أبا السكر ... رحلت كالأشجار وقوفا!

بقلم: 

في ساعة إفطار رمضانية من شهر الرحمة والمغفرة والتوبة خطفك الموت فجأة من بيننا لترتقي روحك الطاهرة الى بارئها في العلياء معانقة عنان السماء ، كيف لا يا أبا السكر وانت من عانقت بوطنيتك الأصيلة ووحدويتك الرائعة والراسخة وصمودك الأسطوري كل محطات الأسر والاعتقال وجعلت من كل زرد من سلاسل وقضبان السجن محطة للانطلاق نحو الأمل والحرية ، لتشهد لك كل الزنازين وساحات الفورة في السجون بأنك كنت مثالا للقائد المتميز في العطاء اللا محدود تماما كما كنت متميزا في المقاومة والثورة والبطولة في (عملية الثلاجة) فاقترن اسمك باسمهما.

والعكس بالعكس ، اخترت طريق العزة والتضحية من أجل الكرامة والحرية للشعب والوطن وامضيت 27 سنة عجافا في الأسر ولكنها لم تفت في عضدك وتركت ورسخت في عقول ونفوس كل من عايشك أو سمع عنك خلف القضبان معاني قوة الارادة والشموخ والتمسك بالحياة الكريمة ، كنت مليئا بالحيوية والنشاط وطابور الصباح الرياضي فلا السجن ولا السجان ولا قهر الزمان منعوك من الانطلاق نحو الحياة والحرية .

أبا السكر ،،، أنت لم تكن مدرسة تخرج الاجيال فحسب وانما شعلة عطاء لا

تنطفئ متقدة جذوتها ومتجددة دوما مع كل اشراقة شمس أو اطلالة قمر وسطوع نجم ، لم تثنيك رحلة العذاب والقهر الآدمي من الحفاظ على بوصلة الوطن. كنت دائما معنا ونحن تشرفنا بك وان نرافقك في جولات وزارة شؤون الاسرى والمحررين من أزقة مخيم جنين وقراها ومدينتها الى قرية كسر القيد وسجن عوفر وخرب دورا ويطا والخليل وحواري طولكرم واريحا ودهاليز البلدة القديمة في نابلس وارياف بيت لحم وسلفيت وقلقيلية وطوباس وضواحي القدس وبلدات رام الله وشوارعها وساحات الوطن عامة ،كنت حاضرا معنا كالبوصلة لا تفقد اتجاه الحرية والكرامة في كل مسيرة أو اعتصام أو مهرجان أو احتفال أو حفل تكريم أو مؤتمر واقتحمنا بوجودك مئات ان لم يكن آلاف بيوت الأسرى والأسيرات وكذلك المحررين صيفا وشتاء، ليلا ونهارا ، افطارا وصياما ، انها عظمة الانتماء لقضية الانسان الفلسطيني الأسير!!! هذه القضية التي يتناساها كثيرون !!!

لا زلت أذكر كلماتك عند كل زيارة وجولة عندما كنت تقول لنا وبلغتك الفلسطينية البسيطة والعامية شو بدها ام الأسير ؟وشو بدها مرة السجين ؟ وشو بدهم اولاد وبنات الأسير ؟ ببساطة متناهية كل منهم يريد أن يخرج الابن والزوج والأب والاخ والقريب والجار والصديق من السجن سالما معافى !!! لا يريدون تكرار تجارب زهير لبادة ولا أشرف ابو ذريع ولا زكريا داوود ولا ... ولا .. كنت دائما وعند ايقاد شعلة الحرية للأسرى لاطلاق فعاليات يوم الأسير الفلسطيني كنت تقول ما بدناش نظل نعد عمداء أسرى كل سنة بدنا اياهم يروحوا ويتحرروا من السجون ،، وهناك في مؤتمر بغداد لنصرة الأسرى في السجون الاسرائيلية وبكل جرأة ووضوح قلتها ان تحرير الاسرى والافراج عنهم لا يأتي بالكلام ولا المؤتمرات وانما بخطف جنود وعمليات تبادل ، هذه كانت صرختك من الألم على الاحباب الذين تناساهم البعض لسنين طويلة دون أن يتنسموا طعم الحياة والحرية ،،

غيبك الموت وهذه سنة الحياة ولكن ما غابت رسالتك وحلمك وتطلعك في بوصلة الحياة والكفاح من أجل الحرية والوحدة التي تاهت في دهاليز مصالح السياسيين ، نفتقدك كثيرا جدا فلم يعد بالامكان الآن ان نتحدث معك في اعتصام الصليب الاحمر أو نستنشق الغاز امام سجن عوفر ولم تعد تنتظرنا امام بلدية البيرة لنكون سوية في جولة على ذوي أسرى أو زيارة لمن تحرر من القيد.

اعتدنا على كلماتك وممازحتك ،ولحظة سكوتك وصمتك في السيارة كنا ندرك انها للصلاة أو قراءة القرآن خلال التجوال ، رحلت عنا والقهر والألم موجود وهناك غصة في القلب من هذا المسؤول أو ذاك والذي لا يدرك معنى أن يمضي أبو السكر أكثر من ربع قرن في السجون ولأنهم لا يعرفون سوى لغة أرقام وتعليمات جامدة !!!

ولأن الكثيرين اعتادوا على معرفة قيمة الانسان بعد رحيله عن الحياة الدنيا فمتى نخرج من هذه الدائرة لنقدر الانسان والبطل خلال عطائه وكفاحه لأنه من لا يرى ويقدر عطاء وانتماء الآخرين ولا يكون وفيا لهم في حياتهم لا يستحق الاحترام ، هناك عشرات الأبطال في كل محافظة من المحررين والذين صنعوا أمجادا للوطن من رموز الفداء والتضحية رجال صناديد وقادة كانوا في وقت عز فيه الرجال ولكنهم يرفضون ان يطويهم النسيان وان نسيهم البعض فتاريخهم محفور في الذاكرة والصخر لا تمحوه الريح فهل نتذكرهم ويتذكرهم من هم في موقع (المسؤولية) الفصائلية والوطنية والرسمية ليشهدوا لحظة تكريم وتقدير أخلاقي قبل فوات الأوان!!.

الأخ والصديق أحمد جباره (ابو السكر): رسالتك ستبقى في عقول كل محبيك الأوفياء الذين جمعتهم ووحدتهم في ألم القيد والأسر ولحظة التحرر ويوم الوداع الأخير ، أبا السكر نم قرير العين ، المجد لك.

المصدر: 
القدس