التوجة الفلسطيني إلى المنظمات الدولية بين البعد السياسي والفوائد المهنية؟

بقلم: 

 

من ضمن البدائل او الخطوات التي من المفترض القيام بها في حال فشل المفاوضات الحالية، او انتهاء المدة المحددة، وهي التسعة اشهر بدون تحقيق نتائج او اختراق، هو النية للتوجه الى المنظمات والمؤسسات والاطر الدولية، ورغم تشكيل لجان لتحضير الاجراءات او لدراسة الجدوى من مثل هذه الخطوة، الا ان المواطن والجمهور الفلسطيني لم يعِ بعد اهمية او الفائدة المرجوة من مثل خطوة كهذه، وربما السبب في ذلك هو ضآلة النقاش او ضعف التواصل حول هذا الموضوع مع الناس، وبالتالي عدم وضوح مدى او نوعية النتائج التي من الممكن ان تترتب على ذلك، سواء أكانت سلبية او ايجابية، وبالاخص على الحياة العادية للناس.
والتوجة الى المنظمات الدولية، يمكن ان يأخذ اطارين، او ان يتم تحت مظلتين، الاطار السياسي او القانوني، او الرغبة في تحقيق اهداف سياسية او قانونية، وبالطبع ايجابية لصالحنا، والهدف الآخر هو الهدف التقني او الفني، اي الاستفادة من هذه المنظمات، وهي كثيرة، في تحقيق اهداف او مصالح لها علاقة بالاقتصاد والسياحة والثقافة والتعليم والصحة والطفل والمرأة والمياه والبيئة وغير ذلك، اي الاستفادة من المشاريع او البرامج المتخصصة التي تقوم بها هذه المنظمات، من خلال الحصول على العضوية الكاملة فيها، والتي في احيان كثيرة هي الشرط للاستفادة وللمشاركة ولتبادل الخبرات من ضمن عمل هذه المنظمات.
ومعروف ان فلسطين اصبحت دولة غير عضو، في الامم المتحدة، وبأغلبية او موافقة معظم الاعضاء، ومن خلال الجمعية العامة، التي هي الاطار او الاساس او المرجع المسؤول او البوتقة التي تحوي كل منظمات الامم المتحدة المتخصصة والفنية والانمائية المختلفة، وهي التي تقر سياساتها وميزانياتها وخططها الاستراتيجية، وبالتالي فان حصول فلسطين على الدولة، وحسب القرارات الدولية، القائمة على حدود 1967، هو الانجاز السياسي الاكبر في هذا المجال، وهو الذي فتح ويفتح الباب للاستفادة الفنية، او التقنية نتيجة لذلك، والمثال على ذلك هو الانضمام الى منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم’ اليونسكو’ قبل فترة.
صحيح ان الانضمام او الحصول على العضوية في منظمات حقوقية دولية، مثل منظمة العفو الدولية او محكمة الجنائيات الدولية، او غيرهما، هو في المحصلة يؤكد ومن خلال الممارسة العملية على الحقوق الفلسطينية من منظار حقوقي دولي، من خلال فضح الممارسات العملية على الارض، من استيطان وجدار وقيود وتنكيل، وذلك من خلال التوجه الى هذه الهيئات وبناء على القوانين الدولية التي تعتبر ذلك ممارسات غير قانونية، او اعمالا جنائية في اراضي الغير، وفي هذه الحالة اراضينا نحن الفلسطينيين.
وصحيح ان ذلك من الممكن ان يربك الاسرائيليين، وربما يحد من بعض الممارسات او الاجراءات او عدم المبالاة بالاعراف الدولية، ويمكن ان يكون له صدى اعلامي وشعبي، ولكن كل ذلك ينصب تحت مظلة الاعتراف السياسي الدولي بالحقوق الفلسطينية، وبالاخص ذلك الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة من اعترافات وقرارات، ودعنا نتذكر ان طلب الانضمام لهذه الهيئات الحقوقية الدولية ربما يأخذ وقتا، وربما سنوات، حتى أن قضايا هذه الهيئات التي من المفترض ان