روح "أبو عين": عين الانتفاضة الثالثة

بقلم: 

قبل كل شيء لا بد من القول إن ما يحدث على الأرض يكون متابعاً من القيادة الأمنية الإسرائيلية، خاصة حين يتعلق الأمر بشخصيات فلسطينية سياسية أو متضامنين دوليين، لذا فإنه من المستبعد تماماً أن لا تكون القيادة الأمنية الإسرائيلية وحتى السياسية، هي من أوعزت لجنودها في ترمسعيا لمواجهة المتظاهرين السلميين، خاصة وهي تكاد "تعدّهم بالواحد" وترى أن من يقف في وجه الجنود مباشرة هو قائد جبهة مواجهة الاستيطان والجدار، الوزير الشهيد زياد أبو عين.
وهذا يؤكد دون أدنى ريب أو شك أن قرار المواجهة الميداني إنما هو في انف الجندي الإسرائيلي، الذي يبدو كما هو حال قيادته متحفزاً ومتوتراً ومستعداً لإطلاق النار لو مرت من أمامه نملة!
التحفز الإسرائيلي يؤكد خلافاً لما يبثونه ليل نهار، من وجود حالة أمنية مستقرة أو تحت السيطرة، أنهم يتوقعون انفجارا في أية لحظة، وان الأرض تتحرك من تحت أقدامهم، لذا فإن الحكومة الإسرائيلية التي تدير الشأن العام، تسعى إلى أن يبقى الحال _ هكذا _ أي تحت السيطرة وصولاً إلى آذار القادم.
ولا شك في أن انتخابات الكنيست العشرين القادمة ستكون مفصلاً حاسماً ومهماً للغاية في تاريخ اليمين الإسرائيلي، بل في تاريخ إسرائيل كلها، حيث انه لو نجح اليمين بتحالفه مع اليمين المتطرف والأحزاب الدينية، والمستوطنين، فإنه سيقيم الدولة اليهودية وسيضم القدس والضفة، ولن يلحق الهزيمة النهائية باليسار والوسط، بل وحتى بكل القوى الليبرالية والعلمانية في المجتمع الإسرائيلي وحسب، بل سيضع حداً لفكرة التعايش داخل إسرائيل وبجوارها، بمحاولته في الوقت ذاته فرض الاستسلام على الجانب الفلسطيني.
الجميع إذن _ فلسطينيين وإسرائيليين _ أمام استحقاق حاسم، لا مجال إزاءه للتردد أو التخاذل، فإن نجحت الحكومة الإسرائيلية في إبقاء الحالة الفلسطينية بكل مكوناتها السياسية والميدانية تحت السيطرة، فإن تحالف اليمين/ اليمين المتطرف سيفوز في الانتخابات، أما إذا اندلعت المواجهة، فإنه سيكون من شأن ذلك أن يقلب الطاولة في وجه ذلك التحالف الشيطاني المتطرف.
هذه هي الروح التي التقطها الشهيد أبو عين، والذي لا بد ويجب أن تتحول معها شهادته إلى باعث للروح في الجسد الفلسطيني المقاوم، والعين التي تدل الفلسطينيين كافة على وجهة البوصلة مجدداً.
لقد لاح في اليوم ذاته، أي الأربعاء يوم أول من أمس، اليوم الذي سقط فيه الوزير/ الشهيد زياد أبو عين شهيداً على طريق المقاومة الشعبية السلمية إعلان التحالف بين اليسار والوسط الإسرائيلي، حيث أظهرت التقديرات والاستطلاعات أنه بمقدور اصطفاف القوى الإسرائيلية المناهضة لتحالف اليمين واليمين المتطرف، أي اليسار والوسط، والعلمانيين الخارجين عن طوع الليكود من اليمينيين، ومن ورائهم بالطبع الناخبون العرب في إسرائيل، أن يحققوا المكانة الأولى في الانتخابات المقبلة، فإن لم يشكلوا الحكومة فإنهم على الأقل سيمنعون قوى التطرف من تشكيلها.
الخطوة التالية مطلوبة من الجانب الفلسطيني، الذي عليه أن يجد طريقه لحل معضلة الانقسام، وعلى فتح بالتحديد، ورأس السلطة والقيادة الفلسطينية ألا تنتظر سقوط "حماس" واستلامها بالكامل لشروطها في المصالحة، فكما أن "حماس" تحتاج "فتح" والسلطة لكسر الحصار عن غزة وإعادة إعمارها، فإن "فتح" والسلطة تحتاج "حماس" لإطلاق المقاومة الشعبية في الضفة والقدس، لذا لا بد من إطلاق مبادرة الشراكة في المقاومة والمواجهة، وعقد هذه الشراكة على أساس حاجة الحركتين كل منهما للأخرى، هذه لمواجهة العدو هناك، وتلك لمواجهة العدو هنا.
وبكل صراحة، يجب أن يجلس الطرفان في اجتماع متواصل من اجل ليس فقط ترتيب إدارة غزة وحسب ولكن من اجل تشكيل لجان إدارة المواجهة والمقاومة الشعبية في الضفة والقدس، وعلى الحركتين أن تنسيا ولو ليوم واحد أنهما حزبا سلطة، وان تتذكرا أنهما حركتا تحرر وطني، وان الشراكة بينهما لا تكون في الحكم فقط، ولكن في المواجهة أيضاً.