الاعلام الفلسطيني في ضوء المتغيرات السياسية والتكنولوجية واقعه، تحدياته، مستقبله

من الأمانة العلمية التي التزم بها تماماً، أن اعترف بأني استفدت كثيراً من مقالة لأستاذنا الكاتب والباحث «السيد يسين» في جريدة الأهرام العدد/40351 بتاريخ 29/5/1997، بعنوان: «الاعلام العربي وتحديات العصر» والذي يطرح في مقدمتها عدداً من الأسئلة سأنقل مفرداتها إلى الاعلام الفلسطيني وهي:

1-هل استطاع الاعلام الفلسطيني أن يرقى إلى آفاق العصر؟ أم أنه ظل أسير الممارسات التقليدية التي صاحبته منذ بداياته ومراحله المختلفة؟

2-هل ستؤدي الثورة الاتصالية العظمى التي تتدقق موجاتها في عالم كوني يبسط رواقه على مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع إلى تطوير هذا الاعلام البائس؟

3-هل ستتخذ النخبة السياسية الفلسطينية قرارات جريئة في الفضاء الكوني الرحيب؟

•وأضيف إلى هذه التساؤلات السؤال التالي:

4-ما دور الإعلاميين والمثقفين الفلسطينيين المعروفين بتميزهم وقدراتهم وتجاربهم في انقاذ الاعلام الفلسطيني؟

وحتى لا نغمض العيون عن الذين سبقوا لا بد وأن نذكر أن كثيراً من المقالات على صفحات جرائدنا اليومية وغير اليومية الرسمية، وغير الرسمية والحزبية لعدد من الكتاب قد عالجت حالة الاعلام الفلسطيني وبخاصة في ظل السلطة الوطنية التي شهدت تراجعاً ملحوظاً في الرسالة الاعلامية الفلسطينية والمهمات الإعلامية.

نذكر على سبيل المثال لا الحصر أن الزميل حسين حجازي نشر مقالة عن الاعلام الفلسطيني في 26/8/1997 في صحيفة الأيام بعنوان: من أين نبدأ، واجابه الزميل طلال عوكل بمقالتين بعنوان: عن الاعلام الفلسطيني، من هنا نبدأ، في صحيفة الأيام يومي السبت والأحد الموافق 30/8/1997، وكان الزميل حمدي فراج قد نشر مقالة له في هذا المجال في عموده بصحيفة القدس عن معاناة الاعلام الفلسطيني، ولا بأس أن أقول متواضعاً وأنا كذلك نشرت عدداً من المقالات في هذا الشأن في الصحافة الفلسطينية بالإضافة إلى أكثر من بحث علمي شاركت فيها في المؤتمرات العلمية بكلية الاعلام بجامعة القاهرة ومنها، الاعلام الفلسطيني في مواجهة الأزمة.

ونذكر للأهمية ندوة بعنوان: «الاستراتيجية الاعلامية الموجهة للعالم الخارجي» عقدتها وزارة الاعلام الفلسطينية يوم الأحد الموافق 25/9/2005 تحدث فيها الرئيس محمود عباس في جلسة الافتتاح حديثاً بالغ الأهمية والدقة والأهمية تعكس مدى إدراكه للإعلام ودوره وتأثيره والحاجة إليه وعبّر عن ذلك بقوله «أتردد في لقاء الاعلاميين وأحسب لذلك حساباً» وهذا يعني أن هناك نيّةً لانجاز نظام إعلامي وطني فاعل متجدد ومؤثر بعد طول الغياب وتعدد العثرات، والتباعد الواضح بين السياسي والاعلامي بالرغم من وضوح القضية وقدسيتها ما جعل الخطاب الاعلامي وبخاصة في هذه المرحلة غير قادر على التعبير عن الهدف ولعل مطالعة بسيطة وسريعة للتطور السياسي الفلسطيني الذي أدّى إلى الاعتراف بفلسطين دولة بصفة مراقب وبأغلبية ساحقة لا يرافقه وحتى اليوم حملات إعلامية خارجية تواجه تحديات هذا التطور السياسي كالاستيطان والتسريبات الاسرائيلية والاعلام المضاد والاعتراف بيهودية الدولة، وتشوية حق العودة، ومصادرة الأموال الناتجة عن الضرائب وغير ذلك من مفاهيم خاطئة لا يلتقطها الإعلام الفلسطيني وهو ما يدعو إلى ضرورة المراجعة والقراءات النقدية للوصول إلى سياسة إعلامية وطنية عميقة ومتجددة وفق المؤثرات والعوامل والمتغيرات السائدة والمتجددة.

الإعلام الفلسطيني .. محطات وتطلعات

كان الإعلام الفلسطيني في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين في تنافس مشرق ومثمر مع الاعلام المصري سواء في مجال الراديو «الاذاعة» أو الصحافة وهما بالطبع يتصدران الاعلام العربي آنذاك. وتعاونت الاهرام والمؤيد والكرمل في خطاب اعلامي رائد يرد على الحملة الاعلامية اليهودية المبكرة من خلال بعض الصحف والمراسلين اليهود وهو ما أيقظ السياسيين والمثقفين العرب في بدايات المؤامرة وكان العرب آنذاك لا يميزون بين اليهود والمسيحيين والمسلمين فالجميع يعمل وفق الكفاءة وفي كل ميدان.

وحين تصدر الاعلام المصري في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات خلال مرحلة المد القومي الناصري ساهم الكثير من الاعلاميين الفلسطينيين بدور ملموس في المعركة الاعلامية القومية وظهر اعلام المقاومة الذي استقطب الاعلاميين العرب ليدخل الاعلام العربي والفلسطيني مرحلة جديدة فكانت صحيفة الثأر لحركة القومين العرب وصحيفة فلسطيننا لحركة فتح «العاصفة» وشكل الاعلام الفلسطيني متعدد الاتجاهات مدرسة اعلامية رائدة بين المدارس الاعلامية المتنافسة في السبعينيات والثمانينيات، المدرسة المصرية، واللبنانية، والخليجية، والفلسطينية، ومن أبرز صحف المقاومة آنذاك الهدف والحرية والمحرر والسفير وفلسطين الثورة والصخرة بالكويت بالإضافة إلى اصدارات الفصائل الفلسطينية المتعددة داخل الوطن وخارجه وكانت الصحافة العربية المهاجرة بالاتجاهات السياسية المتعددة في لندن وباريس وقبرص وغير ذلك وهو مايحتاج إلى قراءة اخرى متخصصة، ومن ذلك بالطبع الصحفيون والاذاعيون الفلسطينيون المتميزون في وسائل الاعلام العربية المختلفة.

