"ليدرا" في رام الله "التحتا"؟

بقلم: 

يقولون، في تعبير لغوي عربي قديم، "طارف وتليد" كناية عن اجتماع أو مجاورة الجديد والقديم. يومياً، وعابراً بيتي الجديد "الطارف" إلى المقهى والمكتب أقطع أزقة رام الله - التحتا، ذات نمط العمران الفلسطيني "التليد"، حيث تتجاور بيوت حجرية، من طبقة واحدة، وسقف من "العقد" عمارات حديثة.

أعرف ما تعرفون عن بلدانية مدن فلسطين، وأن بيوت رام الله - التحتا ليست "تليدة" كفاية، مقارنة بالمركز الحجري، الثقيل والقديم، لمدن مثل نابلس والخليل والقدس العتيقة، وحتى قرى فلسطينية تفوقها عراقة في الزمان، وفي العمران معاً.

مع ذلك، باشرت بلدية رام الله ثاني أهم مشروع للمواءمة بين أبنية مدنية عمرها أقل من قرنين وأخرى معاصرة. المشروع الأول هو ترميم البنية التحتية والسطحية لمركز المدينة الجديد، المتصل بمدينة البيرة الأكثر عراقة في التاريخ والعمران، وهذا كان المشروع بمناسبة مئوية بلدية رام الله على مدى ثلاث سنوات ٢٠٠٨ و٢٠١١.

المشروع الثاني الأصغر يتعلق برام الله الأصلية، أو القديمة "التحتا" لتأهيل البنية التحتية، وخطوط الصرف الصحي، ومياه الشرب، وتبليط الطرق والشوارع ببلاط صناعي، ومدّ خطوط جديدة للكهرباء والاتصالات .. والحاصل؟ مدينة سياحية كما "ليدرا" في نيقوسيا!

المدى الزمني للمشروع ثلاثة أشهر، وبعده ستقوم البلدية بتشجيع أصحاب المحلات على تجديدها، وتركيب يافطات ملائمة وجميلة بدلاً من العشوائية، ودهان الأبواب، كما فعلت بالنسبة لمشروع إعادة تأهيل وتحديث مركز المدينة.

الجزء الأقدم من المدينة القديمة كان قد تمّ تأهيله، وترميم وتجميل معظم أبنيته المتهالكة، وبعضها صار مقارَّ لمنظمات أهلية.

هذا مشروع "بيت لحم ٢٠٠٠" لكنه مصغر، ومشروع ممول من ميزانية البلدية بقيمة مليونين و400 ألف شيكل، بينما كان مشروع ترميم بيت لحم مشروعاً دولياً، وكذا مشروع لاحق لترميم سقف كنيسة المهد، ومشاريع أُخرى لترميم قلب المدينة القديم في الخليل ونابلس.

المثال الحيّ على تآلف بين"تليد" و"طارف" أو بين القديم والجديد، هو احتضان عمارة ضخمة اشتريت شقة فيها لبيت قديم وترميمه، وفق قانون المحافظة على الابنية "الأثرية" القديمة.

كانت بلدية باريس قد قامت بـ "نفضة" معمارية لأبنيتها القديمة، حيث أزالت غبار الزمان عن حجارتها، وهذا ما ستفعله بلدية رام الله بتنظيف حجارة الابنية بالرمل لتغدو عجوزاً متصابية.

عمارة الوزارة

يبدو لي، وأنا أمرّ يومياً من "شارع الأيام" إلى المكتب، أن هذه المنطقة ستغدو عما قريب "تلة ثقافية" وترفيهية، مع قصر رام الله الثقافي، ومتحف محمود درويش، ومعهد للموسيقى .. والآن، عمارة حديثة خاصة بوزارة الخارجية يجري تشطيبها النهائي.

مشروع عمارة وزارة الخارجية بتمويل صيني كامل، من حفر الأساس الى البناء الى التشطيب.. وحتى الى التجهيزات المكتبية والتعفيش. العمارة تجاور مبنى "الأيام" الذي صار متواضعاً قياساً الى قصر الثقافة ومتحف محمود درويش.. والآن، عمارة الوزارة، التي أشرف على بنائها مشروع الأمم المتحدة الإنمائي.

يبدو لي المبنى ذا الثماني طبقات كبيراً وفضفاضاً و"مرحرحاً" على موظفي الخارجية الفلسطينية، وهو يليق بوزارة خارجية دولة كبيرة. لماذا لا يكون مبنى لوزارة أُخرى؟
استعداداً لافتتاح عمارة الوزارة، قامت البلدية بتأهيل تقاطع الطرق أمامها، وفق مشروع تم قرب قصر الثقافة، وعلى اسم ملك الأردن، بشكل مستديرة ربما هي الأكثر جمالاً بين مستديرات رام الله.

مقابل الوزارة، وضعوا لافتة عن مشروع آخر كبير يسمى "مركز المعارض الوطني - رام الله"، ولا أعرف هل سيبدؤون في مباشرته قبل أو بعد مشروع "حديقة البروة" الوطنية غربي متحف محمود درويش.

الطريف في الأمر، أن المنطقة في هذه التلة كانت، في معظمها، بما فيها مبنى "الأيام" مقلباً مركزياً لقمامة المدينة.
رام الله ليست أكبر المدن الفلسطينية، لكنها صارت اسماً كبيراً في الأخبار .. ورشة كبيرة في العمران .. إنها "تنمو على عجل" كما قال درويش!.

المصدر: 
الحياة