داعش في غزة!

بقلم: 

من معطف حماس خرجت المجموعات السلفية والجهادية في القطاع، ومعالجة حالة داعش في غزة لا تكون بالإجراءات الأمنية بل بسياسة متكاملة.
■ حادثة مقتل السلفي المحسوب على تنظيم داعش، يونس حنر، ليست مجرد حادثة أمنية، وقعت في شمال مدينة غزة، حين حاصرت قوات من حماس منزله، واشتبكت معه، ما أدى إلى مقتله. [2/6/2015].

حماس تقول إن يونس متهم بإطلاق الصواريخ على المناطق الإسرائيلية، وأنه، بخرقه للتهدئة القائمة، إنما يهدد أمن القطاع. ومن المعلوم أن حماس، وبموجب «دردشات»، بينها وبين الجانب الإسرائيلي، تعهدت ضبط الوضع في القطاع، ومنع إطلاق الصواريخ على الجانب الإسرائيلي.
حماس تقول أيضاً إن شرطتها حاولت اعتقال حنر، لكنه اعتصم في منزله، الذي زنره بالمتفجرات، وهدد بنسفه، ودخل مع عناصر الشرطة في اشتباك أدى إلى مقتله.

جماعة حنر، ووالدته، يجمعون على أن عناصر حماس اقتحموا المنزل الذي لم يكن مفخخاً، وتعمدوا إطلاق النار على يونس، وقتله، ووصفوا عملية القتل هذه بأنها اعدام بقرار مسبق وبدم بارد.

تنظيم داعش تبنى في القطاع يونس حنر باعتباره أحد كوادره، وتعهد بالانتقام له، علماً ان يونس كان مقاتلاً في حماس، وغادرها مع من غادروها احتجاجاً على سياستها «المهادنة»، للعدو الإسرائيلي، والتي خرجت، بذلك، عن «الخط الإسلامي الصحيح».

سبق هذه الحادثة حوادث مماثلة كان أبرزها، يوم 15/8/2009، حين قام الشيخ عبد اللطيف موسى، بإعلان قيام الإمارة الإسلامية في رفح، ما دفع قوات حماس لمحاصرته واتباعه في المسجد، وقصفه، وقتل كل من فيه، معلنة أن هذا الإجراء جاء لضبط الوضع الأمني في القطاع، وأنه لا يحق لأي كان أن يتجاوز القانون، [أن يتجاوز حماس]. وتم الكشف يومها عن أن عبد اللطيف موسى، الطبيب المعروف في خانيونس ورفح، كان من أعضاء حماس، يتبع الشيخ نزار الريان، الذي اغتالته إسرائيل في حربها عامي 2008-2009، على القطاع، حين قصفت منزله، فقضت عليه هو وأبناءه وزوجاته الثلاث. ووصفت وسائل الإعلام عبد اللطيف موسى، وإخوانه، يوم القضاء عليهم في مسجدهم في رفح، على يد قوات القسام، بأنهم «أيتام الريان»، في إشارة إلى التيار الذي كان يمثله الشيخ الريان، واقتلعته حماس من صفوفها، بعد استشهاده على يد العدوان الإسرائيلي.

*   *    *
إذن ليست هي المرة الأولى التي تولد فيها على يمين حماس ويسارها مجموعات سلفية، تتجاوز حماس في مواقفها، من موقع الإدانة، وتدعو لسياسة بديلة، «جهادية»، متهمة حماس في الوقت نفسه إنها تخلت عن «دورها الجهادي»، لصالح الاستغراق في السياسة، على حساب انتمائها الديني والفكري.
والملاحظ، في السياق نفسه، أن كافة الحركات الإسلامية، في القطاع، إنما خرجت من معطف حماس نفسها؛ وكوادرها كلهم كانوا إما قادة وإما مقاتلين في حماس، غادروها بعد إن اختلفوا معها في الدين والفكر والسياسة. وبالتالي فإن حماس هي آلة التفريخ الاجتماعي والفكري والسياسي للمجموعات الدينية، «السلفية، والجهادية»، على اختلاف اتجاهاتها. ولأن ولادة هذه الجماعات جاءت على خلفية رفض السياسة اليومية كما تتبعها حماس، بما في ذلك موقفها من التهدئة، فإن هذه الجماعات كافة، تعتبر حماس خصماً لها، وتبادلها حماس المشاعر ذاتها، وصولاً إلى حسم الخلافات بالسلاح، كما جرى مع يونس حنر، وعبد اللطيف موسى، وأخرين لسنا الآن بموجب استذكارهم مزداً فرداً.

