مخيم اليرموك: روايات الحصار
فشلت كل المحاولات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية في رفع الحصار القاتل الذي يفرضه النظام السوري على مخيم اليرموك منذ ثمانية أشهر. النظام كان في كل محاولة يحمل مسؤولية عدم دخول الغذاء و الدواء للمجموعات المسلحة الموجودة في المخيم. و بين رواية النظام ورواية المعارضة المسلحة، يقتل العشرات من المدنيين جوعاً و تضيع حقيقة ما يجري في مزادات الصفقات السياسية التي تحدث تحت الطاولة بين النظام وقيادة السلطة الفلسطينية. السلطة الفلسطينية، التي تبدو في رواياتها التي تساق على لسان مبعوثيها إلى دمشق متماهية مع سياسة تزوير الحقائق التي يحترفها النظام السوري.
"لم يحاصر النظام المخيم، الذي يدفع هذه الضريبة المؤلمة، مخالفاً أحد أهم أركان وجوده والمتعلقة بدعمة للقضية الفلسطينية كي يفك الحصار عن المخيم". هكذا يقول عضو قيادة مجلس الثورة في المنطقة الجنوبية، أبو ياسر الميداني، مؤكداً أن حصار المخيم المتدرج لم يأتِ من فراغ، بل جاء ضمن خطة عسكرية لإسقاط المناطق الثائرة في ريف دمشق وحمص.
يعود الميداني بالذاكرة إلى الوراء، ويربط الأحداث التي شهدها منذ حصار الغوطة الشرقية وما تبعها من حصار للمنطقة الجنوبية فيتابع حديثه لـ"المدن" قائلاً "أذكر أننا في الشهر الثامن من عام 2012 كنا مجتمعين مع قائد لواء الفاتح، أبو عبيدة، الذي كان يدرك أهمية المخيم بالنسبة للمناطق الثائرة المحيطة به".
ويضيف "لكن بعض قادة المجموعات وعلى رأسهم بيان مزعل، الملقب أبو عمر الجولاني، المتعصب جداً في كرهه لأهالي المخيم، كان يطالب دائماً بضرورة الدخول الى المخيم والسيطرة عليه، لكن أبو عبيدة كان ينهره طيلة الجلسة ويقول له: يا أبو عمر هلأ مش وقتها و الضريبة كبيرة".
ويتابع حديثه حول النتائج التي أوصلت المخيم إلى هذه الحالة، قائلاً إن مخطط دخول الجيش الحر إلى المخيم لم يكن سوى تكتيك رسمه النظام لتبرير حصاره له، ومن ثم حصار المنطقة الجنوبية كلّها.
ويؤكد الميداني هذا الكلام مستشهداً بما حدث عندما دخل الجيش الحر إلى المخيم والتغيرات التي طرأت بعد مقتل أبو عبيدة قائلاً "أولى الكتائب التي دخلت المخيم كتيبة جند الله التي يتزعمها بيان مزعل، الذي نجح في جر الكتائب الأخرى الى المصيدة و من ثم أعلن انشقاقه عن الجيش الحر وعودته الى أحضان النظام و كان أول من حارب على جبهة مخيم سبينة وساهم بإسقاطه".
في المقابل ، يقول مقاتل كان في صفوف اللجان الشعبية، أبو سيف، الذي قاتل على محور الحجر الأسود ثم انتقل إلى الحرس الجمهوري على جبهة شارع 30 في المخيم لينشق لاحقاً ويهرب إلى لبنان يقول في حديث لـ"المدن" إنه "كانت تأتينا الأوامر من الحرس الجمهوري للاشتباك مع الحر وتحريضه على الدخول إلى المخيم، وكنا نعلم أن من يقصف المخيم قبل دخول الحر إليه هي كتيبة سفيان الموجودة عند القاعة، و كان الهدف معاقبة و تحريض أهالي المخيم على الخروج بالمظاهرات، ولا سيما أن أهالي المخيم لم يقبلوا بأن يكونوا شبيحة مع النظام".
ويعتقد أبو سيف أن حصار المخيم جاء في إطار خطة عسكرية تسمح له بحصار كل المناطق الجنوبية بأقل الأعداد من المقاتلين ذلك لأن المنطقة الجنوبية لدمشق تشبه المثلث قاعدته تمتد من داريا وتنتهي إلى يلدا ومنطقة التضامن ورأسه مخيم اليرموك.
وتكثر الروايات التي يتناقلها الناس عن استغلال أطراف عديدة للحصار المفروض على المخيم وتحكمهم بأسعار المواد الغذائية. الناشط، قصي، أحد سكان المخيم، يقول في حديث لـ"المدن" إنه منذ حصار المخيم الكلي لم يدخل أي سلة غذائية وما يتناقله الناس أن هناك مواد تهرب و تحتكر من قبل بعض المسلحين هي أنباء عارية عن الصحة.
ويوضح "هناك بعض الأشخاص الذين احتفظوا ببعض المواد قبل الحصار، كانوا يخرجونها بكميات قليلة جداً ويبيعونها بأسعار عالية، وهم مدنيون، والمواد التي يمتلكونها شحيحة جداً".
من جهته، يقول العامل في الهيئة الخيرية داخل المخيم، محمد أبو جهاد، في حديث لـ"المدن" إن الحديث عن احتكار المواد الغذائية ينطبق فقط على الشهر الأول من الحصار فقط".
وحول المراوغة الأخيرة للنظام في سماحه لإدخال المواد الغذائية من جهة المخيم وطلبه من القافلة تغيير الطريق بسبب إطلاق النار عليها إلى ممر آخر من جهة البويضة المتاخمة لمنطقة الحجر الأسود، يقول أحد قادة المجموعات التابعة لأكناف بيت المقدس في حديث لـ"المدن " إنه "منذ أن بدأ التجويع لأهلنا في اليرموك حدثت مبادرات كثيرة و كانت الحجة وجود مسلحين (لم يوافق البعض منهم) على الهدنة".
ويضيف "كان ذلك في البدايات و كان الرفض من قبل جهتين لا أكثر، وتغير في ما بعد، إذ وافق الجميع على الانسحاب و على كل بنود الهدنة الأخيرة ووقع الجميع على هذه البنود إلا جبهة النصرة التي رفضت التوقيع و لكنها قبلت بالهدنة".
إذاً، يبدو كل ما يصدر من بيانات و تصريحات سواء من النظام أو من الأطراف الموالية له بأن المعارضة المسلحة الموجودة في المخيم هي من تمنع الهدنة أو تأخذ المدنيين ليست دقيقة تماماً، وفي كثير من الأحيان، تبدو تلك التصريحات غير منطقية.