مغازلة حماس لدحلان
تثير بعض التصريحات التي تطلق بين الحين و الاخر من قبل قيادات حمساويه حول ضرورة اجراء مصالحه مع القيادي و النائب في المجلس التشريعي عن حركة فتح محمد دحلان ، تثير الكثير من الجدل سواء كان في اوساط الشارع الفلسطيني بشكل عام او الاوساط الحمساويه و الفتحاوية الداخلية بشكل خاص.
آخر هذة التصريحات ما ادلى بها الناطق بأسم حركة حماس صلاح البردويل و اكد عليها النائب في المجلس التشريعي عن حركة حماس يحي موسى ( العبادسه) . كلاهما اكد على ضرورة اجراء مصالحه بين حماس ودحلان في المرحلة المقبلة. هذا ينسجم مع ما كتبه الدكتور احمد يوسف قبل حوالي ثلاثة شهور حيث توقع اجراء مصالحه مع دحلان لما يمتلك من قوة و تأثير ميداني اضافه الى حضورة الاقليمي البارز و بعد ان فشلت محاولات ازالته عن المشهد التنظيمي و الوطني.
قد يكون ما قيل و ما يكتب و ما ينسب لقيادات حمساويه يعكس موقف شخصي اكثر منه موقف رسمي لحركة حماس حول كيفية التعامل مع الدحلان، وقد يكون هناك تشكيك في هذه التصريحات و اثارة هذا الامر من حيث التوقيت و اعتباره جزء من اوراق الضغط التي تستخدمها حماس ضد الرئيس عباس، و قد يكون جزء من تهيئة قواعد حركة حماس لما ستحمله المرحلة المقبلة من تغيرات في علاقات حماس المحلية و الاقليمية بما في ذلك ما يتعلق بالعلاقة مع دحلان.
قد يكون كل هذا صحيح، و لكن ما هو اكيد ان هناك نقاشا داخليا يدور و على اعلى المستويات في اوساط حماس حول امكانية اجراء مصالحه مع دحلان و فتح صفحه جديدة و طي صفحة الماضي المؤلم. هذا النقاش او الجدل قد لم يصل بعد الى مرحلة النضج او لم يتحول بعد الى موقف . لكن الظروف القاسيه التي تمر بها حماس و الظروف الاكثر قساوة التي يعيشها قطاع غزة المنكوب قد تسرع من هذا النقاش .
و بعيدا عن شيطنة دحلان في الاعلام الحمساوي و الاخواني على مدار العقدين الاخيرين ، حيث بذكاء تم شخصنة الصراع و حصره في شخص الرجل ، على الرغم من ادراكهم ان دحلان كان جزء من السلطة الوطنية و كان مكلف بمهمة رسمية و لم يكن له يوما مشكله شخصية ، وان الخلاف الحقيقي كان و مازال بين فتح و حماس او بين برنامج فتح و برنامج حماس ، بين برنامج منظمة التحرير السياسي و الوطني و بين برنامج حماس السياسي و الايديولوجي.
على الرغم من ذلك و بعيدا عن الشيطنه ايضا ، حتى في الايام العصيبة لم تنقطع العلاقة بين الطرفين، خاصة خلال الانتفاضة الثانية ، حيث معظم قيادات حماس كانت على تواصل مع دحلان و رفاقة، بدء من الشيخ احمد ياسين رحمه الله و الشهداء الرنتيسي و ابو شنب و صلاح شحادة مرورا بأبو العبد هنيه و محمد الضيف. على هذا الصعيد هناك كلام يقال و كلام لم يحن اوانه بعد .
حماس راقبت باهتمام انقلاب الرئيس عباس على دحلان قبل حوالي ثلاث سنوات ، حيث استخدم كل ما لديه من صلاحيات و امكانيات لازالة دحلان نهائيا عن المشهد السياسي و الوطني و التنظيمي. استخدم كل مواقعه للاستقواء على حليفه السابق و عدوه اللدود الحالي ، كرئيس للسلطة و كرئيس للمنظمة و كرئيس لحركة فتح و كرئيس لدولة فلسطين و كقائد عام للقوات و كرئيس فعلي للمجلس التشريعي في ظل تعطيل عمله. استخدم في هذه الحرب كل المحرمات و تم تجاوز كل الخطوط الحمراء و تكسير كل اللوائح و الانظمة بما في ذلك ترويض القضاء و قطع ارزاق و فصل قيادات. راقبت حماس باهتمام الاتهامات او الافتراءات التي وجهت لدحلان من اتهامات بالخيانه و التعدي على المال العام و الاتهام بالقتل و سفن اسلحه و التخطيط الى انقلاب على السلطة و الرئيس عباس ، وبعد كل ذلك يتمخض عن هذا الجبل الكبير من التهم فئر صغير على شكل اصدار حكم مشكوك في نزاهته بالسجن لعامين بتهمة تحقير الاجهزة الامنية. هذا على الرغم ان الجهود ما زالت متواصله لالصاق تهم اخرى اذا لزم الامر .
