لنستفد فلسطينياً من التجربة البحرينية

بقلم: 

على الرغم من أن نظام الحكم في مملكة البحرين وراثي, إلا أن الملك حمد بن عيسى آل خليفة بعد أن تولى مقاليد الحُكم, أخذ على عاتقه المضي قُدماً نحو إعادة وتعزيز الحياة الديمقراطية التي عُطلت منذ عام 1975, فقد أصدر مرسوم برقم (36) و(43) لسنة 2000 بتشكيل اللجنة الوطنية العليا لإعداد مشروع ميثاق العمل الوطني, وفي 14 فبراير 2001, تم الاستفتاء على المشروع, والذي حظي بنسبة موافقة من الشعب البحريني بنسبة بلغت 98.4%, حيث حدد الميثاق أهم مرتكزات المسيرة الوطنية البحرينية, وبعد الاستفتاء جاءت الخطوة الثانية في مسيرة التحول الديمقراطي, بإدخال تعديلات على دستور 1973, وصدور الدستور المعدل سنة 2002, والذي حدد نظام الحُكم في البحرين أنه ملكي دستوري وراثي, ونظام الحُكم في البحرين ديمقراطي والسيادة فيه للشعب وهو مصدر السلطات كما نصت عليه المادة الأولى من الدستور, كما حدد صلاحيات واختصاصات كل من الملك والسلطة التنفيذية ممثلة برئيس الوزراء, والسلطة التشريعية والسلطة القضائية وأكد على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاثة. وبعد أن تم اعتماد التعديلات الدستورية, أجرت أول انتخابات برلمانية وبلدية في عام 2002, والتي تعتبر أول تجربة ديمقراطية في تاريخ الحياة السياسية البحرينية الحديثة, ومازالت مملكة البحرين متسمرة في مسيرة التحول والتطور السياسي والديمقراطي من خلال الحفاظ على مبدأ دورية الانتخابات والتي كان آخرها في نوفمبر 2014.

مع تولي الملك حمد بن عيسى مقاليد الحُكم صدرت عدة مراسيم وقوانين وتشريعات, كمرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية, والمرسوم بقانون رقم (15) لسنة 2002 بشأن مجلس الشورى والنواب, والمرسوم رقم (29) لسنة 2002 وتعديلاته بمرسوم قانون رقم (71) لسنة 2014 بشأن تحديد المناطق والدوائر الانتخابية وحدودها واللجان الفرعية للانتخابات العامة لمجلس النواب, ومرسوم بقانون رقم (44) لسنة 2002 بتعديل بعض أحكام قانون الجمعيات والأندية الاجتماعية والثقافية والهيئات الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة والمؤسسات الخاصة وتعديلاته بمرسوم قانون رقم (50) لسنة 2010, ومرسوم قانون رقم (26) لسنة 2005 بشأن الجمعيات السياسية, حيث يقصد بالجمعيات في مملكة البحرين الأحزاب السياسية, وغيرها من الكثير من المراسيم والقوانين التي تنظم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مملكة البحرين.

شهدت مملكة البحرين منتصف فبراير 2011 حركة احتجاجية كباقي الدول العربية, واستمرت قرابة شهرين حيث طالبت بالإصلاح السياسي والديمقراطي, وعلى الرغم من أحداث العنف التي رافقت الحركة الاحتجاجية, إلا أنه وإيماناً من كافة القوى والجمعيات السياسية في مملكة البحرين بضرورة وأهمية سلامة الوطن والحفاظ على أمنه واستقراره والحفاظ على المكتسبات التي تحققت منذ الاستقلال, فقد انطلقت جلسات الحوار الوطني البحريني بين كافة المكونات السياسية والاجتماعية البحرينية من أجل البحرين وشعبها وليس من أجل المحاصصة, حيث تلخصت مطالب الغالبية العظمى للقوى المشاركة في الحركة المطلبية، في التحول إلى الديمقراطية مع الحفاظ على الملكية تحت شعار "الشعب يريد إصلاح النظام", انطلاقاً من المبادئ السبعة التي أعلنها ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة في 13 مارس 2011, بتوجيهات من الملك حمد بن عيسى آل خليفة, وها هي مملكة البحرين تسير بخطى ثابتة في طريق التحول الديمقراطي وتؤكد على مبدأ دورية الانتخابات والفصل بين السلطات وسيادة القانون والحرية والمساواة والعدالة والديمقراطية, والتعددية السياسية والمشاركة السياسية وأهمية دور مؤسسات المجتمع, وحرية الرأي والتجمع السلمي...ألخ.

