الحكومة الطلابية…والتجربة الديمقراطية

بقلم: 

جامعة بيرزيت كانت وخاصة بعد انتهائي من الثانوية العامة، هي المكان الوحيد الذي أردت ان أدرس فيه، لِما تُخرجه من أشخاص مؤثرين، إضافة للسمعة والصيت الحسن الذي حازت عليه الجامعة كتراكم لأثرها وانتاجها الوطني والمعرفي.  وعند قبولي ودخولي جامعة بيرزيت عام 2010، وفي السنة الأولى من دراستي، وتدريجياً تحولت هذه الصورة الجميلة عن جامعة بيرزيت إلى صورة اقل جمالاً، بل صورة مشوهة لا تحمل من معاني الجمال إلا اسمها. في السنة الاولى من دراستي شاركت في العملية "الديمقراطية" فيها ليس من خلال الانتخاب فقط بل بالمشاركة مع احدى الحركات الطلابية في دعايتها الانتخابية، وكل ما يتطلب عمله حينها كداعم لاحدى الحركات الطلابية. ولن اصفها إلا بالتجربة التي أزالت الغبار عن بعض الأوراق السلبية في الجامعة، يندرج معظمها في بند الخلافات بين الحركات وفي داخل الحركات، كخلاف سلطوي ليس اكثر. ومن ناحية أخرى هناك سوء الادارة في بعض الامور، والعلاقة السيئة بين الادارة والمجلس ولن ادخل في هذه التفاصيل. وللأسف، فالتجربة الديمقراطية او يسمى "العرس الديمقراطي" في جامعة  بيرزيت يقتصر على تلك الساعات القليلة التي تفتح وتغلق فيها الصناديق. ولا تقتصر الديمقراطية على الانتخابات.

وطوال فترة تواجدي في جامعة بيرزيت، رأيت أن أحد أجزاء الخلل الرئيسي في الجامعة، وربما العامل الأكبر، هو مجلس الطلبة. بينما ينظر البعض للمجلس كاداة لتحقيق مصالح الطلبة– غالباً هم المستفيدين من احزاب مسيطرة او غير مدركين لمعنى عمل طلابي يشمل الجميع -  يرى البعض الاخر ان المجلس لا يحقق مصالح الطلبة، وليس لخدمتهم ، وإنما ما هو الا صراع مصالح تبنتها الأحزاب الخارجية ونقلتها الى أروقة وحرم الجامعة، وكل جامعة في فلسطين.  وجل ما يظهر هذا في الدعاية والمناظرة الانتخابية التي تتركز حول المشاكل بين الاحزاب، و "الزلات" ونقلها الى داخل الجامعة باسلوب لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يقدم اي فائدة على المستوى الاكاديمي والعلمي والمصلحة الطلابية.

وفي حال استمر الوضع الداخلي في جامعة بيرزيت، بين صراع داخلي "مشروع" بين الحركات الطلابية وخلاف "غير مشروع" بين المجلس وباقي الطلبة، سيبقى الوضع على ما هو عليه بل الى الاسوأ في جامعة بيرزيت. وفي هذا أرى أن التغيير الأفضل لجامعة بيرزيت فيما يتعلق باصلاحه، ليس بعض التعديلات فيما يتعلق بكيفية توزيع القوى والحركات في المجلس، سواء أكان تمثيل نسبي أو كلي. بل وفي ظل الوضع السياسي الراهن، وفشل الاحزاب على المستويين الداخلي والخارجي وعدم وجود قوى مؤثرة وفعلية –فلا اعتبر الحل الجزئي حلاً-، والإضراب الذي لا يوجد حلاً نهائياً هو إضراب أقرب للفشل منه الى النجاح. وهنا اتحدث عن اضراب المجلس في بداية كل سنة دراسية.

مع ذلك، لا زال هناك متسع لبعض الحلول والتغييرات المنتجة سياسياً وعلمياً واكاديمياً  وهنا أرى أن الحل الأفضل لهذه الإشكالية، بداية أن يحمل مجلس الطلبة رسالة الطلبة ،وفكر الطلبة، وليس دعماً او افكاراً خارجية. ولست هنا أدع لإغلاق باب السياسة في جامعة بيرزيت، بل إن هذا جزء من حياة ومعترك الفلسطيني لكن أن تطغى المصلحة الحزبية على المصلحة الطلابيةاو حتى الوطنية في بعض الأحيان، وتصبح اصوات وأسماء الحركات الطلابية أشخاص دفناهم، حينها تتحول المناظرة الانتخابية الى مسرح كوميدي، والكلام صراخاً ،والشهداء ادوات وارواح للاستغلال في "جامعة الشهداء". وما بين الطلقة الاولى، والصاروخ الأول، تمزقت كل الكتب، والقوانين، والأدب والعلم.