وفي التسعينيات اختل الاعلام الفلسطيني والعربي متأثراً في ذلك بمعارك بيروت ولبنان والعدوان الاسرائيلي والوحشي عام 1982 وما واكبه من انقسام عربي ملحوظ وتشتيت للكفاءات الاعلامية وانتقام من بعضها وزاد من ذلك بالطبع احتلال دولة الكويت واجتياح الجيش العراقي لارضها ومؤسساتها الاعلامية وغيرها وهو ما أدى الى هزيمة النظام الاعلامي العربي المنقسم على اهله ورسالته ومن ذلك بالطبع الاعلام الفلسطيني المتأثر بالانتماءات الحزبية والفصائلية والمصالحية ايضاً وغابت في ذلك الرسالة الاعلامية الفلسطينية والعربية ازاء القضية الام، قضية فلسطين وتناثر الاعلام الفلسطيني وتوزعت منابره دون خطة او متابعة وفي الاغلب دون جمهور يقرأه او يستمع اليه ولم تعد القضية الفلسطينية مركز الاهتمام او الاستقطاب واصبحت الاذاعة الاسرائيلية ووسائط الاعلام الاسرائيلي مصدراً أساسيا للمعلومات ان لم تكن المصدر الاساسي الاهم وساعد على ذلك بالطبع مؤتمر مدريد وما نتج عنه في أكتوبر عام 1991 الذي زاد من حدة التناقضات العربية بالرغم من الحاجة الى الاتفاق.

وجاء اتفاق أوسلو عام 1993 ليبدأ الاعلام الفلسطيني مرحلة جديدة اطلقت بشكل او بأخر هذا الاعلام من جموده وارتفعت به الى مسارات جديدة لم تكن موجودة، فهو اليوم على أرض الوطن الذي كان بعيداً والقائمون على الاعلام هم اليوم من كل الشتات على ارض الوطن مع القائمين على الاعلام في ارض الوطن، وبالرغم من أن الجمع واللقاء جميل لكنه ليس مثمراً وليس فاعلا واشتغل الطرفان، العائد والقائم بالاستحواذ على المواقع والدرجات وفي ظل الاعلام بلا رسالة وبلا ضوابط ليس له خطة ولا تخطيط ولا حتى التفكير في ذلك، فتراجع الاعلام وتراجعت معة القضية والفكرة وانشغل الهواة بالقرصنة الاعلامية فانتشرت المكاتب الاعلانية على شكل اذاعات محلية محدودة الجغرافية وخالية من الفن والفكر والاعلام، وسجل الاعلام الفلسطيني أنه اعلام أوسلو فعلا والحائر بحثاً عن هدف او غاية.

وجاءت الفضائيات والبث المباشر ليدخل الاعلام الفلسطيني مرحلة جديدة لا يقوى فيها على المنافسة أو التواجد وهو ما دعا الرئيس محمود عباس في اول زيارة له الى تلفزيون فلسطين إلى المطالبة بأن يكون على الأقل بين الخيارات ولو من بعيد والعيب في ذلك في ادارة التلفزيون من ناحية والادارة الاعلامية المركزية من ناحية ثانية وسياسة التوظيف العامة في البلاد التي جعلت غير المختصين في مواقع متقدمة لا يعرفون عنها شيئا ومن ذلك بالطبع تلفزيون فلسطين الذي يحتاج إلى مراجعة شاملة ودقيقة.

وفي ضوء الرسالة السياسية التي ألقاها الرئيس محمود عباس في الندوة الاعلامية الموجهة للعالم الخارجي يوم الاحد 25/9/2005 فإن الاعلام الفلسطيني مطالب اليوم بسياسة اعلامية جديدة تعيد الى المدرسة الاعلامية الفلسطينية حضورها القديم قبل النكبة عام 1948 وأثناء الشتات في سياق اعلام منظمة التحرير الفلسطينية واضحة الرسالة والسياسة والاعلام بالقائمين على الاعلام من اهل الخبرة والتأهيل والاختصاص وليس من اصحاب وهواة جمع المواقع والاستئثار بكل شيء من اجل لا شيء.

إذاً ما الخطة..

وذلك يتطلب من السياسي الفلسطيني والاعلامي الفلسطيني واقصد هنا «المخطط» أي المتخصص اي المؤهل اي المنشغل بالواجب وبالانتاج، والعالم بسوق المنافسة الاعلامية والمدرك لتكنولوجيا الاعلام الحديثة والسرعة الفائقة في الاختراق الاعلامي التي لم تعد تكلف كثيرا في الوصول الى المجتمعات افرادا وجماعات وتعدل سلوكها وتغيره وتقيم ثقافة جديدة غير الثقافة السائدة وان ارتبطت بالعقائد والايدلوجيات.

وهذا يتطلب..

ان تعرف ساحات الاعلام الفسطيني بالضبط سمات وخصائص كل ساحة سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وان تعرف قدرات القائمين من طرفنا على كل ساحة وامكانياتهم، وهذه المساحات بالطبع ترتبط بالخطة السياسية للنظام السياسي الذي يعرف بالضبط من هو؟ وما امكانياته وما حدوده وما المعطيات المحلية والاقليمية والدولية وما قدرته على التنفيذ من اجل ان يحقق النجاح وهذا يتطلب اعداد ملفات متكاملة.

وهنا اسوق مثالا اقتبسته من اخي وصديقي محمد جلال عناية في مقالة له منشورة في صحيفة القدس يوم الاربعاء 10/11/1991 يقول فيها نصاً: «يطبق قادة الرأي والاعلاميون اليهود في اميركا استراتيجية ثابتة في مواجهة خصومهم السياسيين وتتمثل هذه الاستراتيجية في الاغتيال المعنوي والشخصية من يعتبرونهم خصما لهم بدلا من التعامل مع الحقائق في القضايا موضع الخلاف.

وللنجاح ايضاً..