و مع ذلك ، بقي دحلان جزء اساسي من المشهد الفلسطيني سواء احب ذلك الرئيس عباس او كره، سواء احبت حماس ذلك او كرهت، و هناك حقيقة يعرفها من يحب دحلان و من يكرهه وهي ان حضوره على الساحة الفلسطينية لا يمكن تجاهله و فقط صندوق الاقتراع هو الذي من المفترض ان يكون الحكم بين الجميع، و الاهم من ذلك ان الجميع يدرك ايضا ان لدحلان حضور اقليمي جعل منه احد اللاعبين البارزين في المنطقة ، هذا الحضور من المتوقع ان يتعزز مع مرور الوقت في ظل التطورات و المتغيرات التي تحدث في المنطقة.
على اية حال، و بغض النظر عما تسعى حماس الى تحقيقة من خلال اثارة موضوع العلاقة مع دحلان، و بغض النظر عن مدى عمق و جدية النقاش الداخلي او المراجعات الداخلية التي تجريها حماس لسياستها الداخلية و الاقليمية بما في ذلك العلاقة مع دحلان ، و على افتراض اننا نفهم ما الذي تريده حماس من علاقاتها مع دحلان، السؤال ما هو موقف دحلان من هذة العلاقة ، او ما الذي يريد دحلان تحقيقة من علاقته مع حماس؟
ليس هناك من شك ان دحلان يعرف حماس اكثر من اي قائد فلسطيني آخر و انه اكتوا بنارها و هي اكتوت بناره ايضا ، و مع ذلك من المفترض ان تكون الاسس التي تقوم عليها هذه العلاقة ان حدثت، و انا شخصيا اتمنى ، بل اسعى الى ذلك ، على النحو التالي:
اولا: الانطلاق من منطلق ان حماس هي جزء لا يتجزء من المشهد السياسي الفلسطيني و من غير الممكن ازالته. لا نتفق مع سياستها ، نختلف معها على اكثر من صعيد و لكنها ليست عدو . هي خصم سياسي يجب ان نجد السبيل للبحث عن القواسم المشتركة التي تجمع و لا تفرق. نبحث عن الحد الادنى من الاتفاق فيما بيننا بما يساعدنا على مواصلة مشوارنا النضالي و الكفاحي لتحقيق حلمنا الوطني.
ثانيا: مصلحة شعبنا و ما تتعرض له قضيتنا من مخاطر ، و ما يعانيه اهلنا في الوطن بشكل عام و قطاع غزة بشكل خاص، يستوجب على الجميع ان يترفع عن مشاعره الخاصه، و يتسع صدره لاخيه، و ان يطوي صفحة الماضي من اجل مسقبل قضيتنا و مستقبل ابناءنا . الاحقاد لا تعيد اوطان و لا تبني نظام سياسي و لا تصنع مجد لاحد مهما تمتع من قوة و مهما استحوذ على صلاحيات. القوة زائلة و الصلاحيات لها اجل. القائد الحقيقي لا يتصرف بحقد ، لان الحقود لا يمكن ان يقود.
ثالثا: العلاقة مع حماس يجب ان تكون جزء من تفكيك الازمات في الساحه الفلسطينية، و ليس لتعميقها . اي ان العلاقة بين دحلان و حماس من المفترض ان تأتي في سياق الجهد لتوحيد الساحة الفلسطينية بكافة مكوناتها، و على رأسها اعادة اللحمة الحقيقية بين شطري الوطن و اعادة توحيد النظام السياسي الفلسطيني و تفعيل مؤسساته المختلفه و الاتفاق على برنامج وطني و اجراء انتخابات رئاسية و تشريعية و مجلس وطني.
رابعا: نظرا للظروف القاسيه التي تعيشها غزة، خاصة بعد العدوان الاخير و ما لحق بها من دمار، من المفترض ان يكون احد الاهداف او الدوافع الرئيسية لهذه العلاقة هو العمل على التخفيف من معاناة الناس و تعزيز صمودهم. التنافس بين الاطراف و الاقطاب و التنظيمات و القيادات يجب ان يكون على من يستطيع ان يخدم ابناء شعبه اكثر، و من يستطيع ان يخفف من معانياته. الاختباء و راء كلمات و تعبيرات هدفها تخويف الناس و منعهم من القيام بواجباتهم تجاه ابناء شعبهم المنكوب في غزة لن تفيد في شيء.