تتم بعد الانضمام اليها، ربما تأخذ سنوات اخرى، وحتى تنفيذ قراراتها ربما يأخذ وقتا طويلا او حتى لا يتم تنفيذه، ومثال ذلك الحكم على بعض الزعماء الافارقة، او على الرئيس السوداني مثلا، الذي لم يطبق منذ سنوات، وبالتالي فان التركيز اكثر على الفوائد الاخرى من الانضمام الى المنظمات الدولية الفنية المتخصصة، حسب وجهة نظري هو الاولوية، الذي يحتاج الى اعداد دراسات الجدوى وقياس مدى الفائدة المرجوة من ذلك، ومدى امكانية تحقيق ذلك على الارض، لخدمة المواطن الفلسطيني، في مجالات حياته اليومية.
ومن الامثلة على ذلك الانضمام مثلا الى منظمات الامم المتحدة، الفنية والمتخصصة في مجالات الصحة والمياه والبيئة، حيث نعلم انه حتى الوقت الحاضر، لا تستفيد فلسطين وبالشكل اللازم او المطلوب من برامج او مشاريع هذه المنظمات، او من وضع خططها وسياساتها، او من حضور مؤتمراتها الدولية، او من الحصة من ميزانيات مشاريعها الدولية، وذلك بسبب عدم العضوية الكاملة فيها، اسوة بباقي الاعضاء، الذين يحصلون على العضوية الكاملة فيها، كدول؟
ومنظمات البيئة الدولية، مثلا هي متعددة، ومجال عملها، يدخل في صلب الاولويات البيئية الفلسطينية، ونحن بحاجة ماسة اليها، بسبب اوضاعنا البيئية المميزة، من ضحالة المصادر الطبيعية، ومن ضيق المساحة الجغرافية، ومن الكثافة السكانية، ومن القيود او الاثار البيئية بسبب الاحتلال والاستيطان، وبالتالي من الممكن ان نستفيد منها، مع العلم ان لجانا متخصصة تابعة للجمعية العامة اقرت قبل اسابيع، وبأغلبية ساحقة مشروع قرار بعنوان ‘السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة على مواردهم الطبيعية، وهذا يعني امكانية الاستفادة المادية، من حيث احتمال الحصول على التمويل او جزء من الميزانيات المرصودة للمشاريع المنبثقة عن الاتفاقيات، او على شكل مصادر اخرى مثل النشرات والكتب والاجهزة، او حتى الحصول على الخبرة، من خلال المشاركة في الاجتماعات واللجان والمشاريع الناتجة عنها. بالاضافة الى ذلك من الممكن ان نستفيد من منظمات البيئة الدولية، تلك التي تهدف الى الحد من ظواهر تغير المناخ السلبية، ومن تخفيض الغازات المنبعثة الى الجو، ومن الحفاظ على طبقة الاوزون، والحد من ظاهرة ‘الاحتباس الحراري’ وارتفاع درجة حرارة الارض، وكذلك مكافحة التصحر والجفاف، والاتفاقيات المتعلقة بمراقبة التلوث وحركة المواد الكيميائية الخطيرة، وتبادل المعلومات حول المتاجرة بالمبيدات الكيميائية، واتفاقيات الحفاظ على التنوع الحيوي، والتوعية والتثقيف البيئي وغيرهما، واتفاقيات فحص جودة المياه، وما ينطبق على الاستفادة من منظمات الامم المتحدة البيئية، يمكن ان ينطبق على مجالات اخرى، مثل الصحة والتعليم والثقافة والتراث والسياحة والزراعة والعمل وتطوير القدرات البشرية وما الى ذلك من مجالات متخصصة نحن في امس الحاجة اليها.
وبالتالي، فان خيار التوجه الى المنظمات الدولية، والنتائج المرجوة منه، سواء اكانت في الجانب السياسي القانوني الجنائي، او في الجانب الفني التقني المتخصص، من المفترض ان يكون مدروسا، من حيث الايجابيات والسلبيات، ومن حيت الاجراءات والنتائج المتوقعة، والاهم من حيث التواصل مع المواطن لاخباره والشرح له ولاقناعه بجدوى مثل خطوة او خطوات كهذه.

 

المصدر: 
القدس العربي