فتح + حماس = أقل من واحد
حين وقعت فأس الانقسام الدموي على رؤوس الفلسطينيين في صيف عام 2007، تساءل محمود درويش، بلسان أحدهم: هل أنا + أنا = اثنين؟ وأجاب: أنت وأنت أقلُ من واحد.
الآن، وبعد مرور سبع سنوات عجاف، يبشرنا التنظيمان الفلسطينيان اللذان يتنازعان سلطة بائسة، ولا سلطة فعلية لهما، على أرض الواقع، بأنهما صارا "سمناً على عسل"، أو يكادان، في مواجهة الأعداء. وتلك، لعمري، كانت، ولا تزال إحدى أعز الأمنيات الوطنية، لملايين الفلسطينيين المتشبثين بالبقاء في البقية القليلة الباقية من بلادهم، أو في جناحيّ الوطن، على ما يحلو لهم القول، في إشارة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذا في كل أنحاء المنافي، وبلاد الشتات، القريبة والبعيدة. لكن الحدث المتمثل في تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية، وعلى الرغم من أهميته، خطوة أولى في الاتجاه المعاكس للانقسام، يظل أقل من كافٍ ليطمئن القلوب المثقلة بإرث صراع "الإخوة الأعداء"، ومعه وطأة بنادق الاحتلال الإسرائيلي، وحواجزه العسكرية، ومستوطناته، وجدرانه، فضلاً عن تواطؤ العالم، بمعظم من فيه من أشقاء وأصدقاء وخصوم، مع أحد أبشع أنواع الاستعمار في التاريخ. مفهوم طبعاً أن تبقى بين فتح وحماس خلافات عالقة، أو مؤجلة البحث، أو حتى دائمة، بعد توافقهما، على تشكيلة وزارية تحظى، نسبياً، برضا الجانبين.
ومفهوم أن يتمسك كل من التنظيمين بسياساته ورؤاه الفكرية، وأن يتبرأ أيضاً من أية نقطة تتعارض وموقفه، في برنامج وسلوك الحكومة الجديدة، التي تتكئ، من جهتها، على القول، إنها تمثل سياسة الرئيس محمود عباس، كي تنجو من التحفظات والعراقيل والملاحظات النقدية، الغربية عموماً، والأميركية على نحو خاص. بيد أن ما يصعب فهمه، أو تفهمه، هو هذا النفخ في إنجاز المصالحة، ليبدو أكبر بكثير من حجمه، وكذا النأي عن تبيان أسبابه الفعلية، والعمل، في المقابل، على تظهيره، كأنه نتيجة طبيعية، لحرص قيادتي فتح وحماس على وحدة الصف الوطني.
الطرفان يتواطآن، هنا، على تغييب الحقيقة القائلة، إن مسيرة المصالحة التي تعثرت وتعطلت، مراراً وتكراراً، في السنوات السبع الماضية، لم تكن لتحقق، أخيراً، إنجازها الجديد المتواضع، لولا المأزق الذي بات فيه كلاهما، حيث وصلت السلطة الفلسطينية في رام الله، ومعها حركة فتح إلى جدار مسدود في مفاوضات السلام مع إسرائيل، وفترت علاقاتها مع أهم حلفائها في النظام الرسمي العربي، بينما انسدت الآفاق العملية أمام شعار المقاومة الذي تتبناه حركة حماس، وتعزز الحصار المضروب على حكمها في قطاع غزة، وفقدت، في الوقت نفسه، أبرز تحالفاتها في المنطقة، تحت ضغط الفرز الناجم عن تفاعلات الربيع العربي.
مصالحة اضطرار، لا اختيار، إذن، هذه التي بلغها الطرفان النافذان في المعادلة الفلسطينية الداخلية، وهي، على الرغم من ذلك، يمكن البناء عليها، وتطويرها بما يمهد الطريق نحو وحدة وطنية حقيقية، لو اقترنت بمراجعة ذاتية معلنة، يقدم فيها كل منهما كشف حساب للشعب الفلسطيني، يعترف فيه بخطاياه، وما ارتكب من موبقات، بل جرائم سياسية وغير سياسية، أدت، أصلاً، إلى الانقسام، ثم استمرت، بعد وقوعه، لتعمقه أكثر فأكثر، وتجعل منه هوة سحيقة، يصعب ردمها.
أما وأن كلاً من فتح وحماس مازال متمسكاً بصحة موقفه التاريخي (أو الجغرافي ربما!) وهو يذهب إلى التوافق مكرهاً تحت ضغط الظروف الموضوعية، فلا غرابة، والحال هذه، أن يتجنبا بحث قضايا النزاع الأهم، وفي مقدمها السيطرة الأمنية على جناحي الوطن، ليتساوما حول المسائل الخلافية غير المؤثرة على نفوذهما، كمسألة وزارة الأسرى التي هبت عليها رياح أميركية، محملة بوعيد وقف تمويل السلطة، فبدّدتها، وبددت معها ماء وجه الحكومة الجديدة، وملحها، للأسف، في وقت يخوض فيه الأسرى الفلسطينيون وراء قضبان السجون الإسرائيلية إضراباً عن الطعام، للأسبوع السابع على التوالي، تحت شعار "ميّ وملح"، ويرمز إلى تمسكهم بكرامتهم، على الرغم من كل الأخطار الصحية الناجمة عن مصادرة سلطات السجون هاتين المادتين من غرفهم وزنازينهم. -