سأهاجر إلى كندا !

بقلم: 

تعبت من كل شيء هنا، لم أعد قادرا على العيش حزينا عاجزا، سأهاجر إلى كندا أو إلى لندن أو أي بلد أوروبي، هدوء هناك يناديني،عيش رغيد وهواء نقي وراتب مغروأطفال يذهبون إلى الملاعب والمتنزهات، عشب أخضر وبحر أزرق هادئ، أنهار تحفها غابات خضراء ... أمطار وثلوج وماء.

ماء لا ينقطع وسماء صافية لا دخان فيها، لا طائرات حربية ولا قنابل غاز ولا براميل متفجرة، لا هراوات ولا سجون ولا معتقلات، لا حواجز ولا قتل ولا ترويع ... إلى كندا أريد أن أهاجر.

قد تكون تلك لحظة ضعف تجتاح شابا يعيش مأساة الأمة، لكنه يدرك بعد لحظات أنّالأمر أكبر من عيشة هنية، أكبر بكثير، إنّها مسألة أمة عريقة ضاربة جذورها في التاريخ تمتد من آدم إلى نوح فإبراهيم واسماعيل إلى أن تصل إلى محمد عليه السلام، صاحب الرسالة السماوية التي خاطب الله بها أهل الأرض.

أهل الأرض الذين يعيشون شقاءً وتعاسة في ظل نظم وضعية أملتها قوى الشر الرأسمالية المتسلطة على رقاب البشرية، فدماء الشعوب وعلى رأسها شعوب الأمة الإسلامية لا تعني شيئا للجاهلية الرأسمالية الجديدة،فجل اهتمامات الدول الاستعمارية تنصب على تأمين موارد النفط وضمان تدفق الثروات والمواد الخام إلى مصانعهم.

مصانع باتت تتغذى على دماء المستضعفين في الأرض بلا رحمة أو شفقة، فالطائرات تقصف والبوارج تدمر والقوانين تسن والساسة يصدرون القرارات ويتجمعون في أحلاف تحت ذرائع واهية كمحاربة الإرهاب وغيرها من الذرائع... كل ذلك لإشباع نهم مصانعهم وتأمين مصالحهم في العالم، وفي بلادنا خاصة.

فبلادنا أصبحت مسرحا صاخبا لمؤامرات المستعمرين الدموية، سياسية كانت أو عسكرية ...فيلتف الاستعمار عبر أدواته القديمة على ثورات الأمة الإسلامية ويستبدل عميلا لهم بأخر، وإن لم يستطع فيعلن حربا بلا هوادة على كل من قاوم، أو على كل من يحمل فكرا تحرريا حقيقيا يسعى لإخراج الأمة الإسلامية من دوامة الاستعمار والتبعية إلى ميادين التحرر والنهضة الحقيقية.

نهضة لن تتم إلا إذاعادت الأمة الإسلامية إلى رسالتها العظيمة وإلى منهجها القويم الاتي من الوحي، فالأمة الإسلامية لن تقوم لها قائمة إلا بوجود كيان سياسي يضع رسالة الوحي موضع التطبيق في الداخل، ويحمل الإسلام رسالة نور للبشرية فيخرجها من ظلمات الرأسمالية المادية إلى نور الإسلام وعدل تشريعاته وإنسانيتها.

إنسانية في سياسة البشر ورعاية شؤونهم، وفي عمارة الكون، لن تتحقق إلا بإقامة الخلافة التي تعيد للأمة الإسلامية موقعها الريادي في قيادة البشرية وعمارة الأرض ضمن تصور منبثق من رسالة الرحمة التي أرسل الله بها محمدا للعالمين، حينها سينتشر العدل ويشرق في الكون فجر جديد،وإلى ذلك الحين لن تسمع من المخلصين من الأمة سوى إصرار جيل كامل يقول: لن أهاجر.

