مقاطعة إسرائيل كمشروع كولونيالي

بقلم: 

يمرّ الشعب الفلسطيني حاليًا بأخطر مناطق المربّعات السياسية التي تؤثر على القضية الفلسطينية وسيرورة المقاومة والعمل النضالي. هذه الحرب أثبتت أنّ إسرائيل ليست دولة مقامة على العقيدة اليهودية فى الأساس وإنّما مشروع إستعماري توسيعي يهدف إلى الأستحواذ على أرض السكّان الأصليين وتهجيرهم وطردهم من أرضهم، مع الحفاظ على عدم تواصل أبناء الشعب الواحد(من خلال نظام الفصل العنصري كمان نراه للتفريق بين سكان الضفّة وقطاع غزة والداخل الفلسطيني والشتات). عشرات الالاف من اليهود المتدينين وخصوصًا من حركة "ناطوري كارتا" الصهيونيّة يحتجّون بشكل دائم على وجود اسرائيل ك"كيان سياسيي" لليهود. أضف إلى ذلك المحاولات الكبيرة من نتنياهو والمتطرفين اليهود لإضافة صبغة دينيّة على الكيان الإستعماري والتوسعي في المنطقة. في خضم المعركة السياسية والعسكرية (العدوان الاسرائيلي) يجدر بنا التركيز على دولة اسرائيل ككيان إحتلالي مستعمر وتوسعي بكلّ ما تحمله صفات الإستعمار.

هذا ما إفتقده الجيل الفلسطينيي الجديد وخصوصًا المثقفون من تسمية الأسماء بأسماءها الصحيحة. هناك إحتلال ولكن إحتلال و إستعمار للأرض والأنسان والثروات. الإستعمار "Colonization" بكل بساطة هو إقامة مستعمرة فى أرض معينة، ويمكن للإستعمار ان يحدث بوجود السكان الأصليين او بعدم وجودهم (الإدّعاء بأن إقامة مدن جديدة في فلسطين المحتلة لليهود فقط بأنّها ليس إستعمار يخالف التعريف) فعندما تقوم جماعات كبيرة، أو غير متجانسة عرقيًا أو دينيًا أم لا بغزو أرض معينة وطرد وتهجير سكانها الأصليين ومن ثم إضطهادهم كنتيجة لوجود هذه المجموعات الغازية يكون الإستعمار قد وقع ولا يمكن تسميته إلّا إستعماراً ومسمى "الإحتلال" هو تجميل لوجه الإستعمار ومحاكاة للكتّاب والمحللين والدول الغربية التي لا تريد أن تربط إسرائيل بما إقترفه الإستعمار الغربي من جرائم ضدّ الإنسانية في المستعمرات السابقة والتي تُعتبَر أقرب للتخيّل والتصوّر من مفهوم الإحتلال، حيث صورة الإستعمار البشعة المرتبطة بأذهان الغربيين. الطلم الإستعماري هو ممارسة السلطة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والعسكرية، بشكل مباشر أو غير مباشر، بعدوانيّة وبدون عدل تنتج عنها آثار سلبيّة على المستعمرة أرضهم (سكان الأرض الأصليين). هنا لا أدعو إلى التخلّي عن كلمة "إحتلال" ولكن إستخدام الإستعمار إلى جانب الإحتلال سيعطى معنى اكثر وضوحًا لذلك فإن مقاطعة اسرائيل إقتصاديًا وإجتماعيًّا يجب أن تأتي من منطلق أنها قوة كولونيالية وليس فقط كقوة محتلة للأرض الفلسطينية. هنا يجدر بالفلسطنيين دراسة كفاح الشعوب التى رضخت تحت الإستعمار لفترات طويلة ومن بينها الجزائر. دعونا ننظر لإسرائيل كدولة فصل عنصري. سنجد أن كل العناصر تنطبق عليها كذلك وهو ما يضيف عنصر جديد ويجعل من هذا الكيان كيان إستعماري مبني على الفصل العنصري وسرقة الثروات والإحتلال. لم يشهد التاريخ الكونيالي قوة استعمارية تماثل ما تقوم به إسرائيل من فصل عنصر، مجازر، إعتقال، سرقة الأراضي والثروات والكثير مما تعدّى مفهوم الإستعمار والفصل العنصري، فهي أسوأ من ذلك لأنها تستخدم الدين كأداة لتحقيق مآرب إستعماريّة ما يجعلها تتفوق على كافة قوى الأستعمار في دَمَويتها. وهنا يأتي السّؤال:"ما هى المقاطعة وكيف وماذا؟" يقول الفيلسوف الفرنسي والمقاتل مع الشعب الجزائري أن الأستعمار لن يفكر بالرحيل إلّا عندما تصل السكين على رقبته. وهنا لن يرحل الأستعمار الإسرائيلي إلّا عندما تصل السكينة على رقبته، وهنا أعني السكينة الإقتصادية والإجتماعية وسكّينة المقاومة المسلحة المشروعة دولياً وكافة أشكال النضال.

