المحور الفلسطيني ومركزية القضية عربياً وإسلامياً

بقلم: 

منذ نشوء دولة الكيان الإسرائيلي؛ والولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية على العموم تعتبر هذا الكيان قضيتها المركزية ومحور علاقاتها الدولية؛ بإسمها تُسالم ومن أجلها تُقام الحروب وفي سبيل سلامتها وأمنها تنشأ العلاقات الدولية . أمريكا تقاتل على جميع الجبهات وعينها على ربيبتها إسرائيل، الفيتو في مجلس الأمن من أجل مصالح إسرائيل، الكونغرس الأمريكي يقرر سياسات الدولة بما ينسجم مع طموحات حاخامات إسرائيل، اللوبي الصهيوني العالمي يقرر أي الدول تمثل محور الشر وأيها على الجهة المقابلة تمثل دول الإعتدال بناءاً على مدى إنسجام هذه الدول مع الرؤية الإسرائيلية لحكام تل أبيب . العالم كله بقده وقديده ينشغل لأتفه قضية إسرائيلية؛ فينظر بعين العطف والتحنان ويُجيّش كل إمكانياته من أجل الأسير الوحيد جلعاد شاليط _على سبيل المثال_ ويغض البصر ويعمي البصيرة وهو يواجه عشرات الآلاف من الفلسطينيين يرزحون تحت نير الإعتقال التعسفي والظلم الصهيوني في السجون !!

في المقابل من مركزية دولة الإحتلال في عيون مَنْ صنعها سرطاناً في قلب أرض العرب؛ ما مدى التكاتف والتكافل العربي والإسلامي من أجل جعل فلسطين المحتلة القضية العروبية والإسلامية الأولى في مواجهة طغيان دول الإستكبار العالمي ومجابهة مشاريع التقزيم والتهميش ؟!! وكيف تُأثر وتتأثر العلاقات الدولية العربية والإسلامية بمدى القرب من الرؤية الفلسطينية ومظلومية القرن للشعب الفلسطيني الذي ما زال تحت وطأة الإحتلال يرزح ؟!! وما هو دور النُخَب الفلسطينية في إذكاء روح الإنتماء لفلسطين _القضية والوطن والتاريخ والهوية_ ؟!! أسئلة كثيرة مطروحة للقارئ العربي ليدرك مدى الخلل في المنظومة السياسية والفكرية والدينية في التعاطي مع الملف الأكثر تعقيداً ووضوحاً في آنٍ واحد، وما يعنينا الآن في هذه السطور القليلة هو "النحن" الفلسطيني، وطرح مدى قدرة منظومة العلاقات والتحالفات للنخب الفلسطينية بكافة توجهاتها وأطيافها لإخضاعها بأن تكون منسجمة في تحقيق المركزية لفلسطين على المستوى الوطني والدولي، وما هو المطلوب منها لكي ترتقي بالقضية الفلسطينية وجعلها المحور العربي والإسلامي على أقل تقدير .

ابتداءً، فلسطين المحتلة هي المحور التي يجب أن يدور بفلكها الفلسطيني وغير الفلسطيني، وعلى أساس خدمتها تُبنى المواقف وتتشكل المحاور وتُأسس الأيدلوجيات، والعكس من ذلك نكوص، فلا تدور فلسطين بأحزابها ونخبها ومفكريها ومثقفيها في أكناف أفكار الغير وتوجهاتهم وسياساتهم ومجبورةٌ هي المستضعفة على السير في محورهم؛ وفي ذلك معرفة الأدوار المشبوهة التي تريد الإستفادة من القضية الفلسطينية لا إفادتها .

الأحزاب الفلسطينية والسلطة الفلسطينية هي المنوط بها رسم السياسات العامة لقائمة التحالفات والعلاقات الدولية، فالتشبيك المطلوب منها يجب أن يكون على قاعدة فلسطين أولاً والشعب الفلسطيني وهمومه وآماله قبل كل شيء . ليس مطلوباً من السلطة الفلسطينية أن تكون في فلك المحور الأمريكي أو الأوروبي أو المصري أو الخليجي وتتبنى مواقفها من كافة القضايا العالمية على حساب فلسطين وقضيتها لأن أموالها هي التي تدفع رواتب موظفيها، ليس مطلوباً من الأحزاب الفلسطينية أن تكون ضمن محور تركيا_قطر أو إيران_سوريا وتتبنى حتى مواقفها السياسية الداخلية، أو أن تُدخلها هذه المحاور في لعبة الداخل ما بين الموالاة والمعارضة، ويكون مفروضاً عليها اتخاذ مواقف في داخل هذه المحاور حتى يستمر الدعم وإلا تم رفع الغطاء عن شرعيتها وتأييدها ودعمها !!

