لا ينبغي للفلسطينيين التورط في الشؤون الداخلية للدول العربية

بقلم: 

القضية الفلسطينية هي قضية كل العرب، هكذا تؤكد جميع الاتجاهات السياسية والايديولوجية العربية منذ زمن، ومع أن هذا لم يلق ترجمة فعلية على الارض الا في حالات محدودة، فان استمرار ترديد الشعار أمر جيد، لعل ذلك يتحول يوما من إمكانية الى واقع، ومن نظري الى عمل وممارسة.

إن القضية الفلسطينية معقدة وشائكة، وان محاولات إجهاض وتهميش هذه القضية مستمرة، وان ما تقوم به اسرائيل مدعومة من دول كبرى ضد الفلسطينيين، قد جعلهم في حالة إستهداف يومي لأرضهم وإقتصادهم وثقافتهم وحياتهم الإجتماعية، بغية تشتيت هويتهم وتشظيتها توطئة لضرب مشروعهم الوطني، فيما يقوم الفلسطينيون بالذود عن هذه الهوية من خلال تعميق وتجذير الإنتماء وتعزيز الثقافة.

ومعلوم ان مهمة افشال مخططات الإستهداف والشطب التي نواجهها تحتاج الى دعم واسناد، اخوتنا العرب كل العرب بلا إستثناء، ما يتطلب إستثمار كل الطاقات العربية لا بعضها، حيث ينبغي ان لانتحول الى طرف في الصراعات العربية، فان نكون طرفا، يعني خسارتنا لأطراف اخرى ، وبالتالي دخولنا في صراعات من شأنها ان تحرفنا عن الاتجاه الصحيح. وهناك تجارب مريرة وأخطاء جسيمة رتبكت حينما اقحم الفلسطيني نفسه في خلافات وصراعات في هذه الدولة العربية او تلك، علماً أن الشعار الذي رفعته منظمة التحرير منذ سنوات طوال هو عدم التدخل في الشؤون العربية، لكن الإنسياق وراء حسابات آنية قد جعل بوصلة هذا الشعار تنحرف وتتيه احيانا.

لقد كان الرئيس الراحل ياسر عرفات خبيرا في الإستفادة من الطاقات العربية، وكان يتمتع ببعد نظر في التعامل مع التناقضات، إلى أن تم الخروج عن ذلك حينما إجتاح الجيش العراقي الكويت، لتنشأ أزمة كبيرة بين الفلسطينيين والكويتيين، ما زالت آثارها واضحة للعيان، رغم محاولات الترميم. ويسعى الرئيس محمود عباس الآن للوقوف في مكان متوازن من الاحداث الجارية في العالم العربي، حيث ان الموقف مما يجري في سوريا يقترب من التوازن، وعلى المستوى الرسمي لا تشجيع للإنخراط ميدانيا في الصراع الدائر هناك، وان الإنحياز الميداني لهذا الطرف أو ذاك مرده حسابات حزبية أو إنجرار وراء إملاءات ايديولوجية.

وازاء ما يدور على الساحة المصرية، فأن انعكاسات التطورات في هذه الدولة العربية الكبيرة والمهمة تطال قضيتنا بشكل مباشر وان العلاقة الفلسطينية المصرية هي ضاربة الجذور في القدم سياسياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً ونفسياً، ولو أردنا أن نستعرض تجليات وتداعيات القواسم المشتركة لاحتجنا إلى دراسات مطولة.

وعليه فإن أي تورط فردي أو حزبي في الشأن الداخلي المصري، لايعكس التوجهات العامة للفلسطينيين، حيث من المفروض أن لا يتعرض الشعب الفلسطيني لإجراءات وردود أفعال عقابية، من منطلق أنه تم ضبط مجموعة صغيرة من العناصر تعمل لصالح جهة معينة.

لذلك فان الدخول الى الميدان المصري مساندة ومؤازرة وإقحاماً للطاقات الفلسطينية في المشهد، في العلن او الخفاء سيوقع اشد الاضرار بنا، فمصر دولة قوية ولها جيش هو الأكثر عددا في الشرق الاوسط، ومعروف بمهنيته، والشعب المصري كبير بتعداده وإمكاناته وبالتالي فان ايا من الاطراف الفلسطينية لا تقدم ولا تؤخر في المعادلة شيئا. فالملايين المصرية المرابطة في الساحات لا تحتاج الى عشرات او مئات اضافية من هنا وهناك.

والصحيح أن موقفنا من المفروض أن لا يكون فئويا وإنما مع الشعب المصري بأسره، مع مصر الجيش والمؤسسات والاعلام والجامعات والانجازات الثقافية، فوحدة مصر وقوتها ومنعتها، هي قوة للقضية الفلسطينية، وأن نهوضها وبسرعة عسكرياً واقتصادياً لتستعيد مكانتها عربيا وعالميا، مصلحة فلسطينية من الدرجة الأولى، فعندما كانت مصر مؤثرة وفاعلة على مستوى عالمي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، فان ذلك قد انعكس ايجابا على العرب كل العرب، وحينما ضعفت في العقود الأخيرة فإن الضعف طال العرب جميعهم، لذلك فإن هناك دولاً اقليمية وعالمية ليست معنية بعودة مصر الى مكانتها الطبيعية كدولة مركزية في المنطقة، لأن دولاً أخرى تحاول أن تسرق دورها وأن تسطو على مكانتها.

إن نهوض مصر نهوض لنا، وان عزة العرب من عزتها، فهي الأخت الكبرى، ومن يعتقد أن أية دولة عربية من شأنها أن تسد مسدها في حال انحسار دورها وثقلها فهو واهم، ولا يقرأ التاريخ ولا يستخلص العبر.

المصدر: 
القدس