لابد ان يكون القائمون على الاعلام وفق تخصصاتهم المهنية والسياسية والجغرافية قادرين على الالمام بالمادة الاعلامية والسياسية المنشورة والمذاعة بحيث يتسنى الرد على المنشور ومحاولة تقديم الحجة بالدلائل ومن شأن ذلك بالطبع احداث حالة من الجدل والحوار يؤدي الى تحريك الوعي بالقضية التي تخصنا ويعطينا المجال في التعرف على صياغة الاعلام وسياسته واقطابه ويقودنا نحن القائمين على الاعلام الفلسطيني التعامل منهجيا وعلميا مع الآخرين.

وهنا اسوق مثالا: المثال نقلته وكالة الانباء الفلسطينية «وفا» ونشرته صحيفة الايام يوم الخميس 24/6/2004 وعنوانه: «اكاديمي بريطاني يقول: بعض مشاهدي القنوات الفضائية البريطانية يظن ان الفلسطينيين هم من يحتل ارضا اسرائيلية والسبب في ذلك حسب الاكاديمي البريطاني ان التغطية التلفزيونية البريطانية للاحداث في الاراضي الفلسطينية مليئة بالفجوات بحكم اللوبي الصهيوني في الاعلام البريطاني وخاصة المرئي ولذلك يشعل المؤيدون للاسرائيليين من ذوي الرأي مساحات واسعة، واضعاف ما تعطية لمؤيدي وجهة النظر الفلسطينية ومن ذلك الحديث عن المستوطنات وكأنها ضحية سهلة للارهابيين دون الاشارة الى مشروع للأرض الفلسطينية ودون الاشارة الى الممارسات الاسرائيلية الوحشية ومن ذلك ايضا العقاب الذي يصل الى معارضي الممارسات الاسرائيلية ودليلنا واضح ماحدث مع مسؤول اذاعة BBC في المنطقة حين تم تغييره بسبب السماح للمراسلين باستخدام مفردات لا يرضى عنها الاسرائيليون مثل «الشهداء فاصبحت القتلى» وغير ذلك الكثير الذي يعكس وعي اللوبي الصهيوني في كل مكان وهو ما نحتاج اليه اليوم وبشدة.

واخيرا ما المهمات الاعلامية..

اذا استطعنا تحديد السياسة الاعلامية وساحات الاعلام الفلسطيني اصبح من المطلوب تحديد المؤسسات الاعلامية ومرتكزات هذه المؤسسات واولها بالطبع ادارتها وسياستها التحريرية والبرامجية والضوابط الادبية والاخلاقية والمؤهلات العلمية للقائمين عليها والفترات الزمنية للادارة والعلاقات الانتاجية والقدرة على التغيير والتجديد وامكانية التجاوب مع المستجدات والطارئات وما اكثرها في مثل حالتنا الفلسطينية وكثيرا ما يقع الاعلام الفلسطيني في ورطة التعاطي مع الحدث وتحديد المفردات والصياغات والاجندة الخبرية اليومية والاسبوعية والشهرية بالاضافة إلى الرأي الرسمي والآراء ذات العلاقة وكيفية ترتيبها بحيث تؤدي الى مضمون الرسالة سواء في الراديو او التلفزيون او الصحافة.

ولذلك اقول..

آن الأوان الى ضبط السياسة الاعلامية الفلسطينية الرسمية والاهلية وخطاب المراسلين في سياق سياسة اعلامية واضحة لا تتعارض مع الحق في التداول الحر للاعلام والحق في التعبير والتأييد والاختلاف ومن ذلك بالطبع السياسة الفلسطينية في انتاج المتحدثين الرسميين من الشباب لبث الرؤية الفلسطينية الوطنية في مواجهة الضخ غير المنظم وغير الملتزم وللروايات المتعددة دون اعلام او معرفة والهدف في ذلك فقط هو «ارضاء للقناة او الاذاعة» التي يراسلها او يخاطبها وهنا اشير الى بحث قدمته الى مؤتمر علمي بكلية الاعلام بجامعة القاهرة حول الممارسة الاعلامية للمراسلين وتبين الحاجة الماسة وفق رغبات المراسلين الى ناطق اعلامي رسمي عارف بالسياسة والمستجدات بدلا من الاجتهاد الشخصي الذي قد يصيب وكثيرا ما يخطئ .

وفي ضوء هذه العجالة عبر واقع الاعلام الفلسطيني الفاعل نتوقف عند أهم مراحله عبر الحقب التاريخية والمتغيرات السياسية لنصل من بعد ذلك إلى الآمال والطموحات في ضوء هذه المتغيرات.

المراحل الأساسية في المسيرة الإعلامية

من خلال المتابعة الميدانية والاكاديمية حاولت ايجاد صيغة مناسبة للمسيرة الإعلامية الفلسطينية عبر الحقب التاريخية المتوالية والمتوافقة مع المتغيرات السياسية والنضالية التي انعكست بوضوح على القضية الفلسطينية سياسياً وإعلامياً وهي على النحو التالي :

1-مرحلة ما قبل النكبة عام 1948:

وهي المرحلة التي شهدت بدايات الصراع بعد الابتلاء بوعد بلفور في 2/11/1917 واشتداد الهجمة الصهيونية والإمبريالية على اغتصاب الأرض وفتح باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين وإمداد هؤلاء القادمين بالمال والسلاح وإقامة مراكز الاستيطان، ما جعل الإعلام الفلسطيني ذلك الوقت متمثلاً في الصحافة الفلسطينية التي قادت معركة إعلامية هائلة في مواجهة الدعايات المضادة والمسنودة بالإمكانيات الفنية والمالية الاستعمارية ما جعل صحافتنا توحد منهجها في الدعوة إلى الوحدة الوطنية والتمسك بالأرض، وفضح السياسة البريطانية في فتح أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقد قادت إذاعة هنا القدس حملة إعلامية بالغة التأثير أسهمت إلى حد كبير في تنمية الوعي الوطني وعطلت الكثير من هجمات الانتداب والاغتصاب.

