الرئيس الفلسطيني في زيارة تاريخية لواشنطن

بقلم: 

يذهب الرئيس محمود عباس إلى البيت الأبيض، للقاء الرئيس الأميركي باراك اوباما، وهو يحمل الحد الأدنى من مطالب الشعب الفلسطيني، الذي لا يمكن لأي زعيم فلسطيني - مهما كانت درجة قوته أو ضعفه - التنازل عنها.

في الوقت ذاته لا تخفي القيادة الفلسطينية تعرضها لكم هائل من الضغوط الإقليمية والدولية، من اجل القبول بالمقترحات الأميركية وعدم إفشال زيارة واشنطن، وهي تخشى من عودة سيناريو كامب ديفيد كلينتون عرفات، حيث رفض الراحل ياسر عرفات المقترحات الأميركية، او بالأحرى المقترحات الإسرائيلية، لتبدأ بعدها واحدة من أقسى الفصول على السلطة الفلسطينية، من تحريض على الرئيس عرفات وعزله دوليا ومحاصرته في مقر المقاطعة، وصولا إلى اغتياله.

وتشير مصادرة مطلعة من داخل مقر المقاطعة، بأن القيادة الفلسطينية تعيش حالة التوتر وشد الأعصاب، وهي لا تريد بأي حال من الأحوال تحميلها مسؤولة فشل زيارة واشنطن أو خطة كيري. لكن نفس المصادر تؤكد، بأن الرئيس أبو مازن سيذهب حتى النهاية في مقاومة الضغوط الأميركية، وهو لا يخشى الاغتيال السياسي، كما انه لا مجال للمساومة على الحقوق والثوابت الفلسطينية مهما كان الثمن.

وفي خضم ذلك تثير تسريبات الصحف العبرية والصحف الاميركية حالة من السخط لدى القيادة الفلسطينية، بسبب تضمّن تلك التسريبات مواقف لم تصدر عن القيادة الفلسطينية من الأساس، ومقترحات لم يتم تداولها، وطالب المسؤولون الفلسطينيون وزير الخارجية الأميركي جون كيري بلجم اعلام نتنياهو من تسريب مثل تلك البالونات الموجهّة والخطيرة.

وأبدى صائب عريقات من واشنطن - استغرابه من أخبار نشرتها صحيفة نيويورك تايمز عن تسلم الجانب الفلسطيني نسخة من اتفاق الإطار الذي اعده كيري، كما نفى بشكل قاطع عن طرح الأميركيين بأن تكون بيت حنينا عاصمة للفلسطينيين بدلا من القدس، ووصف الطرح بالوهمي. 

وما يربك الحسابات الفلسطينية بالفعل هو الموقف الأميركي المتذبذب وغير الثابت والمتبني للرؤية الإسرائيلية، وشكل لقاء باريس الأخير بين الرئيس عباس وجون كيري ذروة الانحياز الأميركي لإسرائيل، حيث تتحدث التسريبات على أن أبو مازن انفجر في وجه كيري غاضبا، حين طالبه الأخير بـ«نسيان« القدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطين، والاكتفاء بإعلان أجزاء من القدس كعاصمة، واعتبر عباس ذلك ضربا من الجنون، وإن كان أبقى الباب مواربا بشأن قبوله لمقترحات بتدويل القدس، وجعلها مدينة مفتوحة لكافة الديانات، ووضع سيناريوات عدة لإدارة المقدسات - الأمر الذي نظرت إليه المملكة الهاشمية بعين الخطورة، وأبلغت السلطة الوطنية برفضها لكافة المقترحات حتى اللحظة، وعدم تنازلها عن الوصاية على المقدسات الإسلامية بموجب اتفاق بين السلطة والمملكة - وكذلك طلب كيري من الرئيس أبو مازن «التساهل« في امر الاعتراف بيهودية الدولة.

