الاتفاق النووي بين معالم الحدود ومهددات الوجود

بقلم: 

الاتفاق النووي يبث رعبا وتهديدا وجوديا لدى الصهاينة ولدى السعودية؛ الصهاينة يعملون لتحويله الى فرصة بسلاح الطائفية؛ والسعوديون يعيدون صياغة تحالفاتهم الاقليمية للتخفيف قدر الامكان من آثار هذا الاتفاق؛ إيران تتطلع لبث حالة من الفوضى في السعودية؛ والغرب ربما لا يمانع في ذلك رغم تصريحات شكلية؛ التحالفات الاستراتيجية في المنطقة آخذة في التفكك لصالح اعادة تقسيمها بما يخدم الغرب والصهاينة لبلورة خارطة جديدة تضمن تفتيت العرب واستنزافهم لمئة سنة اخرى؛ كل ذلك يتم في الذكرى المائة لسايكس بيكو.
العرب والمسلمون والنفط والحضارة والتاريخ والمستقبل وغير ذلك يستهدفه الغرب بقيادة الاميركان لصالحهم وصالح المشروع الصهيوني؛ في وقت قررت فيه اميركا تخفيف ثقلها الاستراتيجي في المنطقة ونقله الى شرق اسيا خصوصا الصين وما حولها من البحار والمياه الدولية؛ لانها ترى في الصين تهديدا فعليا وقد يكون وجوديا لقيادتها الكونية؛ وهي تتحدث عن ذلك بصراحة. الصين تتمدد اقتصاديا وجغرافيا بهدوء وكأنها لا تشعر او لا ترى الانتقال الاميركي نحو وجودها الاقتصادي وتأثيرها الجيوسياسي؛ ما يجري هو حصار اميركي للصين لتأخير او منع تربعها على كرسي القيادة الاقتصادية الكونية؛ إيران تستثمر رحيل اميركا الاستراتيجي من المنطقة لتملأ الفراغ الاستراتيجي الذي تتركه اميركا؛ اميركا لديها قناعة ان الصهاينة لم يعودوا قادرين على اللعب كشرطي منطقة بعد انكماشات صهيونية متتابعة وتراجعات جغرافية وجيوسياسية وشعورهم بألم حدودي ووجودي.
نظرية البناء وملء الفراغ التي تعمل إيران من خلالها على السيطرة على المنطقة هي نفسها التي عملت بها روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وانشغال اميركا في افغانستان والعراق؛ حيث استعادت روسيا قوتها وتمددها في المنطقة خصوصا سوريا؛ في وقت استنزاف القدرات الاميركية في العراق وافغانستان. الالعاب الاستراتيجية رغم ثقلها لا تختلف كثيرا في بساطتها عن العاب الاطفال او العاب القط والفأر تحت مفهوم المثل القائل: غاب القط العب يا فار.
هذه التداخلات المحلية والاقليمية والدولية من خلال التحالفات والتناقضات والسياسات والاستراتيجيات بين اللاعبين الكبار والصغار من الدول ومن غير الدول تفعل مفاعيلها حيث تغلي الاحداث فيها كغلي الماء في المرجل؛ تكون نتيجتها المؤكدة او شبه المؤكدة تغييرات جوهرية في النظم السياسية المحلية والاقليمية بطريقة مختلفة تماما عن الطريقة التي كان يعمل بها النظام القديم؛ حيث ثبت انتهاء صلاحيته وعدم قدرته على الاستمرار في اداء الدور المنوط به ضمن المنظومة التي تشكلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي؛ حيث قدرته على العمل كانت مرتبطة وجوديا وعضويا بسايكس بيكو في وقت سلمت فيه دول سايكس بيكو الراية لاميركا لتعيد بلورة مصالحها الكونية من جديد وبما يضمن لها استمرار هيمنتها على العالم فترة اخرى من الزمن قد تمتد عقودا.
سوف يستمر الصهاينة في تكييف ذواتهم ومواءمتها مع التحولات الكبرى في المنطقة كما حدث ايام سايكس بيكو؛ حيث يتحالفون استراتيجيا مع القوي في المنطقة والعالم؛ فقد كان تحالفهم مع بريطانيا ومن ثم فرنسا ثم اميركا مع تحالفات اقليمية متغيرة حسب الظروف والمصالح؛ وهم اليوم وبلا شك يعيدون ترتيب اوراقهم الاستراتيجية والتكتيكية بما يخدم مصالحهم الوجودية المتعلقة بالأمن والاستقرار. ولا شك ان خارطة علاقاتهم الاستراتيجية خلال العقدين القادمين قد اصبحت أكثر وضوحا بعد الاتفاق النووي عما كانت قبله.
ان القدرة على اللعب في الملاعب الاستراتيجية ليست سهلة او مطلقة فهي بحاجة الى مؤهلات متعددة قد يمتلكها البعض لكنه قد لا يعلم انه يمتلكها؛ او إذا كان يعلم امتلاكه لها فهو لا يجرؤ على استخدامها لاعتقاده ان الساحة أكبر كثيرا من حجمه. لقد اثبتت إيران على مدار ثلاثين سنة ونيف قدرتها على صناعة المؤهلات وامتلاكها واللعب بها بحرفية عالية مما جعلها تجلس ندا للغرب ممثلا بخمسة زائد واحد رغم ان ألف باء المنهجية التفاوضية ان تتكافأ او تتناظر الوفود المتفاوضة على الطاولة عدة وعددا وعقولا وغيرها؛ فالمفترض ان ست دول تجلس امام ست اخرى وليس دولة واحدة مقابل ست من ابالسة الاستخبارات ودهاقنة السياسة الدولية.
ان نجاح او فشل المشاريع الجديدة يعتمد على حالة الاستقرار أو عدم الاستقرار التي ستنشأ حينها؛ والعامل الذي يتحكم في ذلك هو مدى قناعة الشعوب بوضعها الجديد؛ فهي التي تملك تقعيد الطاولة او قلبها ولن يستطيع احد مهما بلغ ان ينتزع معادلة الاستقرار أو عدم الاستقرار كصلاحية مطلقة للشعوب وان بدت الشعوب احيانا كأنها قد استسلمت لواقع مفروض جديد؛ ان الطاقة الكامنة في الشعوب قد تنفجر في وقت لا يتوقعه راسموا السيناريوهات ولا دهاقنة السياسة او عفاريت الاستخبارات العالمية كما انهيار الاتحاد السوفيتي وانهيار جدار برلين والانتفاضات والثورات العربية واحداث اخرى كان سيناريو المفاجأة تفسيرا وحيدا لها في وقت غاب هذا السيناريو عن العقليات التخطيطية والاستراتيجية.