الفلسطينيون في زمن "داعش"
تعيش المنطقة العربية دوامات متعددة؛ بدءاً من الحروب الطائفية، كما حروب أهلية وانفصالية، إلى الصراع بين الإخوان المسلمين وبين جماعات وأنظمة سياسية عربية قديمة وجديدة. وهذه كلها تأتي تقريباً في سياق "ما بعد الثورات العربية". وكما في كل تحول إقليمي كبير، يُطرح السؤال: "أين القضية الفلسطينية من هذا؟"؛ سواء كيف ستتأثر هذه القضية بالأحداث، أم كيف تؤثر فيها؟ وتعزز السؤال الآن عقب بدء الحرب الدولية على الإرهاب، وتحديداً على تنظيم "داعش". وهناك نقطة انطلاق للنقاش، وثلاثة سيناريوهات، وأجندة من ثلاث نقاط للتفكير فيها.
نقطة الانطلاق أنّ الفلسطينيين هم أصحاب الدور الأكبر في تحديد مدى اهتمام العرب، شعوباً وأنظمة، بقضيتهم؛ بمعنى أنّه إذا نشط الفلسطينيون، مقاومةً وسياسةً ودبلوماسيةً وثقافةً، حصلوا على الدعم العربي، حتى وإن بدرجات متفاوتة، وعلى مضض أحياناً. وإذا سكتوا (الفلسطينيون) سكت العرب. وحراك الفلسطينيين، بشرط عدم تدخلهم أيضاً في شؤون الدول العربية، وعدم تخيل أنفسهم جزءا من الصراعات والثورات الداخلية للدول، يُحصّن جبهاتهم الداخلية ضد القوى المغامرة من نوع "داعش".
إذا لم يكن هناك حراك فلسطيني كافيا كمّاً، وحكيما في مضمونه، فإنه يمكن توقع ثلاثة سيناريوهات سيئة. أولها، امتداد "داعش" وفروعه وأصوله، إلى الفلسطينيين. وبحسب ما يقول الصحفي محمد اللحام، في مقال نشره قبل أشهر، فإن هناك مجموعة تتبع "داعش" في سجن النقب الصهيوني (يبدو أنّ أفرادها كانوا أصلا ضمن تنظيمات فلسطينية أخرى). وينقل عن الأجهزة الأمنية الفلسطينية أنّه كان هناك حينها نحو 25 شخصا في سجون السلطة الفلسطينية على علاقة مع "داعش" وفروعه. أضف إلى ذلك التواجد شبه العلني للسلفية الجهادية في غزة. وقدوم "داعش" لا يحتاج إلى عدد كبير من الأشخاص، فتكفي مجموعة صغيرة لخلط كل الأوراق؛ عندما تبدأ بالعنف، وعندما تتدفق الأموال عليها في مجتمع يعاني البطالة والقمع الاحتلالي. فضلا عن هذا، فإنّ المخيمات الفلسطينية في الشتات قد تجد نفسها، بل هي تجد نفسها بالفعل، مستهدفة من هذه الجماعات.
السيناريو الثاني السيئ، هو تأجيل القضية الفلسطينية ووضعها على الرفّ، بداعي التفرغ لمواجهة "داعش"، أو حتى الإخوان المسلمين، باعتبار ذلك هو الأولوية. والحكومة الإسرائيلية تسعى إلى هذا التهميش، واعتبار إيران والإسلام السياسي أولوية.
السيناريو الثالث، هو الربط بين الفلسطينيين و"داعش". وهو أيضاً ما يحاول الإسرائيليون فعله؛ بالربط بين حركات المقاومة الإسلامية الفلسطينية وبين تنظيمات السلفية الجهادية الناشطة في العراق وسورية وغيرهما.
هذه السيناريوهات السيئة التي تصل حد امتداد الخطر للفلسطينيين، وحد تهميش قضيتهم، أو وضعهم في قفص الاتهام، تحتاج إلى التفكير في ثلاث نقاط. أولاها، أنّ تحريك الساحة الفلسطينية بالمقاومة الشعبية، وتفعيل الدبلوماسية الفلسطينية الرسمية، مضافاً لها دبلوماسية شعبية فلسطينية تهدف إلى تحريك الشارع العربي، هي أمور مهمة؛ ليس لضمان عدم نسيان القضية الفلسطينية فقط، بل ولمنع وجود فراغ يؤدي إلى تسللٍ "داعِشِيّ". ويمكن أن تشمل الدبلوماسية الشعبية تحريك الشارع العربي لقضايا مثل القدس التي تتعرض لهجمة غير مسبوقة، وأن يتم التوضيح للأنظمة العربية أنّ تحقيق حركة شعبية عربية حول هذا الموضوع مهم ليس فقط للفلسطينيين، ولكن هي أيضا قضية مهمة تسحب البساط من دعاة التطرف، وتؤكد فاعلية الشارع العربي بدل استلابه.
ثانيا، لا بد من تذكر أنّ الفلسطينيين كانوا يلعبون دورا في الماضي في الوساطة في القضايا العربية. وربما لأسباب مختلفة؛ فلسطينية ذاتية وإقليمية تتعلق بخصوصية الوضع الراهن، يعتبر هذا صعبا الآن. لكن، يمكن لعب دور من المثقفين الفلسطينيين، ومن سياسيين، في الاشتراك بجهد لتهدئة التوتر وطرح أفكار حول كيفية ترتيب البيت العربي الداخلي، شعبيا ورسميا. وبالتالي، لعب دور بنّاء في نزع فتيل التوتر، وترتيب علاقة الفلسطينيين أنفسهم مع أنظمة عربية، مدخلا للعب دور من هذا النوع لاحقاً.
النقطة الثالثة للتفكير بشأنها، هي تحصين الجبهة الداخلية، وتأكيد الوطنية الفلسطينية، بتأكيد عدم الانحياز الفلسطيني في الشؤون المختلفة. وربما يمكن الاقتراح على "حماس" أن تعلن مراجعة حقيقية لشبكة تحالفاتها الإقليمية، خصوصاً مع الإخوان المسلمين، وتأكيد مرجعياتها الفلسطينية، تمهيداً لترتيب شؤونها الإقليمية. وبطبيعة الحال، يصعب رؤية تحقق هذا من دون تصور أشمل لأسس العمل الفلسطيني في السياسة والمقاومة.