سؤال المليون: من سيخلف الرئيس محمود عباس؟

بقلم: 

لأن الانتخابات باتت حلما لن يأتي. ولأن الولاية على السلطة وبالرغم من علمانية الحزب الحاكم هي عن طريق الخلافة. ولأن الخلافة للأبناء في حالنا الفلسطيني صعبة لانشغال أبناء السلطة بالمشاريع الاقتصادية الكبيرة. فالولاية للرئيس القادم ستكون بالخلافة لمن يقرره أبو مازن خليفة له. ولأن الملايين تدفع من أموال المعونات الآجنبية فقد […]

ولأن الملايين تدفع من أموال المعونات الآجنبية فقد يستحق السؤال أن يكون سؤالا مليونيا. وحتى لو كان السؤال بمليون سيخرج من جيب السائل فالارجح ان يكون الجواب في جيب ابو مازن فقط .

السؤال الأهم ربما، هو لما الاستعجال على الخلافة فجأة. فالرئيس على عرش الرئاسة منذ عشرة أعوام ولا يبدو أنه يعبأ أو يهتم لأي مطالبة للانتخابات، ولا يهمه أو سلطته تذمر الشعب وحالة الاحتقان المزرية التي بات فيها الفساد يتفشى كقنوات المياه العادمة بين الطرقات .

أهو دخول الرئيس في عقده الثامن وخوفه من الموت؟ يبدو الرجل بصحة جيدة. ولما يهتم بما سيجري بعد موته. هل من المعقول أن اهتمامه من أجل الشعب ؟ فهذا أيضا ليس بطبع الرئيس تجاهنا .

حالة الانقسام التي يعيشها الفلسطينيون منذ سنوات شغلت المجتمع بأمور أصبح الأخ يعادي فيها أخاه على خلفية انتمائه الحزبي . وانتشرت الأجهزة الأمنية بين الأفراد حتى صار في المنزل الواحد شخص على الأقل ينتمي لجهاز أمني مختلف. وانشغل كل صاحب مصلحة في مصلحته في ظل غياب أي أفق لتحسين الوضع السياسي. فعشرون عاما من المفاوضات لم تفض إلى أي شيء إلا انحصار القضية الفلسطينية في سلطة بلا سيادة وقيادة تتصارع على المناصب ويتفشى فيها الفساد.ضياع للأرض وللعرض .

بتنا كشعب متعود على سياسة أبو مازن بتصفية أعدائه من المقربين السابقين له . فمما لا شك فيه أن تاريخ حكم أبو مازن يخلو من تصفيات الدم، ووما لا شك فيه أن الرجل كاره للحروب سلمي الطبع والمبدأ. ولا انكر إعجابي بطريقته بتصفية أعدائه. ولكن لتكرار الأحداث وكثرتها، صار الوضع يبدو وكآن التصفيات هذه وبالرغم من عدم دمويتها إلا أنها طريقة حياة.

ومما لا شك فيه ان هكذا تصفيات لعبت دورا مهما في “فش خلق” الشعب من اولئك المقربون الذين يعيثون في البلد فسادا. ففي كل مرة يسقط الرئيس احد المقربين من حاشيته ، نستمتع ببعض النهش والشماتة ربما ماشين ومبدأ “لكل ظالم يوم”. إلا أن المنظر الأخير يبدو كثير التساقطات. ولم نعد نحن الشعب نستطيع فهم ما يرمى إلينا من اسقاطات . فكل كبار الأمس يتهاوون من عرش الرئيس على رؤوسنا بثقلهم الذي يفوق أفاق أرضنا. فالسقوط والتهاوي يحمل معه دائما الكثير من قصص الفساد التي لا تزال تنهك بقوى الشعب . ومع كل سقوط نصل الى يقين اقرب بأن الشعب في واد والقيادة في واد اخر لا يمت لا للشعب ولا للقضية بصلة . ويبقى الشعب والقضية هو من يتم التضحية به على ايديهم.

استعرت الساحة الفلسطينية بالاسقاطات التي كانت مدوية ومفاجئة منذ الشهر الماضي عندما قررت محكمة الفساد تجميد أموال مؤسسة فلسطين الغد التي يترأسها رئيس الوزراء السابق سلام فياض. فالاهانة كانت مجرد بالإشارة إلى اسم سلام فياض بالفساد. فالرجل شغل منصب رئيس وزراء لأكثر من خمس سنوات لم يكن أداؤه يوما بما يمكن وصفه بالفاسد. وانتهى الأمر ليقال لنا أن هناك مؤامرة لقلب الحكم في رام الله تم رصدها من قبل ثلاثي فياض-دحلان-عبد ربه. نعرف اليوم بأن كل مؤامرة على الرئيس المتهم الأول فيها الدحلان . وكل مؤامرة يفلت منها الدحلان تكون حماس وراءها . وبما أن الدحلان خارج المواجهة المباشرة على الأرض فلم يبق الا عبد ربه . وياسر عبد ربه من الرجال الاقوياء المتنفذين. فهو أمين عام منظمة التحرير الفلسطينية . ورئيس هيئة الاذاعة والتلفزيون (كان او لا يزال) . وله باع دائم في المفاوضات والشؤون الدولية . فنراه دائما إلى جانب الرئيس في الأمور الكبيرة مثل إعلان الدوله أو طلب العضوية في الأمم المتحدة. وكانت مفاجأة مدوية تلك التي أتت بياسر عبد ربه إلى الأرض . ففي ليلة سوداوية (لعبد ربه) تمت اقالته من منصبه في المنظمة فجأة وبلا سابق إنذار ، وبعد عدة ايام تم استبداله بصائب عريقات .

