قنبلة إسرائيل الديمغرافية الموقوتة ليس لها فتيل

بقلم: 

إذا اسمتعت إلى بعض كبار المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين، فستتشكل لديك القناعة بأن "قنبلة إسرائيل الديمغرافية الموقوتة" تدق -وأنها مهيأة للانفجار في أي يوم الآن. وقد حذر وزير الخارجية الأميركي جون كيري يوم 7 كانون الأول (ديسمبر) من أن الديناميات الديمغرافية في إسرائيل شكلت "تهديداً وجودياً... يجعل من المستحيل على إسرائيل أن تحافظ على مستقبلها كدولة ديمقراطية يهودية". وهناك بعض المسؤولين الذين يتفقون معه حول ذلك في القدس: فقد كرر كل من زعيم المعارضة الإسرائيلي إسحق هيرتزوغ والعضو الرفيع في مجلس الوزراء يائير لابيد في الأسابيع الأخيرة مخاوف مشابهة من أن الاتجاهات الديمغرافية سوف تحول إسرائيل إلى "دولة ثنائية القومية". وفي جميع المناسبات الثلاث، تم الاستشهاد بالديمغرافيا بوصفها سبباً ملحاً يدفع إلى حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

 

تذهب الأطروحة، باختصار، على النحو التالي: إن معدل المواليد لدى العائلات العربية في إسرائيل وفلسطين أعلى مما هو عليه لدى العائلات اليهودية. وهكذا، وفي مرحلة ما في المستقبل القريب، سوف يصبح العرب أغلبية في المنطقة التي تحتلها إسرائيل. وعندما يأتي ذلك اليوم، سيكون على الإسرائيليين الاختيار بين وجود دولة يهودية أو دولة ديمقراطية، لأن منح الجميع حقوق تصويت متساوية سوف يعني فقدان الطابع اليهودي للدولة. وسيكون أمل إسرائيل الوحيد للحفاظ على هويتها، كما يقول أنصار نظرية "القنبلة الديمغرافية الموقوتة" هو إبرام صفقة سلام سريعاً مع الفلسطينيين، والتي تعبد الطريق لقيام دولة فلسطينية مستقلة.

 

لكن هناك مشكلة واحدة فقط: إن الإرقام لا تدعم هذه الأطروحة. الديمغرافيا لا تعتمد فقط على معدل الولادات، وتتسم التنبؤات المماثلة بتاريخ طويل من الفشل. إن اليهود الإسرائيليين يتمتعون بأغلبية صحية ومستقرة إلى حد كبير في إسرائيل والضفة الغربية، كما أن التطورات في السنوات القادمة ربما تعمل على تحسين هذا الاتجاه أيضاً. إن القنبلة الديمغرافية، بكلمات أخرى، معطلة ومنزوعة الفتيل.

 

في منتصف العام 2013، أفاد المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل بعدد سكان يبلغ 8.018.000 نسمة. وخُمس هؤلاء، الذين يبلغ عددهم 1.658.000، هم مواطنون إسرائيليون يعرفون أنفسهم على أنهم عرب. أما تقديرات أعداد الفلسطينيين الذين يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية، والذين بلا حقوق تصويت، فيتراوح ما بين 1.5 إلى 2.5 مليون نسمة. وحتى لو استخدم المرء النهاية العليا للتقديرات الصادرة عن السلطة الفلسطينية، فإن مجموع أعداد المواطنين العرب الإسرائيليين والفلسطينيين معاً لا يرقى إلى ثلث عدد سكان إسرائيل الحاليين. أما بالنسبة لسكان قطاع غزة، فيصعب القول بإدراجهم في التعداد، بما أن إسرائيل لم تمارس السيطرة المدنية على تلك المنطقة منذ العام 2005.

 

راقب المحللون والديمغرافيون اتجاهات سكان إسرائيل عبر كامل تاريخها، وحذروا بشكل متكرر من تغيرات وشيكة في حالتها الراهنة. في العام 1987، حذر توماس فريدمان من أنه في غضون 12 عاماً "سوف تكون إسرائيل والمناطق المحتلة، من حيث الديمغرافيا، دولة ثنائية القومية". وذهب إلى اقتباس عالِم ديمغرافي إسرائيلي بارز، آرنون سوفر، الذي قال إن إسرائيل تصبح "دولة ثنائية القومية، وليس يهودية.. لا جدال في ذلك".