لن أهاجر سأبقى هنا... تحت القصف في غزة، أمام بيتي المهدوم في رفح،سأرفع رأسي وأتخيل لي بيتا جديدا في تل الربيع، سأبقى هنا في حلب استقبل براميل الموت دون جزع، وأخطط لبناء مدينتي بعد النصر، سأودع أبنائي في حمص وأدفن عائلتي في دمشق وأرى القذائفتخترق جدران بيتي في الفلوجة لكني سأبقى هنا.

سأبقى هنا واقفا تحت زخات الرصاص كعصفورتحت المطر، لكنى سأتقدم نحو ميدان التحرير، سأركض في شوارع القاهرة باحثا عن انبوبة غاز،وأمض الليل بدون كهرباء لكنيسأبقى هنا. ولن أرحل، سأحفظ القرآن في زنازين الأمن الوقائي واتعلم التجويد في سجون الداخلية واللغة العربية في أقبية المخابرات لكني... لن أرحل.

لن أرحل من صنعاء ولن تخيفني طائرات بلا طيار، سأقف على حواجز التفتيش أياما وأبيت ليال على معبر حدود مصطنعة في بلادي لكني لن أرحل،سأنظر في عيون جلادي وأشفق على اخوتي وسيتقطع قلبي على أبناء أمتيحزنا كمدا. وهم يهاجرون يغرقون يقتلون يتسممون بالعلمانية لكني ...لن أرحل.

لن أرحل وإن عشت في خيام اللاجئين في تركيا أو الأردن أو لبنان، وحتى لو تلويت جوعا في مخيم اليرموك ... لن أرحل وإن عُذبت في سجون المخابرات الجوية أو نُقلت بطائرة من "أبوغريب"إلى سجون مصرية ... لن أرحل وإن أصابتني رصاصة قناص في رابعة أو فُقأت عيني في مسيرة أو قتلت طفلتي في مواجهة ... سأصمد هنا ولن أرحل.

لن أرحل وإن أمطرت السماء قنابل فسفورية وملئت الأرض بعناصر أمنية، وأُقفلت في وجهي كل الدروب وتأمر على كل من في البرية، لأنّالأمر أعظم مني وأعظم من عيشة في كندا أو لندن .... قد أظنها هنية، الأمر طاعة لله أو عيش في معصية،فأنا جيل أعرف لماذا خُلقت ولأي هدف أعيش وبأي هوية، لذلك قررت أن أبقى هنا لأصنعالحرية.

حرية الانعتاق من كل عبودية واستبداد .. إنعتاق من عبودية الاستعمار والرأسمالية واستبداد الشهوات والنعرات والمادية، وتحرر من كل قيود الجهل والتضليل وشعوذات العلمانية،فلا سايكس بيكو تقيدني، ولا كامب ديفيد يعنيني، ولا دساتير الاستعمار توقفني، ولا انتخابات تخدعني، سأمضي في طريق الحرية والتغيير الجذري الذي يقتلع كل استبداد واستعمار من بلادي.
بلادي سأُصّعد فيها الثورة، سأخطب في كل مسجد وسأحشد الأمة في كل ميدان وسأرفع صوتي في ساحات الجامعات، وسأخاطبهم في بيوتهم ومحلاتهم، سأصل للضباط والقادة والجند استنصرهم ليقوموا بواجبهم تجاه أمتهم. لن أصمت لن أطأطئ الرأس للبلطجية والشبيحة، ولن أترك بلادي لهم ولن أهاجر.
لن أهاجر لأنني جيل تربى على الشوق ليوم تُقام فيه لأمة الإسلام، دولة تحرر الأرض وتستعيد المقدسات وتحمل الإسلام رسالة نوَّر وهداية ورحمة للعالمين،وإلى أن تُقام دولة الخلافة ويُعبد الله في الأرض بتطبيق شريعته سأبقى ثائرا على كل عبودية لغير الله لأن .... الثورة يجب أن تستمر.

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين