كل فلسطيني على قائمة الاقتلاع!
لأنه مؤمن بالمثل المتداول عن أن «من يخاف من القرد يطلعله»، قال محمود ربعي إن إحساسه بعدم الطمأنينة وهو يقل في سيارته فتاة من أقاربه إلى أقرب مركز طبي، أسعفه في تدارك واحد من كمائن المستوطنين على الطريق الوعرة والطويلة بين «جِنبا» (أقصى جنوب الضفة) وبلدة يطا..
كمين المستوطنين الذي كان يتربص بـ«ربعي» وقريبته (49 و17 عاما) قبل شهر، لم يكن في واقع الحال الذي يفيض فقرا ورعبا في «جنبا»، سوى مجرد «حادثة صغيرة»، كما قال رئيس اللجنة الأهلية في المنطقة عثمان جبارين، موضحا أن اعتداءات المستوطنين اليومية في المنطقة، جزء من سياسة يومية يمارسها الاحتلال لاقتلاعهم من المكان، حيث يواصلون العيش ورعي الأغنام في التلال المطلة على النقب الشمالي قبل أن تنشأ «دولة إسرائيل». و«جنبا» هي خربة/ قرية صغيرة يقيم أهلها البالغ عددهم نحو 300 مواطن في الخيام والمغائر مهددين بالترحيل، إلى جانب أهالي 7 تجمعات سكانية في منطقة مَسافِر يطا، الواقعة على بعد 12 كيلو مترا جنوب مدينة الخليل. وقال جبارين في حديث لـملحق «فلسطين»، إن المستوطنين المسلحين الذي استهدفوا المواطن ربعي قبل أن ينجح في التراجع بسيارته والإفلات من الكمين في الوقت الملائم، كانوا يحرسون مستوطنين آخرين وهم يحرثون حقولا في محاذاة الطريق على مسافة كيلو ونصف الكيلو متر إلى الغرب من «جنبا»، فيما أعقب «الحادثة»، قيام مجموعة من جنود الاحتلال وضباط في «الإدارة المدنية» الإسرائيلية باقتلاع الأشتال الحرجية والرعوية من 400 دونم في «محمية أم صرارة» التي تبعد نحو 5 كيلومترات إلى الشمال من الخربة، مشيرا إلى أن «المحمية» المقرر أن تبلغ مساحتها ألف دونم أنشئت بدعم من منظمة «الفاو» التابعة للأمم المتحدة (تضم 8 آبار للمياه مخطرة بالهدم) على أراض تعود إلى 140 عائلة بغرض تحويلها مستقبلا إلى مرعى لألفي رأس من الأغنام التي تقتنيها.
قائمة ممنوعات تطال ترميم الخيام!
في «جنبا» التي سبق أن هدم الاحتلال مساكنها المبنية من الطين والحجارة وقتل عددا من قاطنيها قبل 15 عاما من احتلال الضفة (عام 1952 - بغرض إبعادهم عن خط «حدود الهدنة») تعيش أكثر من 30 عائلة يمنعها الاحتلال من إقامة المنازل، ومن سقف «المدرسة» التي تضم 35 طفلا وطفلة بالإسمنت المسلح، ومن ردم الحفر في الطريق التي تنشأ بفعل السيول، وأيضا يمنعون من ترميم الخيام التي مزقتها الرياح في المنخفض الثلجي الأخير الذي اجتاح شرق المتوسط نهاية العام الماضي، حيث لفت جبارين إلى أن سلطات الاحتلال أخطرت عائلة قريبه محمود محمد جبارين بهدم الخيمة التي تؤويها في حال أقدمت على ترقيعها «دون الحصول على ترخيص مسبق يسمح بذلك»! بينما تشمل قائمة الممنوعات التي يطبقها الاحتلال في منطقة المَسافِر زراعة مئات الدونمات من الحقول وبناء ولو غرفة صغيرة خاصة بمولد للكهرباء، أو حتى إقامة الأسيجة حول حظائر الأغنام و«دواجن الاقتصاد المنزلي».
تطول قائمة الاعتداءات المندرجة في سياق محاولات التهجير القسري، مثل مطاردة رعاة الأغنام في الجبال واعتقالهم بمزاعم متنوعة (كأن يدعي أحد المستوطنين بأنه تعرض للشتم)، واحتجاز قطعان من الأغنام التي يرافقونها بزعم «تجاوزها خط الحدود» كما في «جنبا»، واعتقال مواطنين والاعتداء عليهم في حال تم ضبطهم داخل أراضي تعود لعائلاتهم وكان المستوطنون زرعوها بالأشجار وحولوها إلى حديقة عامة خاصة بهذه المستوطنة أو تلك، كما في محيط مستوطنة «معون»، أو الاعتقال بـ«تهمة» الدفاع عن النفس في حال التعرض لاعتداء من قبل المستوطنين، كما حدث في منطقة «أم الخير» عندما اعتقلت المواطنة حليمة هذالين (57 عاما) بعد إصابتها بجروح أثناء محاولتها الدفاع عن نفسها إلى جانب اثنين من الفتية الرعاة أثناء اعتداء نفذه نزلاء في مستوطنة «كرمئيل».
