراضي فلسطين التاريخية، وأن تلك السلطات تبني نحو 24 بيتا يوميا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحسب ما نقل على لسان الرئيس محمود عباس. كما أن مصادرات الأراضي في مدينة القدس وأحيائها، وفي الضفة المحتلة، ومشاريع مصادرة الأراضي في مناطق الأغوار والبحر الميت والنقب نحو نصف مساحة فلسطين -، إن تلك المشاريع والمصادرات ما هي إلا من أخطر المصائر التي ترسم لفلسطين وللفلسطينيين، لا سيما في ظل الحديث عن إعلان "يهودية الدولة"، وضرورة اعتراف الفلسطينيين بذلك. فهل يصحو الفلسطينيون ذات يوم ليجدوا أنهم ربما لا يملكون حتى بيوتهم الخاصة, وأن الأرض التي يزرعونها حول بيوتهم الحاكورة ليست لهم في ظل هذا الانفلات المتمادي في المصادرات والاقتلاع والاعتداءات المتواصلة؟!

المصدر: 
المستقبل