ثورة 30 يونيو التصحيحية تخلط الأوراق عربيا وفلسطينيا

بقلم: 

ما جرى في مصر منذ 30 يونيو وأدى لنهاية حكم الإخوان المسلمين، ليس مجرد حراك شعبي عادي أو تمردا على الرئيس مرسي أو انقلاب عسكري، وأي كان المسمى فإنه حدث سيعيد خلط الأوراق في مصر وفي المنطقة، كما سيترك تداعيات على القضية الفلسطينية وخصوصا مع تكرار قول حركة حماس بأنها امتداد أو فرع للأصل وهي جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بل وتخليها عن المقاومة وتوقيعها لهدنة مع إسرائيل في مراهنة منها على حكم الإخوان في مصر وعلى دولة الخلافة الإسلامية القادمة!، مما سيطرح سؤالا حول مستقبل حركة حماس وسلطتها في قطاع غزة بعد سقوط الأصل – حكم الإخوان-؟.

لقد سبق وان كتبنا وتحدثنا كثيرا عن الثورات العربية وحول سياسة حركة حماس وعلاقاتها الخارجية، وإذ نعود للموضوع مجددا فإنما بسبب الأحداث التي تجري في مصر وانعكاساتها على الشعب الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزة. ونحن هنا لسنا في وارد جلد الذات كفلسطينيين أو تحميل حركة حماس المسؤولية، فبالرغم من خلافنا الجذري مع حركة حماس وبالرغم من الأضرار التي لحقت بالقضية الفلسطينية نتيجة الانقسام الذي تتحمل حركة حماس المسؤولية عن جزء كبير منه، إلا أننا مازلنا نراهن أن تعود حماس  للوطنية الفلسطينية وأن تراجع حساباتها ومواقفها في ظل ما يجري في مصر وفي سوريا.

لقد حذرنا منذ سنوات أن ممارسة حركة حماس للمقاومة بعيدا عن استراتيجية وطنية للمقاومة، واستمرارها بالقول بأنها امتداد لجماعة الإخوان المسلمين وأنها جزء من مشروع إسلامي أممي الخ،  بأن هذه المواقف والممارسات ستدفع حركة حماس نحو مزيد من التباعد عن الحالة الوطنية والمراهنة على تحولات عربية وإسلامية تجري هنا وهناك وخصوصا مراهناتها على الإخوان في مصر وهي المراهنة التي دفعها لوقف المقاومة والتوقيع على هدنة مذلة مع إسرائيل، كما حذرنا بأن هذه المواقف لحماس قد يؤدي بها لنفس مصير حزب الله الذي وبعد حرب تموز 2006 استمر في القول بأنه حركة مقاومة رافضا التصالح مع الحالة الوطنية اللبنانية مما آل به المطاف لأن يقاتل في سوريا تحت راية مشروع سياسي ديني يرى نفسه امتدادا له، ما نخشاه وما نحذر حركة حماس منه أن تأول أمورها لتقاتل في سيناء أو القاهرة أو صعيد مصر دفاعا عن مشروع ديني ترى نفسها جزءا منه، مديرة الظهر للمشروع الوطني وللعدو الرئيس للشعب الفلسطيني وهو إسرائيل.

نعلم مبالغة بعض القوى السياسية المصرية في تحميل حركة حماس مسؤولية عما يجري في مصر لدرجة صدور تصريحات عن بعضهم تعتبر حركة حماس الجناح العسكري للإخوان المسلمين !، ونرفض الزج بالفلسطينيين في الشأن الداخلي لمصر أو غيرها كما يجري في سوريا، فشعوب وأحزاب وأنظمة هذه الدول مسؤولة عما يجري فيها والعنف متجذر في هذه البلدان قبل أن تظهر حركة حماس للوجود. ومع ذلك نتمنى على حركة حماس أن تتدارك الأمر بسرعة وتتصرف بحكمة مع ما يجري في مصر، وأن تعود للحضن الوطني وللوطنية الفلسطينية ولاستقلالية القرار الوطني الذي ناضل الشعب الفلسطيني طويلا دفاعا عنه لأنه خَبِر مخاطر التفريط به.

لا شك أن المصريين أدرى بشؤون دنياهم، ولكن لا يمكن تجاهل ما يجري في مصر لأن ما يجري غير منقطع الصلة بما يجري في أكثر من بلد عربي ولأن ما يجري يؤثر على قضيتنا الوطنية بل باتت قضيتنا جزءا من المشكلة الداخلية المصرية من خلال توظيفها تعسفا من أطراف مصرية متعددة أيضا بسبب الجغرافيا. ما يجري في مصر يكشف مستور أوهام  سادت خلال ثلاث سنوات منها :هيمنة  جماعات الإسلام السياسي على المشهد السياسي العربي، وأن (الربيع العربي) يؤسس لعالم عربي مناقض للأنظمة السابقة من حيث علاقاتها مع إسرائيل وواشنطن، وأن أنظمة (الربيع العربي) ستؤسس لحالة ديمقراطية تسودها الحرية والتعددية الخ .

ثورة 30 يونيو التصحيحية ونهاية حكم الإخوان في مصر بهذه السرعة ستكون له تداعيات ويبلغ عدة رسائل  عربيا وفلسطينيا:

1)    إن كانت ثورة 30 يونيو 2013 تعتبر ثورة تصحيحية قامت بتصحيح مسار ثورة 25 يناير 2011 بعد أن ركبت موجتها وصادرتها جماعات الإسلام السياسي، وقد تمهد لتصحيح مسار غيرها من (الثورات) التي أدت لفتنة وحرب أهلية، إلا أنها في نفس الوقت تثير قلقا حول استقرار الأوضاع في مصر  في المدى القريب وقلقا حول نجاعة  الديمقراطية في العالم العربي.