وبعد عدة أيام تم إغلاق جمعية دولية يترأسها عبد ربه منذ العقدين “مبادرة جنيف للسلام” بقرار مباشر من الرئيس ابو مازن ويتم التحفظ على الاموال ونقلها الى وزارة الاعلام .

هذه لم تكن المرة الأولى التي يصدر فيها ابو مازن قرارات بهذه الشخصنة وبلا ادنى مراعاة لأي قانون . وكآنه يقول للجميع انا القانون . وإن كان هذا لا يكفي انا فوق القانون.

فقبل هذا كان هناك موضوع رئيس النقابات الذي جمد في مكانه حتى اعلن الطاعة والولاء ، ثم كان ايقاف امين عام المجلس التشريعي حتى تم اخضاعه هو الاخر . ناهيك عن القصص الكثيرة التي تقوم بها الاجهزة الامنية المختلفة من ترهيب وبطش . الا انه وعندما تخرج هكذا تعليمات تعسفية من الرئيس مباشرة فلا يمكن وصف المرحلة الا بكلمة واحدة : دكتاتورية.

وبين الاشاعات الجديدة في استقالة ابو مازن الفجائية في الاونة الاخيرة والصادرة من جهات مقربة من المقاطعة . وبين التغييرات السريعة والدعوة الى عقد اجتماع للجنة التنفيذية والمجلس الوطني الفلسطيني الذي لا يجتمع الا بعد ان تكون الاعوام عجافا ومن يجلس على ذلك المجلس قد اغبر من الكبر وعفى عنه الزمن .

الحراك السريع من اجل عقد اجتماع يتوقع منه تغيير شخوص واستبدال اخرون بما يتناسب وخطة يقوم بها الرئيس من اجل المرحلة القادمة في التحضير لمن يخلفه . وكل ما يجري من تداول بين الاعلام والشعب لا يتعدى ان يكون توقعات وتخمينات لا يبدو من حقيقتها الا خيوط واهنة مبنية على اشاعات .

فكموضوع تغيير الوزارات الذي نعيشه كل عدة اشهر ليخرجوا الينا باشاعات عن تعديل وزاري تستمر حتى يتم اعلان حكومة جديدة وتدوير وتبديل لبعض الوزارات واستمرار لصف المستوزرين بالانتظار . وكالقرعة التي يختار منها الرئيس يكون سعيد الحظ بالوزارة المستبدلة .

الا ان الحديث عن خليفة للرئيس يبدو اشد وطأا واكثر مغامرة .

ويبقى السؤال الاهم قبل السؤال عن هوية الرئيس القادم . لما لا يكون هناك انتخابات ؟

ويخرج من هذا سؤال ساذج آخر ، اين المجتمع الدولي من كل هذا ؟ لما السكوت عن حالة اللا-انتخابات ؟ لما السكوت عن استفحال الفساد في اموال المعونات الخارجية ؟

المخرج من هذه الازمة بالرغم من الخوف من تداعياته ونتائجه هو الانتخابات . وفي كل لحظة يستمر الحال الفلسطيني في ظل هذه السلطة هكذا ، فلا شك تتقلص فرص فتح في النجاح . الا ان هذا الحال يزيد من فرص الحزب الاخر (حماس) في غياب قوة حزبية ثالثة . الا اننا نصل اليوم كشعب بترجيح كفة حماس للحكم من جديد تحت هذه الظروف التي زاد الفساد انقسام الشعب فيها من تلك الكراهية بين حزبين الى فجوة كبيرة في المجتمع بين فقر وغنى لطبقتين لم تكونا موجودتان في المجتمع الفلسطيني من قبل .

حال الخناق الذي يسود الشارع مع كل تسريبة جديدة لوثائق فساد صار المواطن يراها بام عينيه . واستفحال الاحتلال في الشعب بالمقابل من كل الاتجاهات ، فالحواجز تزداد خناقا ، هدم البيوت يتفاقم ، والمستعمرات تمتد ، والمستعمرون يعيثون في الاراضي المتبقية فسادا وحرقا ، والامهات في كل يوم يودعن فلذة كبد للسماء بشهادة .

هذا الخناق سيتفجر عاجلا لاستفحال المصائب والكبائر .

ليصبح السؤال الممكن : ربما ابو مازن هو آخر رئيس للسلطة؟