2-المرحلة الثانية:

وهي مرحلة التشكيل الوطني الشعبي من (1948-1964) حيث اجتهد الكثير من الرواد في صناعة إعلامية صحفية وثقافية بالجهود الذاتية وبالإمكانيات المتواضعة فنياً ومالياً ولعل أبرز هذه الجهود ما قامت به صحيفة أخبار فلسطين بالتعاون مع أخبار اليوم والتي أنجبت جيلاً من الصحفيين من أبرزهم، محمد آل رضوان وزهير الريس ومحمد جلال عناية ودرويش عبد النبي وغيرهم من السابقين كهارون هاشم رشيد وخميس أبو شعبان ومن جميع أنحاء فلسطين.

3-المرحلة الثالثة:

وهي مرحلة الاعلام في إطار منظمة التحرير الفلسطينية منذ انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الأول في 28/5/1964 وحتى اتفاق أوسلو عام 1993م بعد المرور على مراحل، بيروت وتونس وقبرص والكويت والمهاجر، وقد نجحت هذه المرحلة في خلق كوادر متوالية ومتميزة في العطاء والإبداع والإنتاج الإعلامي والثقافي، وهي مرحلة تشكيل فلسفة إعلامية واضحة ومعبرة عن المنطلقات الاساسية للمسيرة الوطنية الفلسطينية وتحدياتها المختلفة والتي حافظت على الشخصية الوطنية، والقرار الوطني المستقل ودافعت بوعي فائق عن حريتها في مواجهة سياسات الاحتواء والالتفاف والتمزيق والتفريق، فكان الإعلام الموحد تكريساً لإرادة التعبير في الاختلاف والاتفاق ضمن إطار الوحدة الوطنية الأوسع وهو منظمة التحرير الفلسطينية، وكان للسياسة الإعلامية الواضحة المعبرة عن الفعل الوطني الفلسطيني الأثر الأكبر في الترويج للقضية والانتصار لها واستقطاب الاصدقاء ما جعل العالم يعترف بفلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية عضواً مراقباً في الأمم المتحدة ويزيد عدد المعترفين بمنظمة التحرير عن عدد المعترفين بالدولة الإسرائيلية آنذاك.

وبالطبع فقد شهدت هذه المرحلة أشكال مختلفة من المؤسسات الإعلامية، الصحفية، والإذاعية، والتلفزيونية، والسينمائية، والمسرحية والغنائية والفنون الشعبية، إضافة إلى الاتحادات الشعبية واسعة التأثير والامتداد ومن بين ذلك بالطبع الاتحاد العام للكتاب والصحفيين، والمؤسسات المتخصصة في الدراسات والنشر والطباعة والكتب وأبرزها مركز الأبحاث ومركز التخطيط والموسوعة الفلسطينية، وقد ظلت معظم هذه المؤسسات تعمل بانتظام حتى العودة إلى أرض الوطن.

4-المرحلة الرابعة:

وهي مرحلة الإعلام في الأرض المحتلة أي مرحلة الاعلام المقاوم والذي استخدم أساليب مختلفة في التعبير كالمنشور والملصق والكاسيت والفيديو والكتابة على الحائظ والاتصال الفردي والاتصال الاجتماعي والدواوين والأندية وجماعات الإصلاح وأهل الحل، والعقد وغير ذلك من الأساليب التي تفرضها الحالة والواقع، ولا تزال هذه المرحلة في حاجة للدراسة المتخصصة وبخاصة إعلام الانتفاضة عام 1987م وما تلاها، إضافة إلى ماصدر من صحف ومجلات وجماعات مسرحية وفنية وغنائية أسهمت بشكل مباشر في التوعية والتحريض والتكافل الاجتماعي، وشدّت الانتباه خارج الوطن وحشدت التأييد والتعاطف العربي والإسلامي والدولي، وأحيت بين الشباب روح العطاء والإبداع الشعري والثقافي والسياسي الذي لفت الانتباه واستقطب الدارسين.

5-المرحلة الخامسة:

وهي مرحلة إعلام السلطة على الأرض الفلسطينية وفي ظل سيادة وطنية انتجت صحافة يومية واسبوعية ذات كفاءة فنية وتحريرية بعيداً عن إرهاب الرقيب وممارسات الاحتلال ودفعت بالشباب للتدريب والعمل، وهي المرحلة التي انطلقت فيها إذاعة صوت فلسطين من رام الله في 1/7/1994 – ومن محطة الارسال الاذاعي الفلسطيني منذ عام 1936، وإذاعة صوت فلسطين – البرنامج الثاني من غزة في 30/3/2000 كما تشهد هذه المرحلة ولأول مرة على الأرض الفلسطينية في سبتمبر عام 1994 ولادة تلفزيون فلسطين كما تشهد هذه المرحلة شكلاً جديداً من التدفق الإعلامي تمثله أعداد من الاذاعات الأهلية ومحطات التلفزة تزيد عن أربعين اذاعة مسموعة ومرئية تحتاج على أي حال إلى تنظيم وإشراف وتوجيه دون تجاوز للحق في التعبير ومن أجل عمل إعلامي مستنير وهادف ومنظم وفي خدمة الوطن.

وتشهد هذه المرحلة كماً هائلاً من المكاتب الإعلامية والفنية المختلفة ذات امتدادات مالية وفصائلية وحزبية اضافة إلى مراكز الدراسات والبحوث ودور النشر والطباعة والتعدد الواسع في المواقع والصفحات الالكترونية التي تشكل مشهداً إعلامياً متعدد الاتجاهات والانتماءات والاجتهادات ويستقطب اعداداً من المتابعين والمهتمين والمتخصصين ولا يزال هذا المشهد في حاجة إلى المتابعة والتنظيم والتنسيق، كما شهدت هذه المرحلة مؤخراً، عودة مجلة «شؤون فلسطينية» للصدور، لتلبية حاجة وطنية إعلامية وثقافية متخصصة.

6-المرحلة السادسة:

وهي امتداد طبيعي لمرحلة إعلام السلطة الوطنية والتي تبدأ مع نتائج الانتخابات التشريعية الثانية 25/1/2006 وانتقال الأغلبية البرلمانية إلى التيار الاسلامي بزعامة حركة حماس والتي عملت جادّة على التمتع الكامل بمقومات ومكونات السلطة والاستحواذ على المواقع الأساسية وتنفيذ البرنامج السياسي والإعلامي للحركة وهو ما أحدث واقعاً إعلامياً جديداً يخدم هذا البرنامج، فزادت المنابر الاعلامية الملتزمة بهذا البرنامج وتلاشت منابر إعلامية كان لها التميز في المرحلة ما قبل الانتخابات التشريعية، وظهر من المنابر الإعلامية ما يخدم التوجهات السياسية الأخرى من اليسار واليمين، وفي ذلك خير ومهم ويحتاج إلى المتابعة والتقويم حتى لا يحدث الانفلات الاعلامي غير أن هذه المتابعة وهذا التقويم لم يجد له مكاناً في الفن الاعلامي وغابت قدسية الكلمة ومسؤولية القول عبر الأثير.

