فلسطين في انتظار الدواعش
لا تسقط فلسطين سهواً، ولا يكفي القول بوجود قضايا أكثر سخونة في الدول العربية المجاورة، لتبرير، أو حتى تفسير، هذا التجاهل الذي منيت به أم القضايا العربية، لدى احتفاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بذكرى مرور سبعين سنة على تأسيسها.
صحيح أن الصراع في سورية وعليها بات يستدعي من المجتمع الدولي منحها أولوية أولى، في قائمة اهتماماته، نظراً لما تشهده من سفك دم وتدمير وتهجير. لم تشهد المنطقة العربية مثيلاً له، إلا في زمن غزو التتار، ربما. وصحيح أن العالم، وهذا الجزء العربي منه على نحو خاص، صار يفيض بصراعات أخرى دامية، ومظالم جماعية واسعة النطاق، يختلط فيها المذهبي بالسياسي، وتشكل أرضاً خصبة لحروب وتدخلات دولية، يصعب حصرها، أو تقدير فداحة أخطارها على الخرائط الجغرافية والديمغرافية، لبلدان محورية في ما يسمى الشرق الأوسط، لكن ذلك كله يظل أقل من أن يبرّر تغييب الصراع العربي الإسرائيلي، أو الفلسطيني الإسرائيلي، عن المساعي الدولية المزعومة لإنهاء النزاعات في المنطقة.
فلسطين، هنا، ليست في منافسة مع سورية، على الحظوة لدى مجتمع دولي عاجز، أو متواطئ ضد حقوق شعبيهما الوطنية والإنسانية، بل هما مثالان يكمل أحدهما الآخر، ليؤكدا معاً على ما يمكن أن يؤدي إليه الظلم، بشتى أشكاله، من نتائج كارثية، لعل إحداها التطرف السياسي والديني، بنماذجه الماثلة، تتحدى العالم في سورية والعراق، كما في أفغانستان قبلهما.
وبصرف النظر عن رؤيةٍ محقة، يعتبر احتلال فلسطين أحد أهم جذور أزمات العالم العربي، فإن معطيات السنوات الأربع الماضية، وحدها، تبدو سافرة، في خلاصتها القائلة إن إهمال المظالم الوطنية، السياسية والاجتماعية، لشعوب عربية عدة، هو ما أدى عملياً إلى عسكرة الانتقاضات الشعبية السلمية، ثم نمو التيارات السياسية الدينية المتطرفة التي يجند العالم، الآن، كل قواه لمحاربتها.
صار المثال السوري، على هذا الصعيد، فاضحاً في تعبيره عن نتائج التخاذل الدولي في منع الظلم، غير أنه لم يشكل بعد درساً للقوى الكبرى التي تتزعم المجتمع الدولي، لكي تحول دون تكراره، بدليل أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، تغافلا عن أي ذكر للصراع المحتدم في القدس بين قوات الاحتلال والمستوطنين الإسرائيليين المتطرفين من جهة، وأهل المدينة المرابطين في المسجد الأقصى من جهة أخرى. كما تغافلا، في الوقت نفسه، عن موت عملية السلام، بعد إخفاقها في حلٍّ يعيد إلى الشعب الفلسطيني حداً أدنى من حقوقه الوطنية المقرّة، منذ عقود طويلة، في قاعة الأمم المتحدة نفسها، حيث ألقيا خطابيهما الداعيين إلى مواجهة التطرف الديني.
والمؤسف أن أجندة الرجلين، وأجندة المجتمع الدولي، حيال المنطقة، لم يطرأ عليها أي تعديل لاحق، على الرغم من التحذيرات التي أطلقها من على منبر الأمم المتحدة قادة عرب، كان أكثرهم صراحةً أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، حين استهل خطابه بالحديث عن خطر بقاء الصراع العربي الإسرائيلي من دون حل عادل دائم، وقال إن "في القدس قوى دينية سياسية متطرفة تعتمد تفسيرات حرفية لنصوص عمرها آلاف السنين، من أجل تدنيس مقدسات شعب آخر واحتلال أرضه والاستيطان عليها. أليست هذه أصولية دينية؟ أليس هذا العنف إرهاباً تقوم به قوى دينية متطرفة؟".
ومع استمرار تجاهل مثل هذه الأسئلة الأجوبة، لا يعود مستغرباً أن يتكرر السيناريو المعهود، أي وصول المظلومين، في فلسطين، إلى اليأس من إمكانية رفع الظلم عنهم، ثم جنوح بعضهم إلى الرد على التطرف بالتطرف، أو بتحولهم إلى "دواعش"، إن صح التعبير، ليقطعوا رأس رهينةٍ أو أكثر أمام الكاميرات. وحينها فقط، سينتبه المجتمع الدولي، بعد فوات الأوان، لا إلى ضرورة إزالة الظلم عنهم، وإنما إلى محاربة إرهابهم، وتجنيد العالم ضدهم.