جنوب الضفة في دائرة الاستهداف
ذلك كله وغيره بات يمثل جزءا من حزمة انتهاكات يطبقها الاحتلال لإرغام مئات العائلات على الرحيل، ولتسهيل سيطرة المستوطنين على المنطقة التي تزيد مساحتها عن 250 ألف دونم، كما يقول خبير الخرائط والناشط في مقاومة الاستيطان في جنوب الضفة عبد الهادي حنتش.
وقال «حنتش» لـملحق «فلسطين»، إن «جدول الأعمال» الذي يزاوله الاحتلال الإسرائيلي لاقتلاع مئات العائلات الفلسطينية من أراضيها بمنطقة المسافر، وفي مواقع أخرى جنوب الضفة، بينها قرية «بيت سكاريا» وخربة «جُبّة الذيب» جنوب وشرق بيت لحم، يطبق بـ«نكهة» من أفلام الغرب الأميركية، لاسيما في محيط مستوطنات «سوسيا» و«كرمئيل» و«معون» و«شمعة» ومستوطنات «غوش عتسيون»، لافتا إلى أن إصدار سلطات الاحتلال، مؤخرا، سلسلة من الأوامر العسكرية التي تقضي بإرغام المواطنين على الرحيل من 12 تجمعا سكانيا جنوب الخليل، يندرج ضمن السياسة ذاتها التي طبقت بهدف إقامة المستوطنات المشار إليها.
في هذا الإطار، أشار منسق لجان مقاومة الاستيطان في محافظة بيت لحم محمد بريجية، إلى أن انتهاكات الاحتلال في منطقة المسافر أقصى جنوب الضفة بغرض إجبار المواطنين على الرحيل، بما فيها إطلاق أيدي المستوطنين في الاعتداءات على المواطنين وحقولهم وممتلكاتهم، هي ذاتها المطبقة في «جبّة الذيب» (نحو 400 مواطن) حيث أقيمت مستوطنة «نيكوديم»، فيما يقول محمد إبراهيم عطا الله، رئيس المجلس المحلي في «بيت سكاريا»، الباقية بين 12 مستوطنة في تجمع «غوش عتسيون» جنوب بيت لحم، إن انتهاكات الاحتلال وهجمات المستوطنين تطال كل تفاصيل «الجحيم» الذي يعيشه نحو 650 مواطنا يتوزعون في 5 تجمعات أكبرها يضم 350 مواطنا.
وأوضح عطا الله أن مستوطنتي «ألون شيفوت» و«روش تسوريم» اللتين أقيمتا على أراض تابعة للقرية قبل النكبة (عام 1946) تمزقان أوصال الحياة بضراوة يصعب تخيلها لمن لا يعيشها، ما أجبر العديد من المواطنين، لاسيما الشباب، على اختيار العيش خارج هذا الجحيم، لافتا في الخصوص إلى اضطرار 38 من الأزواج الشابة إلى الرحيل وتكوين أسر خارج القرية خلال العامين الأخيرين، وذلك بسبب منع سلطات الاحتلال المواطنين من البناء أو إضافة حجرات إلى المنازل الـ 85 القائمة، بما فيها المنازل الـ 60 المسقوفة بصفيح الزينكو (غرق 25 منها بالمياه خلال العاصفة الثلجية الأخيرة)، فيما تطال اعتداءات المستوطنين «كل شيء، تقريبا»، حتى الأطفال وهم يلعبون أمام المنازل!
من بين كثير من تفصيلات الوحشية التي تقض الحياة اليومية في «بيت سكاريا» التي مزقتها عمليات التوسع الاستيطانية إلى 5 تجمعات، وابتلعت نحو ألفي دونم من أراضيها البالغة مساحتها 9 آلاف دونم، أشار عطا الله إلى أن شكوى كان تقدم بها للشرطة الإسرائيلية إثر قيام مستوطنين بالاعتداء بالضرب على فتيات من القرية قبل عام، انتهت بـ«معاقبتهم» بإلزامهم بعمل تطوعي في المستوطنة حيث يقيمون، وهو ما حفز مستوطنين آخرين على رش مسحوق من الفلفل الحار في عيني الطفل سعيد مسعود أسعد (8 سنوات) بعد أشهر قليلة، لافتا إلى أن عربدات المستوطنين تشمل، أيضا، تحطيم واقتلاع الأشجار ومهاجمة المنازل بالحجارة والزجاجات الفارغة، ومطاردة المزارعين في الحقول، فيما تشمل انتهاكات الاحتلال الرامية إلى إرغام المواطنين على الرحيل، إضافة إلى منع البناء، توجيه إخطارات هدم لنحو 35 منزلا، أحدها منزل عائلة المواطن تيسير محمد سعيد الذي يؤوي 9 أشخاص وأبلغت بهدمه قريبا، إضافة إلى منع المواطنين من استصلاح نحو ألفي دونم من أراضيهم بزعم أنها «أملاك دولة».
في «جنبا» وأخواتها الـ 11 المهددة بالترحيل أقصى جنوب الضفة، كما في «بيت اسكاريا».. كل شيء فلسطيني في الأرض وعليها، هنا، على قائمة الاقتلاع!
* صحافي فلسطيني مقيم في الخليل.