من أهم سمات هذه المرحلة حالة الانقسام السياسي والتنظيمي والاعلامي وبروز مفردات الغلظة والحقد والتحريض والتخوين وربما التكفير أحياناً، وهو ما كشف الغطاء عن عجز الادارة الاعلامية الفلسطينية بوجه عام والادارات الاعلامية الفصائلية بوجه خاص، وساد في هذه الأجواء روح التفّرد والانسلاخ عن منظومة القيم والمعايير الاخلاقية، ساعد على ذلك ثورة الفيسبوك واخوانه وتسريبات ويكيلكس والاعلام الالكتروني متعدد الامكانيات والاتجاهات بغير نظام أو توجيه أو متابعة وهبط المستوى الاعلامي بكافة أركانه الفنية واللغوية والجمالية وتربع على عروش الاذاعات الخاصة والحزبية من يفتقدون هذه الأركان الأساسية، ويخدشون الأذن والذوق والجمال من ساعات الصباح إلى سكون الليل بالرغم من بعض الاستثناءات التي تحتاج إلى رعاية وتوجيه من العارفين بالفن الاذاعي وقواعده وجمالياته.

وللتدليل على ذلك حاول أن تتابع بعض المراسلين وهم يحلّقون في آفاق الانشاء العاجز مع والبكبكة في محاولة لملء الفراغ في هواء مفتوح لا صاحب له ولا ضابط وبغير رسالة إعلامية واضحة، وليس هذا خاصاً بحالتنا الوطنية الفلسطينية بل يخص معظم الاذاعات والقنوات المفتوحة بغير حساب، وكأن الأمر يتوافق إلى حد كبير مع ثورات الربيع العربي غير الواضح مسارها وإن رفعت شعار الثورة والإصلاح والتغيير وفي غير اتفاق كما يقول الشاعر:

لا يُصلح الناس فوضى لاسُراة لهم

ولاسراة لمن جهالهم سادوا

وعليه..

فإن المسؤولية الإعلامية هي في الأساس مسؤولية وطنية وأخلاقية واجتماعية ودينية وقيمية، والمسؤولية بهذه الأبعاد لا يؤديها إلا مسؤولون عالمون قادرون مدركون، مؤهلون، ملتزمون، ولا تكون المسؤولية الاعلامية إلا بأوعية نقية صافية معدّة إعداداً فنياً وعلمياً وأخلاقياً، حتى تنتج نماذج ممتلئة بهذه القيم والقواعد، التي في اعتقادي ان المجتمع الفلسطيني وعبر التاريخ قد تميز بذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر أن الاعلام الفلسطيني الذي تربع على عرش الصدارة والتنافس مع نظيره المصري في وقت خفت فيه ضوء الاعلام في غير مصر وفلسطين في العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين والأمثلة على ذلك كثيرة ومن ذلك دار الاذاعة الفلسطينية «هنا القدس» عام 1936، والاذاعة المصرية «هنا القاهرة» عام 1934، وهما الاذاعتان المتبادلتان الفن والقول والأداء والانطلاق والبرامج، ورواد الأغنية العربية بدءاً من سيدة الغناء أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش ومحمد عبد المطلب (طلب) ورواد فن التمثيل والموسيقى، فكانت هاتان الاذاعتان نموذجين للاعلام المسؤول وكان يقوم عليهما كبار الأدباء والشعراء والمفكرين، ويتحدث من خلالهما محمود العقاد، وطه حسين، والتاجي الفاروقي وعبد الرحمن شكري وخليل بيدس واسحاق الحسيني، ويزبك، ورشيد الخوري وغيرهم كثير نعرض لهم في قراءة خاصة أخرى.

الاعلام الفلسطيني ومتطلبات العصر:

طرحنا في مقدمة هذه الدراسة أربعة أسئلة يتعلق السؤالان الأول والثاني بمدى قدرة الإعلام الفلسطيني على الاستفادة من الثورة الاتصالية الكبرى للارتقاء إلى آفاق العصر، بينما يتعلق السؤالان الثالث والرابع بامكانية النخبة السياسية الفلسطينية على اتخاذ قرارات جريئة تفتح المجال للاستفادة من دور الاعلاميين والمثقفين الفلسطينيين في عملية الارتقاء بالاعلام الفلسطيني في ضوء هذه الاندفاعة التكنولوجية والتحديات الكبيرة التي تواجه الامة العربية بعامة والفلسطينية بخاصة بعد مجموع التغيرات السياسية العربية والدولية والتي نعرض لها في هذه العجالة بعد أن تبين لنا قدرة الاعلام الفلسطيني في معظم مراحله وبخاصة في مرحلة ما قبل النكبة ومرحلة انطلاق منظمة التحرير الفلسطينية والثورة الفلسطينية.

فما هي العلاقة بين الاعلام والاندفاعة التكنولوجية، وما مدى تأثيرها على الواقع الاعلامي والفلسطيني؟

لقد أسفرت تكنولوجيا الاتصال وثورة المعلومات بعد تتابع التطورات التقنية عن واقع جديد يفرض نفسه على عالمنا المعاصر ولعل أهم علامات هذا الواقع احتكار الدول الغربية المتقدمة لتكنولوجيا الاتصال وتقنياته والتحكم في مصادر الاعلام والمعلومات وأصبحت حرية تدفق المعلومات من أعلى إلى أسفل واقعاً لا جدال فيه، وخلق حالة من عدم التوازن أثرت سلباً على الدول النامية بعامة وعلى المنطقة العربية بخاصة، ولعل أخطر قضايا الاعلام المعاصر في الوطن العربي، أننا ما نزال في موقف المتلقي، وأن صوتنا العربي غير مسموع في ظل النظام الاعلامي الدولي غير المتوازن، وأن ما يخص قضايانا العربية يأتي معظمه من الدول الغربية وما تزال صورة العرب في وسائل الاعلام الغربية هي الصورة النمطية للعربي المسلم، بكل جوانبها وأبعادها السلبية.