في خضم المعركة الكبيرة التي خاضها الجزائريون ضد الإستعمار الفرنسي، وجد الفيلسوف "فانون" إن أكبر تحدّيين للشعب الجزائري كانا الّلغة الفرنسية والتكنولوجيا التي يتمتع بها المستعمر. ومقارنًة بالإستعمار الصهيوني ومشروع التوسّعي فى فلسطين، فإن أهم مجموعة التحدّيات كبيرة ومنها اللغة والتكنولوجيا والإقتصاد والإعلام. ومن أهم عوامل نجاح عملية التحرّر هي رفض كل قيم واخلاقيات ومنتجات ولغة والمستعمر بكافة أشكالها. المقاومة تبدأ برفض كل ثقافة المستعمر بكل ما تحمله حتى لو كانت على المستوى الفردي لأن تكلفتها المستقبلية ستكون عالية من خلال عملية المجانسة لثقافتين مختلفين يجعل من تداخل عناصر إيجابية أو عملية من ثقافة المستعمر جزء من الحياة التي يريد المستعمر إدخالها في الحياة على منوال (خرطوم الفيل) وهي تطعيم ثقافتنا بثقافة المحتل. وهنا يجب رفض اللغة العبرية من الأساس حتى لو كانت مهمة جداً لفهم المستعمر أو لفهم اخبارهم وتحليلاتهم ومن ثم الانخراط فى الحياة العامة والعمل والتجارة والسياسة لأن لغة المستعمر الجديد ليس بلغة الأرض وأبناؤها. الجزائريون في بداية الحرب ضد الأستعمار قرروا عدم الحديث بلغة غير لغتهم الأصلية وعدم الإستماع إلى راديو الفرنسيين لأنهم كانوا واثقين من أن عملية الإستعمار تبدأ من النقاط الصغيرة. وهنا يمكن مقارنة ذلك بالمحاولات الأستعمارية لأسرلة الشباب الفلسطيني فى الداخل، والإغراءات الكبيرة لمن يتجند فى جيش المستعمر.

يقول "فانون" أن السبب في رفض اللغة الفرنسية هو عدم رغبة المستعمر فى سماع أراء الشعب الجزائري وعدم الانفتاح لمناقشته في قضية وطنه. وهنا يظهر أفيخاي أدرعي الذي أوقع الكثير من الشباب العربي فى وحل التطبيع والسماع للمستعمر والاعتراف به كأمر واقع بدل من مقاطعتة لغويا وعملياً من خلال وسائل الأعلام الجديد. الفلسطنيينون ليسوا في موقع التلقي ربما لأنهم الطرف الأضعف وربما يقع عليهم إنشاء قناة أو مواقع الكترونية او صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى بلغة المستعمرين لإيصال رسالة الفلسطيني صاحب الأرض الأصلية. لا يقتصر ذلك على اللغة كوسيلة اتصال ولكن أيضاً مقاطعة المنتجات الأسرائيلية. سيحاجج البعض بأن المقاطعة تهدف إلى ايصال رسالة اقتصادية وايقاع خسائر في اقتصاد المستعمر. هذا الطرح فى محله ولكن إيقاع خسائر اقتصادية كبيرة فى المنظور القريب صعب لأن المقاطعة لن تكون سهلة على البعض وخصوصًا التجار وممن يرون أن المنتج الإسرائيلي أفضل من المنتج المحلي البلدي. الاخطر هو أن هذه المنتوجات ال‘سرائيلية هي إستعمار جديد على عقول الفلسطنيين؛ حيث يترسّخ فى عقل الفلسطينيي وأبناءه وبناته بأن المنتج الأستعماري أفضل حالاً من المنتج الفلسطيني والوطني. وإن صحَّ ذلك, فإن ذلك معضلة أخلاقية هدف الإحتلال منها تدمير الثقة فى المنتج المحلى وعملت المؤسسة العسكرية الإستعمارية جنبًا إلى جنب مع المصانع والشركات الإسرائيلية من أجل تدمير ثقة الفلسطيني بنفسه وهي ما وثقته كافّة الدراسات التى ركّزت على الأستعمار وعلاقته بسكان البلاد الأصليين في الشرق والغرب. لا فرق بين من يعطى معلومات تؤدي لإغتيال فلسطيني أو شخص يشترى مواد غذائيّة أو تجميليّة أو بناء من مستعمر متواجد على أرض السكان الأصليين. ما يريده الإحتلال هو شرعنة الإستعمار عبر الفلسطيني ذاته وأصحاب الأرض الأصليين ولذلك يطالب السّاسة الأستعماريين بالأعتراف باسرائيل كدولة يهودية. من يمد يده للقبول بالمستعمر عبر التجارة ودفع ولو جزء بسيط لا يختلف عمن يحمل البندقية الأمريكية ويوجه رصاصة للفلسطينيين فى فلسطين(الضفّة وغزة والقدس والناصرة وحيفا ويافا واللد والرملة والمثلث والجليل وعكا).

إن المقاطعة بكافة أشكالها هى سلاح فعال ويجب إستخدامه ولا يقتصر على البضائع فقط وإنما مقاطعة داخلية لايصال رسالة للمستعمر القادم أن سكان البلد الأصليين لا يقبلون بكم ولا يقبلون بالأستعمار ولن يقبلو بالأستعمار ولن يتكلمو لغتكم ولن يأكلو مما تصنعون لأن ببساطة أخلاقيات سكان البلد الأصليين ليست كأخلاقيات المستعمر ونمط حياة ابن البلد الأصلي يختلف عن نمط حياة المستعمر، لا يوجد فاصل مشترك بين سكان الأرض الأصليين والمستعمر إلا استعمارهم ووجودهم على الأرض بقوة السلاح.

* مدير معهد دراسات الشرق الاوسط الكندي