2)    تبديد وهم هيمنة جماعات الإسلام السياسي وامتلاكهم شرعية شعبية. (ثورة)  30  يونيو المصرية  كشفت أن جماعات الإسلام السياسي بما فيهم الإخوان لا يسيطرون أو يمتلكون شرعية شعبية إلا في دولة عربية واحدة – تونس - من بين 22 دولة عربية، الأمر الذي يخلق حالة تعارض ما بين الشرعية الثورية أو شرعية الشارع من جهة وشرعية صناديق الانتخابات من جهة أخرى.

3)    إن مجرد إجراء انتخابات لا يعني نجاح تجربة ديمقراطية. الانتخابات ليست الديمقراطية بل إحدى أدواتها. الانتخابات بدون توافق وطني على الثوابت والمرجعيات ليست طريقا مضمونا لإصلاح أو تغيير النظام السياسي لأي دولة، وما جرى في مصر بعد انتخاب الرئيس مرسي سبق حدوثه في سياق مختلف نسبيا بعد فوز حركة حماس في انتخابات يناير 2006 .

4)    (الثورات) وإن وحدت الشعب مؤقتا لإسقاط نظام مستبد إلا أن الوحدة تبددت سريعا وانقسم الشعب انقساما حادا بين قوى إسلام سياسي يبدو أنها لا تؤمن بالديمقراطية بما تعنيه من تعددية حزبية وسياسية وتداول على السلطة من جانب، وجماعات وطنية ديمقراطية ليبرالية تتعامل بحذر من الجماعات الدينية وتتخوف من مشروعها الديني  من جانب آخر.

5)    أكدت ثورة 30 يونيو التصحيحية أن جماعات الإسلام السياسي لا يمكنه أن يتجاوز أو يلغي الدولة والهوية الوطنية وهي مجرد موجات تتكسر على صخرة الوطنية، والرسالة التي بلغتها ثورة 30 يونيو المصرية، سبق أن بلغها مهرجان انطلاقة الثورة الفلسطينية في 4 يناير الماضي حيث خرج حوالي مليون مواطن في غزة رفضا لحكم حماس، وهو المهرجان أو الثورة التي تم إجهاضها للأسف من الداخل بسبب جبن قيادة حركة فتح وخصوصا قيادة قطاع غزة، وليس من حركة حماس فقط.

6)     نتمنى من حركة حماس أن تحسب حساب كل خطوة وكل تصريح يصدر عنها في هذه المرحلة الدقيقة حتى لا يتحمل الشعب الفلسطيني نتائج تداعيات خطيرة للأحداث في مصر وخصوصا من جهة المعابر والمطارات.

7)    مصر بعد 30 يوليو لن تكون مصر قبلها، وقد لا يستسلم الإخوان لقرار عزل مرسي، وقد تلجا الجماعة وحلفاؤها من الإسلام السياسي لتوظيف قطاع غزة، الخاضع لحليفها الاستراتيجي أو فرعها الخارجي ومنطقة سيناء المحاذية، كقاعدة منطلق لمواجهة النظام الجديد عسكريا.

8)     نظرة قطاع كبير من الشعب المصري لحركة حماس تغيرت كثيرا للأسوأ بل أمتد الأمر لنظرة المصريين للفلسطينيين وهذا ما سينعكس في العلاقة المستقبلية بين الشعبين وفي طريقة تعامل المصريين مع أهالي قطاع غزة، سواء على المعابر حيث يتعرض المسافرون للإهانة والاستفزاز والابتزاز، أو داخل مصر حيث بات الفلسطينيون يترددون بالجهر بأنهم فلسطينيون من غزة.

9)    على حركة حماس أن تتوقف عن الحديث أنها امتداد لحركة الإخوان المسلمين لأن هذا القول بالإضافة إلى أنه يسيء لنا كفلسطينيين حيث يظهرنا كتابعيين لجهات خارجية وأن قرارنا ليس بيدنا، فإنه يدفع غالبية الشعب المصري لتحميل حركة حماس وبالتالي تحميل من يؤيدها من الفلسطينيين مسؤولية ممارسات الإخوان في مصر.

10)  سقوط حكم الإخوان وهم الأصل بالنسبة لحركة حماس يطرح سؤالا حول مصير الفرع  - حركة حماس- ؟ وبالتالي مصير حكم حماس في قطاع غزة ؟.

11)  ما يجري في مصر وإن كان سيؤثر على حركة حماس وسلطتها ولكنه يجب أن لا يستبشر البعض في منظمة التحرير مما يجري لأن أية خسارة لحركة حماس لن تكون لصالح التيار الوطني أو منظمة التحرير بل نخشى أن يذهب لصالح إسرائيل ما دامت منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وحركة فتح على حالهم من التردد والتردي وعدم الحسم في خياراتها الإستراتيجية.

12)  حركة حماس كما منظمة التحرير في مفترق طرق، إما أن تتحولا لجزء من حالة الفوضى في المنطقة ولكن ليس كأطراف فاعلة ومحددة للمسار بل كأدوات توظفها القوى المتصارعة في المنطقة، أو أن تقوما بتوظيف هذه الحالة العربية لاستنهاض المشروع الوطني وانجاز المصالحة الإستراتيجية، موظفة حاجة أطراف المعادلة الشرق أوسطية للورقة الفلسطينية لاكتساب شرعية ما.

13) أيما كانت نتائج الأحداث الجارية في مصر فإن مشكلة غزة ستصبح مشكلة أمنية، الأمر الذي سيزيد من إرهاق أهالي قطاع غزة ومعاناتهم في السفر والتنقل، وقد يتم فرض اتفاقات وإجراءات أمنية مشددة بين قطاع غزة ومصر.

Ibrahemibrach1@gmail.com