لقد أصبح العالم من حولنا خريطة إعلامية أكثر من كونها خريطة جغرافية أو تاريخية، وأصبح الاعلام اللاعب الأساسي في صياغة الترتيبات العالمية والمتغيرات السياسية، وللإعلام دوره في تشكيل العقل والسلوك البشري وحسب عالم الاجتماع الأميركي (س.رايت ميلز) أن معظم التصورات والأخيلة المكتنزة في عقولنا من العالم بوجه عام تصل إلينا عن طريق وسائل الاعلام بأنواعها وبالتالي فإن المتحكمين في الاعلام، هندسة وتمويلاً وصياغة هم الاكثر قدرة على تشكيل خريطة العالم وفقاً لمصالحهم الخاصة وهو ما يتفق مع واقع الانتاج التكنولوجي، فقد اتضح ان معظم الوسائل الاعلامية الحديثة يتم انتاجها برعاية وزارات الدفاع في أوروبا وأميركا وبخاصة أجهزة الكمبيوتر والأقمار الصناعية وبرامج المعلومات وشبكات الانترنت وهو ماكان قائماً في الحربين العالميتين، وهو ما شاهدناه في الحرب على أفغانستان والحرب على العراق وما عرف آنذاك بالحرب التلفزيونية وما نشاهده كذلك في الحرب الاسرائيلية الجوية على المقاومة الفلسطينية وشبان الانتفاضة والملاحقة الدقيقة للمقاومين، وهو ما خلق حالة من المواجهة الجديدة في الفضاء الالكتروني عبر شبكة الانترنت بين الفلسطينيين وأنصارهم من جهة والاسرائيليين من جهة أخرى منذ انطلقت انتفاضة الأقصى في 28/9/2000 عقب زيارة شارون لساحة الحرم القدسي الشريف في عهد رئيس الوزراء الاسرائيلي “باراك” وقد أدت هذه الحرب إلى إصابة الكثير من الأهداف المتبادلة بين الجانبين.

هذه الحرب الالكترونية تجعل الباب مفتوحاً للتطور الهائل في نظم الاتصال التزامنية واللاتزامنية وقد يؤدي ذلك خلال السنوات القادمة إلى تلاشي الصيغ الاعلامية الحالية وظهور الصيغ الجديدة بوسط (ويبweb) متكامل تصبح بمقتضاها الوسائل الحالية المطبوعة والمسموعة والمرئية من التراث وهو ما يتم تداوله في هذه الأيام، فقد فاق الانترنت الراديو في الفورية والخبر العاجل وأصبحت شبكة النت أقدر من الصحيفة المطبوعة في القصة الخبرية وهو ما يحتاج كذلك إلى دراسة متخصصة.

هذه التحديات التقنية والفكرية والمتغيرات السياسية تفرض على المؤسسات الاعلامية العربية والفلسطينية والجهات المعنية بالتخطيط للإعلام استدراك الوعي واليقظة والعمل على وضع استراتيجية إعلامية تقوم على الأسس العلمية وبعيدة عن المضغ المتكرر للمفردات الكبيرة دون مضمون أو فعل وإعادة النظر في السياسات الإعلامية العربية والفلسطينية الرسمية والابتعاد عن الوصاية الفوقية على المجتمع، وسياسة إخفاء الحقائق والمعلومات واختلال أجهزة الإعلام وإتاحة الفرصة للتعددية الإعلامية في إطار نظام إعلامي له قواعده وقوانينه وضوابطه، فالإعلام المعاصر من خلال وسائله المختلفة أحد المؤسسات الرئيسية في عملية التنئشة الاجتماعية والسياسية political socialization بحكم قدرته غير المحدودة في التأثير على الفرد معرفياً وسلوكياً واتجاهياً في ضوء صناعة الاعلام والاتصال والاساليب التفاعلية والقدرة على الوصول بسهولة ويسر.

لقد فاجأت الاندفاعة التكنولوجية الجديدة الأنظمة العربية وأفقدتها السيطرة الكاملة على وسائل الاعلام فقد وفرت التقنيات الحديثة إمكانية توصيل البث التلفزيوني مباشرة إلى المستقبل دون وسيط ودون إذن من الدولة وهو ما جعل الإعلام العربي يعيش أزمة حقيقية تعكس النظام السياسي العربي ولا يمكن مواجهة هذه الازمة إلا بسياسة إعلامية واضحة واستراتيجية إعلامية متكاملة تتوافق فيها الاتجاهات والإيديولوجيات والتيارات المتواجدة على الساحة العربية وفق الأحوال العلمية إلى تأهيل كادر إعلامي قادر على التعامل مع القضايا والمستجدات.

وفي هذا السياق فإن البيئة الاتصالية بوجه عام تؤثر على نظم الاتصال القومية والمحلية وأتاحت هذه الثورة الاتصالية من خلال وفرة المعلومات فرصة مناسبة للعمل بجدية إلى إعادة هيكلة وسائل الإعلام وتوفير فرصة للتنافس وتحسين الأداء والاتجاه نحو نظام جديد يعتمد على التعددية الإعلامية بعيداً عن احتكار الحكومات لوسائل الإعلام والسماح للقطاع الخاص بتشغيل القنوات الاذاعية والتلفزيونية وفق نظام وإشراف ومتابعة.

