نهج شارون باقٍ
"جزار بيروت"، أو "بلدوزر غزة" . . مجرم الحرب "الإسرائيلي"، أرييل شارون، لم يعُد على قيد الحياة . . فهل تتوقف بذلك الأفعال التي مارسها، أو شجّع على ممارستها؟
أرييل شارون، المعروف بلقب جزار بيروت، لم يعُد على قيْد الحياة . . بعد ثماني سنوات من الغيبوبة، التي سعت "إسرائيل" خلالها إلى تجميل صورته .
بدأ عنف شارون في مرحلة مبكرة، في الفترة التي سبقت قيام دولة "إسرائيل"، عندما: انضمّ إلى منظمة الهاغاناه في منتصف أربعينات القرن الماضي، وبدأ العمل أول مرة في التحضير لحرب ،1948 حيث كانت وحدته تشن غارات على القرى العربية . وقد أصيب بجراح خطرة في معركة اللطرون، وترك الجيش مؤقتاً عام 1949 ليدرس في الجامعة العبرية . ولكنه، وبأمر شخصي من ديفيد بن غوريون، استدعِي إلى الخدمة العسكرية، وكُلف برئاسة الوحدة 101 المشكلة حديثاً .
وكانت الهجمات على الفلسطينيين لازمة متكررة في سيرة شارون . ففي سبعينات القرن المنصرم، بعد أن قامت "إسرائيل" باحتلال قطاع غزة، أرسل جرافاتٍ مصفحة إلى داخل مخيم اللاجئين المكتظ بالسكان لشقّ طرق سيطرة عسكرية جديدة، هادماً مئات من المنازل التي تقطنها العائلات الفلسطينية، على طول الطريق . وقد أكسبه ذلك أول أسمائه المستعارة، وهو "بلدوزر غزة"، (جرافة غزة) .
إنّ قائمة جرائم الحرب التي اقترفها شارون طويلة . فالهجمات على المدنيين التي بدأت قبل إعلان دولة "إسرائيل"، استمرت فيما بعد، وتكللت بما يُعرف باسم مذبحة قِبّيَة عام 1953 .
وقِبّيَة قرية فلسطينة في الضفة الغربية، تقع قريباً من الخط الأخضر . وفي هجوم "إسرائيلي" على القرية، قاده على الأرض يومئذٍ أرييل شارون، تم هدم عشرات المنازل فوق رؤوس سكانها المدنيين . وكانت الحصيلة مذبحة خلفت وراءها 69 شهيداً فلسطينياً كان معظمهم من النساء والأطفال .
تلت ذلك هجمات أخرى، أشهرُها وأسوأها صيتاً مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982 . ففي وقت مبكر من صيف ذلك العام، غزت القوات "الإسرائيلية" تحت سلطة شارون الذي كان وزيراً للدفاع وقتئذٍ، جنوب لبنان واحتلته .
وبعد أسابيع من حصار مميت على بيروت، وبعد أن دبّرت الولايات المتحدة سحب قوات منظمة التحرير الفلسطينية من المدينة، تاركة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المكتظة بالنساء والأطفال والشيوخ من دون حراسة . وفي ليلة السادس عشر من سبتمبر/ أيلول، حاصرت القوات "الإسرائيلية" المخيمين في بيروت الغربية، ومنعت أي شخص من مغادرتهما . وهيأت المجال لارتكاب مذبحة صبرا وشاتيلا على أيدي الكتائب والقوات اللبنانية .
وهكذا، أقِر بأن الجنرال - الذي سُمّيَ يومئذٍ جزار بيروت للمرة الأولى- مذنب، ولكن من دون إجراء أي محاسبة .
وبدءاً من عام ،1985 عندما غدا وزيراً للإسكان والبناء، كان شارون مسؤولاً عن إضافة نحو 150 ألف وحدة سكنية للمستوطنات المقتصرة على اليهود فقط في الضفة الغربية وغزة المحتلتين . ومنذ ذلك الوقت فصاعداً، تحوّل طابع جرائم حرب الجنرال شارون - وانتهاكاته للقانون الإنساني الدولي ومعاهدات جنيف - من أعمال تُرتكب في معارك عسكرية مباشرة، إلى أعمال تُنفّذ على تلال الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تنتشر عليها المستوطنات كالبثور .
وظل شارون شخصاً محورياً في الحكومة "الإسرائيلية"- بضع مرات في المعارضة، ومعظم الوقت في القيادة، بما في ذلك شغْلُ منصب رئيس الوزراء، إلى أن أصابته عام
،2006 السكتة الدماغية التي أخرجته من الخدمة بصورة دائمة .
وكان شارون عارَض عملية سلام أوسلو، وأصبح، بطلاً رئيسياً لحركة الاستيطان التي نمت قوتها وتعاظمت .وهكذا فإن انتهاكات شارون للقانون الدولي لم تتوقف، بل تغيرت طبيعتها فقط . . المذابح انتهكت قوانين الحرب . والمستوطنات انتهكت اتفاقيات جنيف . وجدار الفصل العنصري (الذي قاد شارون عملية بنائه)، انتهك حكم محكمة العدل الدولية .
وفي عام 2005 اتخذ شارون الترتيبات لإخلاء قطاع غزة من الجنود والمستوطنين . . وفجأة انهمر الثناء على شارون واعتُبر صانع سلام .
ولكن الجنود "الإسرائيليين" ظلوا مسيطرين على زمام الأمور في غزة، وكل ما فعلوه أنهم انتشروا خارج القطاع، وأحاطوه بقوة عسكرية . وبقيت "إسرائيل" مالكة للسيطرة التامة على حدود غزة، وعلى خروج ودخول الناس والسلع منها وإليها، وعلى المجال الجوي، وسواحل البحر، وعلى الاقتصاد، وعلى حياة سكان غزة البالغ عددهم مليوناً ونصف المليون .
وقد غيّرت عملية الانتشار طبيعة الاحتلال "الإسرائيلي" من استعمار استيطاني تقليدي، إلى حصار من الطراز القديم . ولكن غزة تظل محتلة . والهدف الحقيقي من خطة "فك الاشتباك" مع غزة، قد تحقق: وهو على حدّ تعبير كبير مساعدي شارون، دوف وايسغلاس، "تجميد عملية السلام" .
وتقول الكاتبة، إن شارون يظل مجرم حرب . . وإن يكن قد مات، فإن نهجه الإجرامي لم يمُت.