ذوي الإعاقة في فلسطين يعانون من الاحتلال ومن نظرة المجتمع الدونيّة

بقلم: 

 

درس رقم واحد: ‘شخص ذو إعاقة’ هو المصطلح الأمثل للتعريف عند الحديث عن هذه الفئة وهناك رفض تام لمصطلح ‘شخص ذو احتياجات خاصة’ لأن الأولى تعود بالإعاقة على المجتمع والمحيط فتصبح المشكلة في البيئة التي تحيط بالشخص وليست في الشخص بينما الثانية تعرفه مثل اي شخص آخر له ‘احتياجات’ سواء كانت هذه الاحتياجات نظارة او سماعة او سيارة او اي اداة اخرى ‘نحتاجها’ في أي وقت كان وبذلك تفقده خصوصيته.

والدرس هذا حصلت عليه بعد دقائق فقط من لقائي مع وفد فلسطيني شاب يمثل االأشخاص ذوي الاعاقة ا من الاراضي المحتلة في رحلتهم الاولى خارج الوطن والى االحريةب. وهذه الحرية مزدوجة كما فسر لي اعضاء الوفد أمل شوامرة (الخليل) ولطيفة الجعبري (غزة) وسليمان الشاوي (غزة) والذين زاروابريطانيا في نهاية مشروع توعية بحقوق هذه الفئة دام مدة ثلاث سنوات واقيم بتمويل من حمعية العون الطبي في فلسطين (MAP) والوكالة البريطانية للتنمية الدولية ( DFID) ومركز دراسات التنمية في جامعة بير زيت.

تقول لطيفة ‘اريد الحرية. ان اروح محل ما بدي … اطلع بحرية… احنا (الفلسطينيين) بنعاني من مشكلة كبيرة جدا… العالم الخارجي هو اللي بيجينا… احنا ما بنروح عليه… الشعب الفلسطيني محبوس ومضيق الخناق عليه…’ وكان هذا الدرس الثاني… مهما كان حجم التحدي الشخصي فالتحدي السياسي الفلسطيني بسبب الاحتلال الإسرائيلي اولا والشعور العام بالخذلان من جهة ‘السلطة الفلسطينية’ أو الفصائل ‘التي تعرف ربنا لما بدها فقط’ ثانيا يشكل اعاقة اكبر لحركة او تمكين الشخص الفلسطيني سواء كان ذو اعاقة او لم يكن.

وسليمان (الغاضب) يذكرنا بأن السلطة ‘مؤامرة’ على الشعب الفلسطيني لأنهم لم يستطيعوا ان ينتزعوا ويؤمنوا سيادة للشعب الفلسطيني ابعد من ‘سيادة على الطربوش اللي انا لابسه’ وان المسؤولين الفلسطينيون فاسدون لا يتورعون عن فصل جميع العاملين في المؤسسات عند تسلم حزبهم الحكم، ‘مثلا ان اتى مدير مدرسة فهو يغير الكل من المسؤول الأكبر وحتى الآذن… لماذا الآذن؟ لماذا نقطع رزقه لأجل ان نعين ناس من حزبنا؟’ وحين مداعبته بأنه ربما يقسوعلى السلطة الفلسطينية كونه من قطاع غزة وربما ينتمي الى حركة حماس ينتفض رافضا: ‘اذا بدخل في حماس بكون دخلت في حزب وتركت الشعب… انا من الشعب’.

التحليل السياسي يشغلنا عن الموضوع الاصلي الذي اجتمعنا لمناقشته: هل يقبل المجتمع الفلسطيني ويوائم – وهذه ايضا كلمة علموني اياها من المفردات الضرورية عند الحديث عن متطلبات الأِشخاص ذو الاعاقة – المحيط الفيزيائي والمعنوي لتمكين هذه الفئة في المجتمع؟ أو للوضوح هل هناك تصور وتطور مؤسسي يعي حجم التحدي الذي تواجهه هذه الفئة من المجتمع الفلسطيني ومختصر الجواب هو لا.

والجواب الأطول، كما تخبرني لطيفة، هو غياب التخطيط (على كل المستويات) ونظرة المجتمع الدونية للأشخاص ذوي الاعاقة، ‘المجتمع يقف ضد شمولنا في المجتمع′ وهنا مرة اخرى تأخذني هذه المجموعة الى مفهوم مهم جدا لأن الشمول ‘يعني انا انسان وانت انسان’ اما الدمج ‘مبني على الإختلاف… مثل الماء والزيت’. فهم اذا لا يريدون الدمج بل يريدون الشمولية والمواءمة والتقبل والوعي والاحترام.