ونعتقد أن «الخطيئة الأولى»، كما ارتكبتها حماس، هي في اعلانها أن الصراع مع العدو الصهيوني هو صراع ديني، ورفعت في السياق شعارات بديلة لشعارات البرنامج الوطني الفلسطيني، كالقول إن فلسطين وقف إسلامي، لا يحق لأحد، بما في ذلك الشعب الفلسطيني نفسه أن يقرر مصيرها؛ وصولاً إلى شعارات تجاوزت حدود الموقف الوطني، وموازين القوى، لصالح الحلول الصفرية، بما في ذلك إزالة الكيان، في حرب إسلامية تخوضها الشعوب الإسلامية كافة، ما يفترض، وفقاً لتحليلات معينة قيام دولة الخلافة الإسلامية لتتولى هي تحرير فلسطين كجزء من هذه الدولة.

ولما بدأت حماس تنزل عن شجرة الشعارات المطلقة، والمعادلات الصفرية، لصالح السياسات البراغماتية، بل والميكافيلية أحياناً، وجدت نفسها أسيرة ما أطلقته من شعارات، ووجدت نفسها عاجزة عن تفسير انزياحاتها السياسية، كالمشاركة في السلطة، وتولي رئاسة الحكومة، والتحالف [التكتيكي]، مع حركة فتح، والالتزام بالتهدئة مع الجانب الإسرائيلي، والقبول بالحل المرحلي، مقابل هدنة طويلة والاستعداد لتجاوز قضية اللاجئين وحق العودة على أن يترك للزمن حلها، والدخول في حوارات مع الغرب [الكافر]، والدخول في «دردشات»، مع الجانب الإسرائيلي.. وإقامة علاقات مع دول عربية أخلت بشروط الحكم الإسلامي، بل وإقامة علاقات مع دول إسلامية [كالسعودية، وإيران]، متجاوزة العديد من القيم والشروط الفقهية والشرعية.

لذلك لا ترى حماس، في معارضة القوى الوطنية والديمقراطية والعلمانية واليسارية الفلسطينية، خطراً مباشراَ على وجودها، [وهي في الأساس معارضة لا تشكل مثل هذا الخطر، بل هي معارضة سياسية هدفها البحث عن أسس للوصول إلى برنامج وطني موحد]، بل ترى الخطر المباشر على وجودها، خطراً وجودياً يهدد مصيرها والأساس الفكري لهذا المصير، في المجموعات الإسلامية التي تتوالد على جنباتها، وآخرها تنظيم داعش الذي تبنى يونس حنر.
*   *    *

داعش، لا تشكل خطراً على حركة حماس وحدها. بل تشكل خطراً على القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية كلها. وخطورة داعش مميزة كونها مشروعاً إقليمياً يتجاوز الحدود ويتغذى على الصراعات الإقليمية. وحين تمتد يد داعش نحو القضية الفلسطينية، فعلى الفلسطينيين أن يدقوا ناقوس الخطر، هذه المرة بشكل مختلف وأكثر جدية. ونعتقد أن الأمر يتجاوز، بحدوده، الجانب الأمني، ليطال الجانب السياسي، والتنظيمي للحالة الفلسطينية. والكرة بشكل رئيسي في ملعب حماس، وعلى حماس ان تعيد النظر بسياساتها. وأن تضع لنفسها خطة جديدة، من موقع الحرص على القضية الوطنية، ما يتطلب سلسلة خطوات مسؤولة أهمها:

1-  إنهاء الانقسام، والتراجع عن الإجراءات الانقسامية كافة، والعودة إلى أحضان المؤسسة، ممثلة في السلطة، وفي م.ت.ف، ومغادرة سياسة التعنت، واسقاط الوهم بإمكانية السير على السياسة الحالية التي تحمل في طياتها مؤشرات خطيرة. إنهاء الانقسام والعودة إلى البرنامج الوطني الفلسطيني الموحد.

2- تنظيم صفوف المقاومة عبر غرفة عمليات موحدة، ذات خطة دفاعية موحدة، وقيادة سياسية مشتركة، توحد القوى، وتعزز القدرة على الصمود عسكرياً، وسياسياً، واجتماعياً.

3- اتباع سياسات إقليمية تعكس المصالح الوطنية الفلسطينية العليا، وتغليب المصلحة الفلسطينية على المصالح الفئوية، بما في ذلك مصالح الإخوان المسلمين، في سياساتهم الإقليمية شديدة التعقيد، وبما يوفر الفرص الضرورية لإعادة بناء علاقات فلسطينية عربية [مع مصر وسوريا وغيرهما]، على أسس تخدم المصلحة الفلسطينية.

4- اعتماد سياسة اجتماعية داخل القطاع، تقوم على اطلاق الحرية وتعزيز الديمقراطية، والمساواة في المواطنة، خاصة بين الرجل والمرأة، وتوفير الفرص للشباب، بما في ذلك اعادة إعمار ما هدمه الاحتلال، واطلاق عجلة  اعادة إعمار القطاع وترميم البنية التحتية، وترميم الاقتصاد في غزة، وغير ذلك من السياسات التنموية،  الهادفة إلى تعزيز الصمود الاجتماعي والسياسي، وتعزيز الربط بين القطاع والضفة في معركة العودة والخلاص من الاحتلال والاستيطان.