الطبيعي أن يتأثر الاعلام الفلسطيني بالاندفاعة التكنولوجية وأن ينعكس ذلك على الواقع الفلسطيني فظهرت الاذاعات المحلية ومحطات التلفزة الخاصة في الضفة الغربية قبيل اتفاق أوسلو وبعد الاتفاق، وانتقلت هذه الحالة الاذاعية الخاصة إلى قطاع غزة خلال انتفاضة الأقصى وبعد تدمير إذاعة صوت فلسطين وتجريفها وفي ظل انهيار المؤسسات الإعلامية بحكم الاحتلال وسياسة البطش والقتل والتجريف الإسرائيلية التي أصابت الشجر والحجر والأرض والأثاث والمؤسسات والمقرات المختلفة وانعكس ذلك سلباً على السياسة الإعلامية الفلسطينية التي تشهد تراجعاً في المتابعة بوجه عام وزيادة شديدة الأهمية في ظل الصلف الاسرائيلي والتردد الأميركي والأوروبي والتراجع العربي، وكان أبرز هذه المتغيرات ما عرف بأحداث 11/9/2001 والاحتلال الأميركي لدولة أفغانستان والاحتلال الأميركي لدولة العراق في 20/3/2003 وهي المتغيرات التي أدت إلى انهيار الأنظمة الشرقية الاشتراكية والأنظمة الغربية الرأسمالية الأوروبية وصعود القطب الواحد إلى واجهة إدارة العالم والمحاولات المتواصلة لتشكيل نظام دولي جديد بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

انعكس ذلك على المنطقة العربية التي سادتها التباينات الطائفية والجبهوية والسياسية والقطرية ما أدى إلى خلخلة البناء العربي الرسمي وتهديد الجامعة العربية التي فقدت حيويتها ورمزيتها وساعد على ذلك الهجمة الاسرائيلية الوحشية على الشعب الفلسطيني ومؤسساته وهيئاته ومقراته وأفراده وأرضه وشجره وحجره، والالتفاف على اتفاقات السلام التي تم توقيعها في أوسلو عام 1993 وهذا الواقع الدولي والعربي انعكس على الحياة الفلسطينية بوجه عام ومن الطبيعي ان يتأثر الاعلام الفلسطيني بهذا الواقع شأنه شأن المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وسادت حالة الفلتان الأمني وقضايا الفساد والإصلاح والحاجة إلى الانتخابات والتغيير والتجديد، وتهددت حياة المواطنين وازدادت حدة الاشتباكات الدامية بين الفلسطينيين والاسرائيليين وتراجع الدعم الدولي والعربي أيضاً ووسط هذه الحالة الدامية غاب ياسر عرفات الرمز النضالي الوطني الفلسطيني الذي احتفلت به الجماهير الفلسطينية والعربية والأنصار في العالم، وشكل غيابه بذلك غياب مرحلة فلسطينية كاملة لتبدأ مرحلة جديدة بقيادة ولغة إعلامية جديدة، طالب بها الرئيس محمود وفق سياسة جديدة وإعلام جديد ومسؤول.

وفي هذا السياق برزت الحاجة إلى أهمية الإعلام ومصداقيته وقدرته على التأثير وخدمة الشعب ومازالت هذه المصداقية للإعلام موضع جدل وحوار منذ أزمة أحداث 11/9/2001 وما تلاها وبخاصة الحالة العراقية والفلسطينية في ظل التحكم في مصادر الإعلام والمعلومات والهيمنة المطلقة من الدول الكبرى والحكومة الاسرائيلية وبرزت أهمية إدارة الأزمة الإعلامية كجزء من الاستراتيجية السياسية والعسكرية الأميركية والاسرائيلية لتحقيق أهدافهما ومصالحهما، وزاد الأمر تعقيداً الحالة العربية في ضوء ما يعرف بثورات الربيع العربي التي انعسكت سلباً على القضية الفلسطينية، وتراجعت بعيداً عن الأجندة الإعلامية العريبة وهو ما يضاعف المسؤولية الإعلامية الفلسطينية واتساع دائرتها وتقوية بنيانها، وبذلك نجيب عن السؤالين الأول والثاني في ضوء هذا الواقع التكنولوجي قبل الانتقال الى السؤالين الثالث والرابع ونقول:

نعم يستطيع الاعلام الفلسطيني أن يرتقي إلى آفاق العصر وأن يتحرر من الممارسات التقليدية والفئوية والفصائلية والجبهوية إذا ما أخذ أصحاب القرار بالمرتكزات الأساسية العلمية والتجريبية ومن خلال قوى الفعل العلمي والتقني والوطني العام بمعنى أن يتسلم المختصون والمجرّبون مسؤولية الإدارة الاعلامية خلال الحقب التاريخية التالية والمسيرة الوطنية والعلاقات الدولية وبخاصة أن فلسطين في المرحلة الحالية أي منذ 29/11/2012 هي دولة عضو بصفة مراقب وهو ما يفتح المجال أمامها للمشاركة الفعلية في المؤسسات والمنظمات الدولية ومن ذلك بالطبع المؤسسات الاعلامية وهو ما يوجب الحركة السريعة والدقيقة نحو الانفتاح على الآخر الفلسطيني وهو هنا الآخر المؤهل، الآخر المختص، الآخر من ذوي الخبرة والتأهيل والتدريب، الآخر الأوسع شمولاً في الانتماء، أي الانتماء للوطن بصرف النظر عن الانتماءات الحزبية والفصائلية والعشائرية والفئوية والجهوية، فقد فرضت الاندفاعة التكنولوجية واقعا جديدا، يغلب عليه التفتيت الايجابي الذي يعزز من دور الفرد المؤهل والأكثر عطاء.

وهذا يتطلب من السياسي الفلسطيني والاعلامي الفلسطيني وأقصد هنا المسؤول وصاحب القرار والمخطط أي صاحب القدرة على التخطيط لسياسة إعلامية تصنع مدرسة اعلامية تعيد الاعلام الفلسطيني إلى المنافسة كما كان دائماً مع المدارس الإعلامية المتميزة القادرة على الاختراق والتأثير والاستقطاب، أي أن يجد الخطاب الاعلامي الفلسطيني طريقه إلى الساحات التي تشهد الاستقطاب في إطار عملية الصراع وليست هذه الساحات بعيدة عن ساحات الاعلام عبر المراحل التاريخية.

متطلبات السياسة الاعلامية الفلسطينية.

للإجابة عن السؤالين الثالث والرابع حول النخبة السياسية والكفاءات الإعلامية نتأمل هذه النظرية الإعلامية المتميزة نظرية (لازويل) التي تضع أساساً واضحاً وفاعلاً يؤكد الحاجة إلى المثقفين والإعلاميين لممارسة دورهم في بناء المؤسسة الإعلامية والتي تتلخص في الإجابة عن الأسئلة الخمسة التالية:

1-من يقول ؟ أي المرسل والقائم بالاتصال، أي الإعلامي المتنوع

2-لمن يقول؟ أي الجمهور المستهدف والمجتمع المقصود

3-ماذا يقول؟ أي الرسالة الاعلامية المقصودة وفق الهدف

4-كيف تقول؟ أي الوسائل والاساليب الاعلامية التي تستخدمها لتوصيل الرسالة المقصودة

5-أي تأثير؟ اي النتائج التي تم تحقيقها وفق الرسالة والأساليب والوسائل وهذا يعني المتابعة، اي التكرار او التقويم.

