من حقنا أن نعرف سر اللغز المحيّر !

بقلم: 

شهدت الأيام الأخيرة سلسلة من القرارات والبيانات والتصريحات الإسرائيلية التي تصب كلها في خانة ٍواحدة وهي خانة التأكيد بأن إسرائيل تلعب لوحدها ، وأنها ماضية في تنفيذ سياستها الإستيطانية غير آبهة بما يقوله الفلسطينيون أو العالم ، وكما اعتاد اليهود القول .." ليس المهم ما يقوله الأغيار – غوييم – وإنما المهم ما يفعله اليهود " .

والسؤال الذي يشغل بال المراقب هذه الأيام هو: هل أنا من الغباء لدرجة أنني لا أقدر على فهم ما يجري ، أم أنني على درجة من الذكاء تمنعني من قبول ما يجري.

لقد أعلنت وزارة الأسكان الأسرائيلية في الأسبوع الماضي عن بناء أكثر من ألفي وحدة استيطانية جديدة في القدس المحتلة وضواحيها ومناطق مختلفة من الضفة الغربية ، وأوضحت أن هذه الوحدات قد تجاوزت المراحل الإدارية والتنظيمية وباتت جاهزة للتنفيذ.

وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عن استغرابه من الضجة التي أثيرت حول هذا الموضوع مؤكدا بأن الأبنية الإستيطانية الجديدة ستقام في القدس والكتل الإستيطانية التي ستبقى تحت سيطرة إسرائيل وستضم إليها. ثم جاء نتنياهو نفسه ليعلن أمس الأول وأمام الأمين العام للأمم المتحدة بأن هذه الأبنية ستقام في المناطق التي قبل الفلسطينيون أن تُضم إلى إسرائيل واستشهد بالوثائق التي سربتها قناة الجزيرة في حينه ونسبتها إلى دائرة شؤون المفاوضات.

ثم جاءت صحيفة معاريف الأسرائيلية أمس الأول لتؤكد وفقا لمصدر إسرائيلي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة كانت على علم بالخطط والقرارات الأستيطانية الإسرائيلية الأخيرة قبل الإعلان عنها ، وأن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قدم « ضريبة كلامية » للفلسطينيين تتناقض مع ما كان يعرفه من خطط ونوايا إسرائيلية بغية استدراجهم إلى مائدة المفاوضات !

فالواضح إذن هو إما أن إسرائيل تتفاوض مع نفسها وأنها تقرر من طرف واحد ما هي المناطق التي تريد ضمها وتكثيف الأستيطان فيها وما المناطق المؤجلة للحين المناسب ، وإما أن هناك موافقة فلسطينية على ما تفعل وأن كل احتجاجاتنا هي ذر للرماد في العيون وهذا أمر مستبعد قطعا ولا نقبل حتى مجرد افتراضه.

وهنا لا بد من طرح التساؤل الكبير حول جدوى المفاوضات الحالية والحكمة من توفير غطاء للسياسة الأستيطانية الإسرائيلية لكي تبدو أمام شعبنا وأمام العالم بأنها تتم بموافقة الفلسطينيين.

فالصورة إذن هي إمعان إسرائيلي في السياسة الإستيطانية وتغاضٍ أمريكي واستمرار للسياسة الأمريكية التقليدية القائلة بأن أمريكا تسهل إجراء المفاوضات دون التدخل فيها ، واستمرار لمنهج المفاوضات " الإذعانية" غير المتوازنة بين طرف يتصرف باستعلاء وغطرسة وعنجهية وطرف يتقمص دور المفاوض الند ولكنه يدرك تماما بأنه يفتقر لأية وسيلة ضغط وأنه ربما يستجدي التنازلات ولا يفرضها وأن مشاركته في المفاوضات تلحق به الضرر أكثر من المنفعة.

إن من أبسط الشروط التي يجب أن تتوفر من أجل إنجاح أية مفاوضات هو أن تتوفر الإرادة والنية الحسنة لدى الطرفين المتفاوضين ، وأن تتوفر لدى كلاهما القناعة بأن له مصلحة في إنجاحها ، وأن تتوفر لدى الطرفين وسائل ضغط تعزز موقف كل طرف وتُفضي إلى نتيجة متوازنة يشعر فيها كل من الطرفين المتفاوضين بأنه ربح من العملية التفاوضية. ولا شك بأن كل هذه العوامل مفقودة في المفاوضات الحالية إضافة ً إلى عوامل أخرى تحكم عليها بالفشل المسبق وتجعلها مفاوضات دون معنى.

فالظرف الفلسطيني والعربي الحالي هما من أسوأ الظروف التي يمكن أن تتوفر للمفاوض الفلسطيني ، والطرف الإسرائيلي الذي يملك القرار لا يجلس على الطاولة مع المفاوض الفلسطيني بل منهمك في العمل على إفشال مبعوثته تسيبي ليفني التي تجلس على الطاولة مع الفلسطينيين ويصر على أنها لا تمثل مواقف الليكود ولا تلزمه بأية أمور قد تطرحها.

لقد تم رصد ستة أشهر لإجراء المفاوضات والتوصل إلى تسوية ، ولما كانت المسائل التفاوضية في غاية الدقة والتعقيد فقد رأى الكثيرون أن هذه المدة ليست كافية حتى لو استمر التفاوض ليل نهار ! والغريب ان المفاوضات التي استؤنفت تجري باسترخاء وكأن لديها الوقت كل الوقت ولا داعي للعجلة ! فبعد خمس ساعات من التفاوض في فندق الملك داود تم الإعلان بأن الجولة القادمة ستكون بعد اسبوعين .. في أريحا ! وهذا يعزز الإنطباع بعدم جدية هذه المفاوضات وبأنه ربما كانت هناك رغبة في تمرير الوقت دون التوصل إلى نتيجة إلى أن تنعقد الجمعية العمومية للأمم المتحدة دون أي طلب فلسطيني وتكفي إسرائيل وأمريكا عناء مواجهة المجتمع الدولي بصدد أي طلب فلسطيني في الحصول على مكتسبات دبلوماسية عبر البوابة الدولية.

ويبقى اللغز المحير وهو السبب في إصرار القيادة الفلسطينية على العودة إلى المفاوضات في أسوأ الظروف العربية ، وبعد ثلاث سنوات من الإصرار على عدم التفاوض إلا إذا تم إيقاف الإستيطان وإعطاء ثلاث سنوات ذهبية للإستيطان والمستوطنين أقاموا خلالها آلاف الوحدات الإستيطانية في القدس والضفة الغربية . فما الجديد وما الذي لا نعرفه ؟!

إن أحدا لا يستطيع الإدعاء بأنه يعرف كل الخبايا والأسرار ، ويظل بإمكان المسؤول أن يدعي بأنه يعرف ما لا يعرفه الآخرون ، ولكن من حقنا أن نتساءل ونصر على التساؤل إلى أن نعرف الحقيقة.. وعلى القيادة أن تقدم كشف الحساب للشعب وأن تصارحه بالحقيقة.

 

 

المصدر: 
القدس