 

مع ذلك، لا تبدو هذه القنبلة الديمغرافية الموقوتة أبداً وأنها تنفجر حقاً. ثمة الكثير الذي تغير منذ مقالة فريدمان: هاجر مليون يهودي إلى إسرائيل من دول الاتحاد السوفياتي السابق، وانسحبت إسرائيل من قطاع غزة، وتقلصت الفجوات بين معدلات الولادات العربية واليهودية بشكل كبير. وفي الحقيقة، ازداد معدل المواطنين الإسرائيليين الذين هم عرب ببطء شديد منذ تأسيس إسرائيل، مرتفعاً من 12 % إلى 21 % فقط على مدى 65 عاماً.

 

نعم، من غير المرجح أن تشهد إسرائيل تدفقات كبيرة من اليهود مثل تلك التي جاءت من الاتحاد السوفياتي السابق مرة أخرى أبداً -لكنها لم تستنفد أيضاً قدرتها على التأثير في التوازن الديمغرافي. على سبيل المثال، قدر تقرير صدر عن مركز أبحاث الكنيست في العام 2012 أن هناك نحو 230.000 إلى 750.000 مواطن إسرائيلي في الخارج. وعلى الرغم من أن الكثير من هؤلاء الإسرائيليين محسوبون مسبقاً في عدد سكان إسرائيل الكلي، فإن أجزاء كبيرة منهم ليست كذلك، ولا أحد منهم ممثل في الكنيست.

 

لا تمنح إسرائيل حالياً أي حقوق تصويت لأولئك المواطنين الذين يعيشون في الخارج. وكان القصد من هذه السياسة تثبيط اتجاهات الهجرة المعاكسة، لكنها جعلت إسرائيل أيضاً قيمة عزلاء على المسرح الدولي. ولو قامت إسرائيل ببساطة بمطابقة سياسات تصويت المغتربين لديها مع تلك المستخدمة في الولايات المتحدة أو كندا مثلاً، فإنها ستضيف مئات آلاف إضافية من الناخبين إلى سجلاتها الانتخابية. ومن شأن السماح للإسرائيليين السياح في الخارج بالتصويت في يوم الانتخابات، أو تسهيل عملية حيازة الجنسية، أن يضيفا تعزيزات أخرى للأعداد. وليس من الصعب ترتيب ذلك: إن قانون إسرائيل الانتخابي لا يرتكز إلى دستور، ويمكن تغييره لدى الرغبة وبهامش أغلبية ضيق في هيئة التشريع.

 

تقوم التحسينات الدراماتيكية في الصحة العامة أيضاً بتغيير الصورة الديمغرافية. كان الكثير من عدم الدقة في التنبؤات السابقة يأتي من تركيزها على معدلات المواليد، بينما تهمل العوامل المهمة الأخرى مثل التغيرات في متوسط الأعمار المتوقع. وعلى سبيل المثال، سجل مكتب الإحصاءات الإسرائيلي المركزي في الأعوام ما بين 2000 و2010 أن متوسط الأعمار المتوقع للإسرائيليين قد ازداد بمعدل ثلاث سنوات تقريباً. ومع ذلك، لم يكن هذا النمو متجانساً، حيث يرتبط بعوامل مثل حجم الأسرة ومستويات الدخل. وبينما سجل اليهود الإسرائيليون معدل زيادة بلغ 3.2 سنة خلال تلك الفترة، ارتفع متوسط الأعمار المتوقع للإسرائيليين العرب بواقع سنتين فقط. وكان هذا الاختلاف معادلاً لزيادة بمعدل 2 % لسكان إسرائيل اليهود خلال ذلك العَقد، ومعادلاً لوصول نحو 128.000 مهاجر جديد. وهكذا، يتبين أن الإسقاطات والتنبؤات الديمغرافية تتطلب أكثر بكثير من مجرد العمليات الحسابية البسيطة.

 

هناك أسباب لا تعد ولا تحصى لتجعل الإسرائيليين والفلسطينيين يسعون إلى السلام، لكن الرعب الديمغرافي الزائف لا ينبغي أن يكون من بينها. ما يزال أمام إسرائيل الكثير من السنوات والأدوات السياسية لتمنع اختفاء الأغلبية اليهودية في المناطق الواقعة تحت السيادة الإسرائيلية. ولا شك أن الخطايا التي ينطوي عليها حكم شعب آخر كثيرة، وأن فوائد السلام ستكون بلا عدد –لكن الحافز لحل الصراع لا ينبغي أن ينبع من تهديد القنابل الديمغرافية الموقوتة.

 

 

المصدر: 
فورين بوليسي