الحرب الأخيرة على غزة والعدوان الغاشم الذي شنه الإحتلال الإسرائيلي على القطاع، أظهر الكثير من الأصدقاء والداعمين للقضية الفلسطينية، وفي نفس الوقت أظهر الأعداء على حقيقتهم البشعة وبالأصل هم حلفاء لأطراف فلسطينية مثل مصر والسعودية والإمارات، ناهيك عن المواقف المعروفة للولايات المتحدة الأمريكية والكثير من الدول الغربية .

فدول أمريكا اللاتينية يجب أن تكون حليفاً استراتيجياً لسلطتنا وأحزابنا بسبب مواقفها المشرفة من دعم الشعب الفلسطيني ومساندته وإعلان العداء الدبلوماسي لدولة الكيان، وهذا بطبيعة الحال لا يعني أن نكون يساريين أو أن نتحول إلى العقيدة التي تحملها القارة الأمريكية الجنوبية، أو أن يكون مطلوباً منا بالأساس اتخاذ مواقف منسجمة مع الدول المذكورة بما يتناسب مع سياساتها الداخلية أو حتى قائمة تحالفاتها المتباينة، فهذا ليس مطلوباً ولا يُراد .

وفي نفس السياق يجب دراسة التحالفات الفلسطينية الجديدة على هذه الأرضية فمن كان مع فلسطين ظالمة أو مظلومة _وفلسطين لم تكن في يوم من الأيام ظالمة_ فهو حليف ما دام تحقق في ذلك شرطين، الأول:- دعم فلسطين سياسياً أو عسكرياً أو إعلامياً أو حتى معنوياً . الثاني:- أن لا يكون مطلوب منا أي موقف تجاه قضايا هذا الحليف داخلياً أو خارجياً .

فقطر على سبيل المثال نثمن موقفها السياسي والإعلامي تجاه القضية الفلسطينية ولسنا ملزمين في تحالفاتها الأمريكية والأوروبية وحتى الإسرائيلية أو عداواتها مع باقي دول الخليج، تركيا تقف موقف كبير في تسيير "مرمرة" سابقاً وإعلانها عن قافلة جديدة لكسر الحصار عن قطاع غزة وأردوغان يعلن في كل مقابلة عن بشاعة الإرهاب الصهيوني ولسنا ملزمين بموقعها في الناتو أو دعمها لبعض الجماعات الإرهابية في سوريا . ومحور إيران_سوريا_حزب الله يُشكر على الدعم الكبير للقضية الفلسطينية بل هو أكثر المحاور دعماً لفلسطين وأحزاب فلسطين على المستوى السياسي والعسكري والأمني، وتدريب نخبة من المقاومين في غزة ونقل الكثير من تقنيات الحرب للمجاهدين في غزة، وما زال المحور الأكثر إلتزاماً بفلسطين المحتلة، وما زال المحور الأكثر عداءاً لإسرائيل الإرهابية، وفي هذا السياق يُشكل هذا المحور أهم الحلفاء للشعب الفلسطيني، ولكن دون مطالبتنا بمواقف تشرعن ديكتاتورية الرئيس السوري بشار الأسد أو جرائمه ضد شعبه السوري، أو عقد التحالف مع حليف إيران الرئيس العراقي الطائفي نوري المالكي وميليشياته الطائفية، ودون الرضا عن حزب الله المقاوم في دخوله معمان الفتنة الطائفية في سوريا، وفي ذلك أضم صوتي للشاعر الفلسطيني الدكتور تميم البرغوثي في مقاله الأخير "نصر فلسطين .. والله الغني " والذي نشرته الشروق بتاريخ 15 \ 7 \ 2014م .

فلسطين هي كاشفة عورات وسوءات الكثيرين، كما هي التي تدلنا دوماً على الأصابع التي ما زالت تشير إلى بيت المقدس، وتضعنا على المحك في كل حرب لتقييم أدائنا وتجديد قوائم تحالفاتنا، في فلسطين ليس هنالك صديقٌ دائم سوى الذي ما زال يربط بوصلته صحيحةً نحوها، في فلسطين ليس هنالك عدوٌ دائم سوى عداوتنا الأبدية لدولة الكيان الإسرائيلي وداعميه .