وفي ضوء هذه النظرية وتفصيلاتها وفي ضوء المتغيرات السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية التي نواجهها نضع بعض التساؤلات التي نعتقد أنها تسهم في رسم خريطة اعلامية وطنية قادرة على المنافسة وقادرة على التأثير، ونفتح الباب لدخول المختصين، ومن هذه الأسئلة:

1-هل يمكن أن نصنع إعلاماً فلسطينياً مسؤولاً وفاعلاً؟

2-هل نمتلك كفايات إعلامية متميزة قادرة على الصناعة الاعلامية؟

3-ما المعايير الوطنية والأخلاقية والمهنية المطلوبة لهذه الصناعة الإعلامية؟

4-هل لدينا الارادة الحقيقية على اتخاذ قرارات جريئة لانجاح صناعة إعلامية؟

5-ماهي مقومات الادارة الاعلامية المكلفة لمثل هذه المهمة؟

6-ما المعيقات التي تواجه هذه الصناعة؟

6-ما الاساليب الناضجة لمواجهة هذه المعيقات والتحديات؟

7-من هم القائمون على الاتصال؟ وسماتهم وخصائصم ومؤهلاتهم وامكانياتهم؟

8-ما الرسالة الاعلامية المطلوبة في ضوء التحديات السياسية والتكنولوجية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية؟ وفي ضوء حالة الانقسام السياسي والجغرافي؟

9-هل لدينا الادراك الواعي لمخاطر الصراع الدولي وتأثيره على الحالة الوطنية الفلسطينية؟

10-هل تشكلت لدينا رؤية إعلامية قادرة على الاختراق في مواجهة الاندفاعة والتكنولوجية والسياسية؟ والحالة الفلسطينية القائمة؟

وأخيراً مستقبل الاعلام الفلسطيني:

في ضوء هذا الواقع المتنوع يصبح من اللازم ايجاد صيغة إعلامية تتوافق مع الحالة الوطنية والسياسية والتطور الهائل في وسائل الاعلام والتدفق المعلوماتي من أعلى إلى أسفل، وللاسف لم نجد في التجرية الاعلامية الفلسطينية في إطار السلطة الوطنية وحتى هذه الأيام تجربة محمودة او انتاجية، بالرغم من القدرات الذاتية الفلسطينية التي اسهمت في صناعة السياسات الإعلامية العربية المختلفة وعبر سنين طويلة من المسيرة الاعلامية العربية في كل الميادين ولا تزال الكفاءات الفلسطينية لها حضورها البارز في الاعلام العربي.

وفي إطار البحث عن هذه الصيغة اعتقد بعضنا أن إلغاء وزارة الإعلام وابدالها بمسميات آخرى جديدة يمثل صيغة مناسبة للارتقاء بالاعلام الفلسطيني، وأخذ بعضنا يفصّل الثوب على المقاس ووفق الأفراد والتكتلات، كما اعتقد بعضنا أن الانغماس في الأنظمة الإعلامية الدولية يصنع فلسفة إعلامية، وهو ما يفسر هذا الاهتمام الجاد من أجل تشكيل مجلس أعلى للإعلام، يحل اللغز وينبئ عن مستقبل أفضل للإعلام لا تزال معالمه مفقودة ولا تزال آلياته غير واضحة. وحتى يكون هذا المستقبل ويكون للمجلس دور في هذا المستقبل المأمول وهذا في اعتقادنا ممكن ولكنه يحتاج إلى آلية جديدة فاعلة ورأينا من خلال تجربتنا الممتدة في هذا الميدان والإطلاع على مكونات النهضة الإعلامية بعامة محلياً وعربياً وعالمياً يتطلب أن نتخلى عن عقدة المؤسسات الحكومية التي ترى في هيئاتها صورة المجلس الأعلى للإعلام، أو عقدة المكاتب الإعلامية التجارية والإعلانية وما ينتج عنها من منابر إعلامية إذاعية أو تلفزيونية أو صحفية وطباعية باعتبارها أساس المجلس الأعلى أو مكونه الأساس لأنها على أقل تقدير يفتقد معظمها وليس كلها مكونات المنبر الاعلامي أو مكونات القائم بالاتصال المسؤول عن إدارة هذه المنابر وفق المعايير الاعلامية الدولية المتعارف عليها والقوانين المنظمة لذلك.

إذن..

كيف يتشكل هذا المجلس الإعلامي المنشود؟

في رأينا يتشكل هذا المجلس من ممثلين للمؤسسات الإعلامية الأساسية شريطة أن يخضع هؤلاء الممثلون للمعايير الاعلامية والمؤهلات العلمية، سواء كانت هذه المؤسسات رسمية أو أهلية أو تجارية، ومن الشخصيات الاعلامية ذات الكفاءة والشخصيات العامة ذات التأثير ومن ذوي الاتجاهات والانتماءات السياسية والمشهود لهم بالعطاء والحضور الفكري والسياسي ومن رجال الدين المشهود لهم بالحكمة والتنوير.

إن مجلسا هذا تكوينه في الإطار العام يمكن أن يصنع إعلاماً فلسطينياً واعياً لدوره، عارفا بمتطلبات البناء والتطور والتحديث وقادر على التأثير والجذب والمنافسة بالتعاون مع الكوادر الفنية العاملة والمجتهدة وذات الإبداع والتميز والإطلاع على المستجدات وهو مجلس بذلك يكون قادراً على أن يطل من نافذة المستقبل وينافس على التفوق والتميز والاستقطاب ويفسح المجال لأن يكون في دائرة التنافس والاختبار ونحقق ما بدأنا به هذه القراءة بالأسئلة الأربعة حول قدرة الإعلام الفلسطيني على الارتقاء إلى آفاق العصر.

وبعد ..

أن نبدأ فذلك خير وإن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة..

عميد كلية الإعلام والاتصال – جامعة فلسطين – غزة

e-mail: dr.hussiena@yahoo.com

معد الدراسة: 
د.حسين أبو شنب