ولم يكتف كيري بذلك بل أبلغ أبو مازن، بضرورة بقاء بعض القوات الإسرائيلية في غور الأردن في إطار أي اتفاق، مما جعل الرئيس عباس يُهدد وزير الخارجية الأميركي بقلب الطاولة وعدم الاستمرار في المفاوضات لو استمرّ بتبني وجهة النظر الإسرائيلية ، كما أعرب له في نهاية اللقاء عن خيبة أمله من الجهود الأميركية لتحقيق تسوية عادلة في الشرق الأوسط. الامر الذي استدعى من وزير الخارجية الأميركية جون كيري ان يطلب من أبو مازن لقاء ثانيا في غضون ساعات من أجل تلطيف الأجواء معه، ووجه له دعوة لزيارة واشنطن ولقاء الرئيس الأميركي.

الرئيس الاميركي من جانبه بدا أكثر واقعية من وزير خارجيته، وأقل ميلا لفرض مقترحات مرفوضة مسبقا، أو توجيه الضغوط في الاتجاه الفلسطيني فقط. وفي مقابلة مع - بلومبرغ فلو عشية زيارة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، حذر أوباما الدولة العبرية، من أن قدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن إسرائيل في المحافل الدولية تتضاءل، إذا استمرت إسرائيل بسياسة التوسع الاستيطاني، كما أنه لن يكون بمقدور بلاده أكثر من ذلك - عرقلة الجهود الفلسطينية للانضمام إلى المؤسسات الدولية، إذا شعر الفلسطينيون باستحالة التوصل الى اتفاق سلام عادل، ودولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة. وأوضح أوباما خلال المقابلة بأنه سيسأل بيبي خلال الاجتماع معه: من أنه إن لم يكن بمقدورك سيدي رئيس الوزراء توقيع اتفاق مع الفلسطينيين، فمن يستطيع غيرك ؟؟؟

وإن لم يكن الآن.... فمتى !!!

اكثر من ذلك، فقد سأل أوباما نتنياهو خلال القمة: ما هي خطته للتعامل مع ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية بغياب أي اتفاق مع الجانب الفلسطيني.

الفلسطينيون أيضا ليسوا بعيدين عن الضغط الأوبامي: فقد أوضح أوباما للصحافة الأميركية بأنه سيسأل الرئيس الفلسطيني عن كيفية تقريب الخطوات الفلسطينية الأحادية الجانب في الأمم المتحدة لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة وانسحاب الجيش من الضفة، وكيف ستتمكن السلطة من دفع رواتب مئات الآلاف من موظفيها في حال أغلقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي قناة الدعم المالي؟«.

وأكد الرئيس الأميركي بأن رسالته للطرفين ستكون أن لديهم خيارين إما التعاون مع الخطة الأميركية للتسوية أو البقاء منعزلين والتأقلم مع الواقع الذي ينتظرهم في اليوم الذي سيعقب فشل المفاوضات.

وهذا بالضبط ما يعيه الجانب الفلسطيني تماما ويخشاه من أن يتم تحميله في النهاية فشل الخطة الأميركية، ويحاول المفاوض الفلسطيني جاهدا الخروج من هذا الفخ بأقل الأضرار، ويضع استراتيجيته لإدارة معركة التفاوض مع واشنطن على هذا الأساس.

حيث ستحاول القيادة الفلسطينية تصدير الأزمة وفشل المفاوضات لحكومة نتنياهو، فقرار تبادل الاراضي يحتاج لتدخل الامم المتحدة ومجلس الامن للفصل بين دولتين وهو ما يتطلب انهاء الاحتلال وضمنا اعتراف اسرائيل بالدولة الفلسطينية، كذلك قضية يهودية الدولة فإن الطرح الفلسطيني يرفض الاعتراف بيهودية الدولة ويطلب من اسرائيل عرض ذلك على الامم المتحدة وهو ما يتطلب ايضا تحديد حدود دولة اسرائيل التي توّد ان يعترف العالم بيهوديتها. 

ورغم كل التقديرات بأن زيارة أبو مازن ستكون حاسمة، ولكن هناك تحليلات أخرى تقول، بأن ليس من مصلحة أي من الاطراف وعلى رأسها الولايات المتحدة، تأبين المفاوضات في هذه اللحظة بالذات، واننا نتجه إلى سياسة الهروب إلى الأمام..... عسى ان يكون هناك أملا خلف الأبواب المغلقة.

المصدر: 
المستقبل