الحديث الصافي ..؟!

بقلم: 

ماذا يعني استقبال مستشفيات وزارة الصحة قرابة نصف مليون مواطن في اقل من ستة اشهر؟، وماذا يعني رسوب قرابة نصف الطلبة المتقدمين لامتحان الثانوية العامة لهذا العام؟، ان مثل هذه الاحصائيات الرسمية تثير الريبة والقلق ازاء المستقبل الذي تسير اليه اجيالنا،" فلا صحتنا ولا تعليمنا بخير"، ما يستدعي من الجهات الرسمية الاهلية  البدء باجراء المراجعات وتقدير الموقف ووضع سياسات التدخل العاجلة لمنع الانهيار على المستويين الصحي والتعليمي اللذان يعتبران في المفهوم الوطني ثروتنا الحقيقية التي طالما تغنينا بها في مقاومة الاحتلال وتعزيز صمود شعبنا فوق ارضه.

ومن غير المقبول المرورعلى تلاوة هذه الارقام المذهلة كأنها سرد رقمي مفروغ المعنى والمضمون،  بل يجب التعامل معها على انها  دق ناقوس خطر داهم، فإعلان وزارة الصحة الاسبوع الماضي،أن مستشفياتها بالضفة استقبلت 443 ألفاً و691 مريضاً منذ بداية العام وحتى نهاية أيار، وأن أقسام الطوارئ في المستشفيات الحكومية استقبلت 269 ألفاً و519 مريضاً في نفس الفترة، يشير الى مستويات التدهور على مستوى صحة المواطن الفلسطيني، خاصة ان عرض هذه الارقام تم بطريقة مبهمة وتعكس التركيز على النتائج والهروب من الاسباب التي تقف وراء هذا العدد الكبير من المرضى الذين وصلوا للمستشفيات، مع اهمية الاشارة الى ان اعداد كبيرة ايضا تذهب للعيادات والمستشفيات الخاصة، ما يؤكد اننا امام خطر داهم.

صحيح ان وزير الصحة د. جواد عواد علق على ذلك قائلا:" إن القطاع الصحي لا يقل أهمية عن القطاع الأمني، في الحفاظ على المواطن وحياته"، لكنه لم يعطينا الصافي بالحديث عن الاسباب في زيادة هذه الارقام خاصة حينما تتم الاشارة الى اجراء 18 ألفاً و173 عملية جراحية من بداية العام وحتى نهاية أيار في أقسام الجراحة في المستشفيات الحكومية، في حين استقبلت العيادات الخارجية للمستشفيات الحكومية استقبلت 174 ألفاً و172 مريضاً.

ويضاف الى ذلك ان مختبرات المشافي الحكومية اجرت 663 ألفاً و123 فحصاً مخبرياً خلال أشهر آذار ونيسان وأيار منها 347 ألفاً خلال شهر أيار، فيما أجرت أقسام الأشعة 132 ألفاً و415 صورة أشعة، و12 ألفاً و805 صورة طبقية، و1751 صورة بالرنين المغناطيسي، في الأشهر الثلاثة المذكورة.

ان النظر الفاحصة لمثل هذه الاحصائيات تشير بصورة واضحة لمستوى التحديات التي باتت تواجهها مؤسساتنا الوطنية وشعبنا بمختلف فئاته وشرائحه، ما يستدعي التحرك العاجل من اجل اتخاذ قرارات ورسم سياسات وخطط وبرامج قادرة على التصدي لهذه التحديات، واهمية اجراء التشخيص اللازم للاسباب الحقيقية التي تقف وراء تنامي هذا الخطر الصحي تمهيدا لمعالجة الاشكاليات وابتداع الحلول الخلاقة والابداعية لانقاذ صحة المواطن حياته من جانب، وخفض الانفاق العام على  العلاج الذي يصل الى مبالغ مالية طائلة.

والحديث عن قضايا ومشاكل قطاع التعليم لا يقل اهمية وخطورة عن ما يعانيه القطاع  الصحي، خاصة ان الكثيرين  من الاكاديميين ورجالات التعليم يؤكدون وجود تراجع غير مسبوق في مستويات التحصيل الاكاديمي لطلابنا في المدارس والجامعات ايضا، ما يستدعي بالقدر ذاته التعامل مع هذه المعلومات والمؤشرات بدرجة عالية من المسؤولية والتحرك العاجل لوضع سياسات وطنية  لاعادة الاعتبار الى التعليم بمختلف مستوياته في فلسطين.

وهنا فان مؤشرات نتائج امتحان الثانوية العامة التي اعلنت، من قبل وزيرة التربية والتعليم العالي، تكشف بوضوح عن اشكاليات حقيقية مستعصية في نظامنا التعليم، فحينما نجد ان نحو 38% من مجموع طلبة الثانوية العامة  رسبوا في امتحان الثانوية بان هذا يعني بالارقام ان( 30.142 ) طالبا وطالبا فشلوا في اجتياز الامتحان، وان هذا الفشل سيكون له تداعياته على واقعهم التعليمي والنفسي والاجتماعي، في حين ان هذا الرقم يؤكد فشل نظامنا التعليمي على مدار سنوات طويلة في معالجة ما يعانيه من اشكاليات ومشاكل قد تبدأ باساليب التعليم والمناهج والترفيع التلقائي وتنتهي باشكاليات حقيقية في ادارة العملية التعليمية من القاعدة الى رأس الهرم، لان  الاخفاق في ايجاد الحلول الخلاقة والابداعية في التعامل مع احتياجات ومتطلبات تطوير الاعلام تؤشر الى حاجتنا المحلة  لادارة  العملية التربوية اكثر من حاجتنا للكوادر المؤهلة والمدربة التي حصلت على فرص عديدة في تطوير قدراتها دون ان ينعكس ذلك على تحسين نوعية وجودة التعليم.....
وبما اننا شعب ما زال يعيش تحت الاحتلال ويناضل من اجل نيل حقوقه الوطنية، فان ذلك يستدعي منا استنفار كل قوتنا من اجل الحفاظ على اهم مقومات صمودنا التي تتمثل في صحة جيدة وتعليم نوعي ممتاز ، والا فاننا نسير في الاتجاه المعاكس.