ذكريات هزيمة 1967

بقلم: 

في الخامس من يونيو الحالي حلت الذكرى السنوية السادسة والأربعين على أكبر هزيمة عسكرية شهدها التاريخ العربي الحديث، أصبحنا نحن الجيل الذي عايشها وهو شاب في عمر العشرين مقاتلاً مخزن الذكريات عن تلك المعركة للأجيال الجديدة.

لقد أطاحت الهزيمة بالضفة الغربية والجولان وسيناء وقطاع غزة من أيدي العرب. نجحنا منذ ذلك الوقت في استخلاص سيناء بمزيج من الحرب والتفاوض وتخلت إسرائيل عن شجرة الشوك بالنسبة لها وهي غزة، لكنها ظلت تنهب وتمرح في الضفة والجولان. معنى هذا أن آثار الهزيمة ما زالت باقية وأن الجيل العربي الذي أضاعهما لم يستطع أن يستردهما حتى اليوم.

وفي جعبة ذكريات المعركة أذكر أنني كنت معيداً في قسم اللغة العبرية بكلية آداب عين شمس وكنا جميعاً في حالة احتشاد ونحن نسمع أخبار تدفق جيشنا إلى سيناء وأيضاً كنا نشعر بنشوة تحرير فلسطين السليبة، التحرير الذي أصبح في متناول اليد. في صباح الخامس من يونيو فوجئنا أن الطائرات تغير على القاهرة في الوقت الذي كانت إذاعاتنا تعلن عن إسقاط مئات الطائرات الإسرائيلية. تركت جامعتي وتطوعت في الجيش وهناك أعطوني مهمة ترجمة الاستجواب الذي كان يقوم به عميد من سلاح الطيران المصري لبعض الطيارين الإسرائيليين الذين سقطت طائراتهم. وبعد قليل استدعي العميد فترك لي مجموعة أسئلة طالباً مني توجيهها والحصول على إجاباتها وترجمة الإجابات.

كانت تلك المرة الأولى التي أقابل فيها شخصاً إسرائيلياً ويتاح لي أن اختبر الأفكار والصور الشائعة عن الشخصية الإسرائيلية، سواء جاءت من الإعلام العربي أو المصادر الإسرائيلية.

وكانت لدي صورة يبثها الإعلام العربي عن إسرائيل دولة العصابات التي يمكن هزيمتها بسهولة وهي صورة تجعل كل إسرائيلي جباناً لا يقاتل إلا المدنيين ليفتك بهم ويفر من ميدان المعركة الحقيقي. وفي مقابل هذه الصورة كانت لدي فكرة تروجها إسرائيل عن شخصية المصري الجديد الذي تمت ولادته من رحم شخصية يهودي الجيتو الأوروبي والذي كان جباناً ذليلاً مستسلماً لاضطهاد المسيحيين الأوروبيين ومجازرهم.

اكتشفت من حواري مع الطيارين الأسرى أنه لا يمكن تعميم أي من الصورتين فقد وجدت نوعين من الإسرائيليين: النوع الأول صغير السن ولد على أرض فلسطين وتمت تنشئته على مفاهيم الجسارة والإقدام في القتال وعلموه أنه ولد في وطنه. كان هذا النوع يرفض الإجابة على أسئلتي ويقدم لي تحقيق شخصيته ويشير إلى ظهرها حيث طبعت بنود من اتفاقية جنيف لمعاملة الأسرى.

أما النوع الثاني فكان عادة أكبر سناً وكان من الذين ولدوا وكبروا في أوروبا ثم هاجرت أسرهم إلى فلسطين، وكان مستعداً للإجابة على الأسئلة فور توجيهها إليه.

أشهد أن أحداً لم يتعرض لهؤلاء الأسرى بأي إساءة أو خشونة في المعاملة وكان الطعام يقدم لهم من أفخم مطاعم القاهرة إلى أن يتم إيداعهم السجن الحربي بكل احترام.

لقد أثبتنا أمام أنفسنا أننا قادرون على احترام المواثيق الدولية. للأسف علمنا بعد المعركة أن الإسرائيليين كانوا يغتالون الأسرى المصريين بالمئات ويدفنونهم في مقابر جماعية. وكان هذا وما زال أحد الفروق بيننا وبينهم.

المصدر: 
الاتحاد