سلحوا بناتكم

بقلم: 

فتاة التقيتها لدقائق لا تتجتاوز أصابع اليد الواحدة، كانت كفيلة أن تقض مضجعي طوال الليل، وتشغل تفكيري حتى الصباح؛ فمشاهد قطرات الدمع التي تساقطت من عينيها بجانبي  وأنا واقفة أمام مطعم للشاورما التي رغب أبنائي بتناولها على دوار الساعة في مدينة رام الله.
قليله هي الأوقات التي أنزل فيها إلى وسط البلد لانشغالي المتكرر، لكن إصرار أطفالي على الخروج لرؤية إضاءة فانوس رمضان في رام الله ولأول مرة أجبرني على الانصياع لرغبتهم وإعطائهم مساحة من الفرح الذي  يسعد طفولتهم.
لكن الفرح أوقاته قصيرة فبحجم سعادة أطفالي برؤية الفانوس والأغاني الاحتفالية، كان حزني على هذه الفتاة، التي ساقتها الصدفة للوقوف إلى جانبي. فتاة كالوردة البيضاء تتشح السواد من رأسها لأسفل قدميها، دموعها تتساقط على زوجهها في عتمة الليل، نظرت إليها وسألتها:"هل تبكين؟؟ هل يمكنني مساعدتك بشيء؟" أجابتني بأن زوجها توفي منذ أربعة أشهر وأنها أنهت اليوم عدتها الشرعية، فأخذها حماها في نزهة هي وطفلاته الصغار، شدني الفضول الصحافي، فسألتها مجددا:"كيف توفي زوجك؟"  فأجابتني بانه مرض فجأة واكتشف أنه مريض بالسرطان ولم يمكث طويلا ليتوفى بعد مرور أربعين يوما من اكتشاف الأطباء للمرض، وتبقى هي أرملة لم تدخل عامها التاسع عشر بعد وعلى حضنها طفلها الذي لم يتجاوز عمره سنة ونصف.
سألتها مجددا:"كم دوام زواجك؟" فأجابتني بأنها عاشت مع زوجها ثلاث سنوات فقط هي عمر سعادتها من هذه الحياة، ليتركها وهي في عمر صغير مع طفل صغير.
دموعها انسابت وهي تتذكر لحظاتها مع زوجها في هذا المكان، وأماكن أخرى كان لها فيها بعض السعادة، واسيتها وحاولت التخفيف عنها، ومدها ببعض العبارات التي قد تكسبها قوة ما، وتركتها لأن حماها وطفلاته نادوها فذهبت، وتركت عقلي وقلبي يجري خلفها بحزن وتساؤلات لم تجعلني أخلد للنوم، تساؤلات حول ما  المصير الذي ينتظر هذه الفتاة اليانع، التي اجتاحتها الحياة بحزن مبكر؟ كيف ستكمل ابنة التاسعة عشرة حياتها ومعها طفل صغير بحاجة الى الرعاية ومن يمسك بيده؟؟ كيف لها أن تكون قادرة على أداء هذا الدور وهي لا تملك أيّا من المؤهلات التي تمكنها ذلك؟ فهي لم تنه دراستها الثانوية، ويبدو أنها زوجت مبكرا.
كيف ستكون حياتها كأرملة صغيرة؟؟ هل يمكن أن تتعرض للعنف أو التحرش أو الطمع بجمالها وضعفها؟ هل يمكن أن تواجه أياماً سيئة أم ستكون عائلتها وعائلة زوجها حاضنة لها؟؟
هل ستكون قادرة على مواجهة الحياة الصعبة في ظل عدم حصولها على شهادة تمكنها من العمل والإنفاق على نفسها وطفلها؟
أسئلة عديدة بقيت تراودني حتى كتابة هذا المقال، أسئلة قد تكون إجابتها سهلة ومنطقية لو أن هذا الفتاة كانت مسلحة بالعلم وبالشهادة التي تؤهلها لتقف وتعمل وتديرحياتها بنفسها، فرق كبير سيكون فارقا في حياتها لو أن أهلها سلحوها بالعلم ولم يزوجوها باكرا.
لكل من يقرأ هذه القصة هي دعوة لكم جميعا بأن سلحو بناتكم بالعلم والمعرفة حتى يكن قادراتعلى مواجهة مصائب ومصاعب هذ الحياة المتراكضة، كونو سندا لهن ولا ترموهن إلى هموم الحياة باكرا غير مسلحات بالمعرفة والقوة على المواجهة.