‘اذا شخص عنده اعاقة مش المشكلة هو، المشكلة هي البيئة وعدم المساواة على كل المستويات والعمل على ابراز القدرة الموجودة في كل انسان’.

خصوصية الأراضي المحتلة وطبيعة الاحتلال القاسية تضيف اهمية خاصة لوضع الاشخاص ذوي الاعاقة وكنت اتوقع ان تكون هذه الخصوصية ايجابية خصوصا وان نسبة الاشخاص ذوي الاعاقة في المجتمع الفلسطيني اكبر بكثير من المجتمعات العادية ولكن القولبة الاجتماعية السلبية قلبت الموازين وجعلت من ‘المناضل الفلسطيني والمقاوم للإحتلال الذي من المفروض ان يكون هو الحلم… الى عاجز′.

تقول لطيفة: ‘هناك قالب نمطي عام في المجتمع ينظر الى هذه الفئة نظرات دونية على اساس انه غير قادر، انه شحاذ متسول، يحتاج الى شفقة… هذه النظرة حولت المناضل… وهو المثل الاعلى الذي تتمني كل البنات ان تشاركه حياته… حولته الى عاجز يدور على كوبونة وراتب جريح وشخص مذلول يشحذ الشفقة من المؤسسات والافراد…’

وهو الدرس الأصعب.

لم تعمل المؤسسات الفلسطينية على تقبل ومواءمة البيئة (سواء كانت ارصفة وبنايات او مدارس او عمل) لمصلحة مواطنيها ذوي الاعاقة سواء كانت هذه الاعاقة خلقية او نتيجة الاحتلال والمقاومة… ولم يفهم المجتمع الفلسطيني التحدي المضاعف الذي يواجه الشخص الفلسطيني ذا الاعاقة فهو ملاحق ومحاصر سياسيا (مثل باقي المجتمع الفلسطيني) ولكن ايضا محاصر بسبب الاعاقة ونظرة المجتمع.

ربما اوصلتني لطيفة بقدرتها على نقل المعلومة ببلاغة وطلاقة وبقوة شخصيتها الى فهم حجم التحدي الذي ستجابهه هي ومجموعتها في تدريب وتأهيل المؤسسات والمجتمع الفلسطيني لتقبل وتبني التحولات المطلوبة لتحسين حالهم وجعلها من الثقافة العامة ومن اولويات التخطيط الفلسطيني… واخذني سليمان الشاب الجميل الغاضب الى روح المعاناة الفلسطينية السياسية والتي تطغي على سائر التحديات التي تجابه اي فلسطيني يقيم تحت، او في اطار، منظومة الاحتلال الاسرائيلي.

ولكن من اسرني هي أمل… المرأة الفلسطينية في قمة ضعفها ولكن ايضا في قمة قوتها…

‘كثير اشياء انا بدي اعملها في حياتي… لا أجد الحرية لأملك حتى نفسي.. وأجد نفسي اردد لنفسي يا ريت ولدت ذكر… الإعاقة لم تعد مشكلة امام فقداني حريتي لأني امرأة…’ تقول امل التي حصلت على دعم والدها للعمل في مجال التربية الخاصة اولا ومنها بالتدرج حتى التقدم والفوز بالمشاركة في هذه الرحلة الى بريطانيا… رغم معارضة والدتها وأخوها لهذا المشوار.

‘كوني طلعت من البيت تعتبر في بيئتي المحلية انجاز وانا صرت ابادر لكسر الحواجز التي تجابهني سواء كامرأة او كشخص ذو اعاقة او حتى كإمرأة عاملة’.

الحديث مع هذه المجموعة كان مشوقا ولكن الاهم من هذا كانت هذه المقابلة ملهمة وكريمة في تقديم المعلومات الجديدة عن عالم ربما كنا كلنا مقصرون في الاطلال عليه او تفهمه… وهذا ربما سر نجاح هذا المشروع الذي انتهت مدته الفعلية ولكن عمليا قد خلق خلايا ايجابية ستسهم فعليا في تغيير الذهنية الفلسطينية وبناء مناخ ‘شمولي’ يوائم ويحضن الأشخاص ذو اعاقة.

سليمان يؤكد: ‘انا سأعمل على هذا الموضوع حتى الممات… لازم الكل يعرف انه انا بدفع ضريبتي وبدي حقوقي ترجعلي اولا كإنسان وايضا كشخص ذو اعاقة.’

 

 

المصدر: 
القدس العربي