استقالة عباس: الدوافع والاحتمالات المتوقعة

بقلم: 

  لا تزال الاستقالة التي قدمها محمود عباس من اللجنة التنفيذية مع تسعة من أعضائها، تثير جدلاً في الشارع الفلسطيني وفي أوساط المتابعين، بين نافٍ لصدقيتها ومشككٍ في جديتها، وبين مُقرٍّ بحقيقتها، وهذا ما يدفعنا إلى محاولة تحديد الاحتمالات المتوقعة حول هذا الموضوع، والدوافع التي قد تكون وراء كل احتمال، في ظل المعطيات والوقائع ذات العلاقة.

الاحتمال الأول أنها مناورة: وذلك للضغط على مختلف الأطراف وخصوصاً الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، بغية العودة لمسار المفاوضات المتعثرة منذ سنوات، ومحاولة إحياء عملية التسوية التي وصلت إلى طريق مسدود، سيما قبيل خطابه المرتقب في الأمم المتحدة في نهاية سبتمبر الحالي، وكذلك الدفع باتجاه إحباط مساعي تثبيت التهدئة في غزة، بالإضافة إلى رغبة عباس في تجديد شرعيته المهترئة، وتعزيز سطوته وهيمنته المطلقة على المنظمة والسلطة، عبر المجلس الوطني المزمع عقده لإعادة انتاج لجنة تنفيذية مفصلة على المقاس. وهذا الاحتمال يعززه السعي الحثيث لتقوية وتثبيت مكانة عباس عبر إضعاف خصومة، مثل الخطوات التي اتخذها بحق سلام فياض وياسر عبد ربه ومحمد دحلان، وكذلك رفض تفعيل الإطار القيادي المتفق عليه لدمج حركتي حماس والجهاد الإسلامي في منظمة التحرير، نظراً لما تمثله هاتان المنظمتان من ثقل سياسي وشعبي منافس لعباس بشكل كبير.

الاحتمال الثاني أنها حقيقية: بسبب حالة اليأس والاحباط والفشل في مختلف الملفات، وعدم تحقيق أي انجازات، لا في مسار التسوية، ولا في مسار المصالحة الداخلية، ولا في الحلبة الدولية. وباتت السلطة تواجه حالة من الإذلال الممنهج من قبل الاحتلال، رغم الخدمات الأمنية الجليلة التي تقدمها له، ولا أُفق إسرائيلياً لإعطائه أي شيء يُذكر، كما لا تَنْظُر إليه الحكومة اليمينية الحالية على أنه شريك حقيقي، في ظل انشغال اقليمي، وتراجع درجة الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، وبالتالي فإن الخيار الوحيد أمام عباس هو ترك الساحة والاختفاء من المشهد، في ظل انعدام الخيارات الأخرى.

الاحتمال الثالث أنها تمهيد لاستحقاق طبيعي: باعتبارات السن والصحة والقدرة على القيام بمهامه، لكن الرجل يحرص على أن تنتقل المسؤولية بطريقة سلسة ومتدرجة، ويتسلمها أحد مقربيه ممن يؤمن بنهجه ويحفظ مصالح أسرته، ويضمن عدم المساس بهم مستقبلاً، على أن يكون ضمن دائرة الرضى الصهيوني والأمريكي بالدرجة الأولى، والإقليمي والدولي بدرجة أقل، كما تضمن عدم استيلاء أي من الخصوم السياسيين على كرسي الرئاسة، وهذا كله يتطلب ترتيبات وتسويات مسبقة لملائمة الأوضاع السياسية والقانونية والتنظيمية، أو الالتفاف عليها نظراً لما يعتريها من عوار.

الاحتمالات الثلاثة هي احتمالات قوية وواقعية، غير أن الاحتمال الأول هو أرجحها، وعلى الأغلب سيتم اللجوء إلي هذه الخيارات تباعاً وبشكل متدرج، حيث البدء بأسلوب المناورة، وفي حال انعدام النتائج سيتم تنفيذ الاستقالة فعلياً والتخلي عن منصبه، بعد إجراء مجموعة من الترتيبات التي تضمن استمرار وعدم تضرر مصالح عباس وأسرته، سيما مع امكانية دمج الاحتمالين الأخيرين لوجود التداخل الشديد بينهما.