هل للفقير كرامة؟

بقلم: 

في احد ايام الخميس وبالتحديد في 27 آب، اصطحبت ابنتي الى طبيب الأسنان، وعند مرورنا امام حديقة الأمم كانت اصوات مكبرات الصوت والأغاني تصدح في المنطقة، عندها تذكرت ما أعلنت عنه بلدية رام الله على الفيسبوك عن النشاطات التي تقيمها للأطفال كل يوم خميس، ووعدت ابنتي في طريق العودة ان نمر على "الاحتفال".

دخلنا الى الحديقة وكانت عريفة الحفل تتكلم بطريقة اشبه بالصراخ منه الى عرافة حفل، ثم اعلنت للمتواجدين في الحديقة، ان الأم التي تذكر اسمها عليها ان تحضر لتأخذ الحقائب.  بدأت بقراءة الاسماء "فلانة ام فلان من القرية الفلانية، اعطيها خمس شنط لأولادها فلان وفلان ...."، بعد ان قرأت اسمين او ثلاثة، بدأت بالصراخ من جديد "ما بدي فوضى كل واحد محله، وإلا بلغي الاحتفال وما حدى بتسلم الشنط".  مع العلم أن جميع هذه الاحداث وثقت في كاميرا الفيديو المرافقة لها.

استفزتني جداً طريقة تعاملها مع الناس، وما استفزني اكثر قبول الناس ان يعاملوا بهذه الطريقة، وكيف كان يتم توزيع الحقائب. سألت إحدى الامهات بدافع الفضول عن كيفية اختيارها وكيف عرفوا بعدد أبنائها، فأجابت انهم هم من اتصلوا عليها وأعطوها الموعد والساعة لتأتي وتتسلم الحقائب.

الفكرة من الموضوع، وما اريد إيصاله، أنه كان بإمكان البلدية ان توزع هذه الحقائب على المواطنين "المعوزين" والتي تمكنت من الوصول اليهم ومعرفتها بأوضاعهم الاجتماعية، وكذلك عناوينهم، دون تكليفهم عناء السفر والحضور الى حديقة الامم ليتم "إذلالهم" بهذه الطريقة، وعلى الملأ، وبمكبرات الصوت، تحت رعاية "شركة ......" الراعية للاحتفال، والتي كان يتردد اسمها كل خمس دقائق، عن طريق الاعلان المسجل.

كان الأولى بالبلدية وبالشركة الراعية، ان يقوموا بإيصال الحقائب الى منازل هؤلاء المواطنين، "وكان الله بالسر عليما" ومن ثم دعوتهم لحضور الاحتفال للتفريغ عن ابنائهم، اذا كان الهدف الترفيه عنهم، وترك المجال للأهالي بقبول الدعوة او رفضها حسب امكانياتهم ورغبتهم.

يجب ان تعلم مقدمة الاحتفال والشركة الراعية والبلدية، ان كرامة الإنسان شيء، والحاجة والعوز شيء آخر، وانه لا علاقة ابداً بين الفقر او الحال الميسور وطريقة التعامل.  هناك اخلاق في التعامل مع الناس جميعا بغض النظر عن وضعهم ومكانتهم، وبغض النظر عن حاجتهم وعوزهم.

كل الاحترام للبلدية ولنشاطاتها وللشركة الراعية، ولكنهم اخفقوا في ايصال الرسالة التي تقام من اجلها هذه الاحتفالات.   

غادرت الحديقة بعد تعويض ابنتي باللعب على الالعاب البسيطة المتواجدة بدل الاحتفال الذي أوهمتها به، وفي الطريق حاولت قدر الامكان ان اوصل لها رسالة عن معاني "الحاجة والكرامة".