في البداية، يجب  إعادة كتابة دستور مجلس الطلبة، ليتوافق مع عدد الطلاب الحالي، والمشاكل الحالية وأي متغييرات اخرى طرأت ومن المرونة بما يسمح بالتغيير لاي ظروف أخرى، مع إنشاء لجنة من الطلبة مسؤولة عن متابعة العمل بالدستور والتعديل عليه بشكل مستمر.و أن يتم اعادة تقسيم مجلس الطلبة داخلياً وفق المناصب والصلاحيات وليس اللجان فقط، بإنشاء ثلاث سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية يديرها الطلبة.

ثانيا: مما سيترتب عليه، أن يقوم المجلس على بناء طلابي وليس حزبي، وايجاد صيغ اخرى للتمثيل يتوزع فيها التمثيل بناء على الكلية والسنة الدراسية. واعتماد نظام الانتخاب الفردي للكليات، ويتم انتخاب رئيس المجلس ونائب الرئيس ورؤساء اللجنة المالية والعلاقات العامة والقضاء والسكرتاريا بشكل فردي على مستوى الجامعة. وهكذا ستختلف الصيغة الانتخابية، ونوعية وكيفية المناظرة من حرب كلامية، لا تسمن ولا تغني من جوع الى تعريف بالطلبة انفسهم، وانجازاتهم واعطاء دور أكثر وأكبر قيمة للطلبة سواء المنتمين منهم للحركات الطلابية ام لا.

ثالثا: ايجاد صيغة عمل بين المجلس والادارة، بحيث يصبح لمجلس الطلبة والذي سيكون بمثابة حكومة طلابية، قادرة على اتخاذ القرارات وليس العمل كردة فعل على ما تقوم به الجامعة، وهذا سيتضمن اجتماعات دورية وصلاحيات اكبر للمجلس، وتشمل هذه التغييرات، الموافقة او رفض الاندية وانشطتها ودعمها مالياً وفق آلية يتم نصها بالدستور. ويشمل حل للمشاكل نفسها المتكررة كل عام، من اقساط وارتفاع للرسوم الدراسية. اي ايجاد صيغة دائمة متفق عليها بين الحكومة الطلابية وادارة الجامعة.

رابعا: ان يشمل هذا التغيير آلية عمل الاندية الطلابية وخلق فرص للعمل المؤسسي، اي خلق تجارب مختلفة خارج اطار الاندية تهتم بمواضيع اخرى كحقوق الإنسان، والامم المتحدة، ومنظمات اخرى. ف مع وجود اندية تشمل التخصصات المختلفة، يجب ايجاد فرصة لإنشاء اندية ومؤسسات اخرى غير مختصة بفئة معينة، كنادي الفلك في جامعة بيرزيت، وان يكون المجلس هو المسؤول عن الموافقة او رفض هذه الاندية ومراقبة عملها وتقديم الدعم لها وفق حاجة الاندية.

خامسا: دورعمادة شؤون الطلبة فيما يتعلق بمجلس الطلبة يجب ان يكون ارشادياً ومساعداً فيما يحتاجونه وليس له القوة على فرض واقع مختلف عندستور مجلس الطلبة، وأن يتم العمل بميزانية المجلس من قِبل اللجنة المالية فيه، وايجاد صيغة تعاون مشترك فيما يتعلق بالقرارت المتخذة من قِبل أعضاء المجلس وكيفية وآلية تنفيذها وأن يقتصر دور العمادة بالحفاظ على ما تبقى من ميزانية كل عام، والعمل كدور مراقب اضافة للدور الرقابي لاعضاء المجلس على اللجان الرئيسية في المجلس، مثل اللجنة المالية. سيشمل ذلك اعطاء مساحة اكبر للاندية للعمل سواء داخل او خارج الجامعة من حيث الحصول على دعم مالي أكثر وعدم تركز هذه الاموال في مشاريع المجلس فقط.

اما وغير ذلك، فهو استمرار للوضع المنحدر في جامعة بيرزيت، والتي اضافة لسمعتها الحسنة، وشهادتها الجيدة، الا انها تشتهر حالياً بالوقفات امام مجلس الطلبة. ولأن هذه المشكلة ليست مشكلة جامعة بيرزيت فحسب، بل أن هذه الدعوة موجهة لباقي الجامعات الفلسطينية. علها تنجينا من بعض الضياع الذي نعيشه.