إن ما يُميز المعارضة البحرينية أنها تندرج تحت تصنيف المعارضة الإصلاحية التي تسعى إلى تصحيح الأخطاء وتقديم الحلول, حيث تتفق الجمعيات المعارضة على الأهداف نفسها والمتمثلة في المحافظة على المكتسبات الشعبية التي توجت بالحياة البرلمانية في عام 1973, والتقيد بأحكام الدستور وميثاق العمل الوطني, واحترام سيادة القانون, والالتزام بمبادئ الحرية والمساواة والديمقراطية, والتعددية السياسية, وضرورة تطوير النظام السياسي بما يحقق ما يصبو إليه الشعب من ملكية دستورية, والتمسك بالمواطنة المتساوية ونبذ كافية أشكال التمييز.

وما يُميز التجربة البحرينية أيضاً, الدور الفاعل والمؤثر الذي تلعبه مؤسسات المجتمع المدني في عملية التحول الديمقراطي والحياة السياسية، فلا ديمقراطية بدون مجتمع مدني، فهي الأداة والوسيلة التي تجعل الديمقراطية أمر واقعي للناس، حيث تساهم في نشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع وتدافع عنه وعن حقوقه، وفي توعية المجتمع بأفراده ومؤسساته، بمزايا نظام الحكم الديمقراطي، وفي تشجيع كافة مؤسساته على إجراء انتخابات دورية, كما تساعد على نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، والتعددية السياسية والمشاركة السياسية والتنمية بمختلف مجالاتها، والوعي بقيم ومفهوم المواطنة وبيان أهميتها في الحفاظ على السلم المجتمعي وتوفير بيئة صحية لتطور الدولة ومؤسساتها، والتأكيد على أهمية المساواة في الحقوق والواجبات العامة، ونبذ التمييز والإقصاء سواء من قبل المؤسسات الرسمية أو الأهلية.

لكن كيف يمكن الاستفادة من التجربة البحرينية فلسطينياً؟ مع التأكيد على الاختلاف التام بين فلسطين ومملكة البحرين من حيث المكونات الاجتماعية والثقافية والتاريخية والحضارية والتراثية, وخصوصية الحياة السياسية البحرينية للعديد من الاعتبارات, إلا أنه هذا لا يمنع من الاستفادة من المفاهيم الأساسية التي انطلقت من خلالها الحياة السياسية والديمقراطية لدى مملكة البحرين والعمل على تفعيلها بشكل جاد في الحياة السياسية الفلسطينية, إذ أن تلك المفاهيم قد حافظت على أمن واستقرار وسلامة البحرين داخلياً وخارجياً, وحافظت على مسيرتها الوطنية وأصالتها وتراثها والعقد الاجتماعي بين الملك والحكومة والشعب, وحافظت على وحدة البحرين أرضاً وشعباً, واستمرت في بناء مؤسساتها وتطوير المجتمع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً, وعززت ورسخت مبدأ الحوار بين كافة المكونات السياسية والاجتماعية. فالوسائل والأسس والمبادئ والمكونات والمؤسسات لدى مملكة البحرين متوفرة فلسطينياً لكن بحاجة إلى إعادة إصلاح وتفعيل في الحياة السياسية الفلسطينية, والتأكيد من قبل كافة القوى السياسية والاجتماعية الفلسطينية على أهمية العمل بها وترسيخها وتعزيزها بين المكونات السياسية والاجتماعية لإعادة إحياء وصياغة وتحديد العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم وفق القانون والدستور.

إن حالة الانقسام الفلسطيني المستمرة منذ سنة 2007, تتطلب مراجعة حقيقة وتقييم لمجمل الحياة السياسية والاجتماعية منذ الانقسام وما قبله, ووقوف الجميع أمام مسؤوليته الوطنية والتاريخية والأخلاقية, ومحاولة الاستفادة من كافة تجارب الدول التي مرت بمشاكل وخلافات داخلية واستطاعت تجاوزها حفاظاً على المكتسبات التاريخية والوطنية والسياسية, والبناء عليها لتطوير الدولة والمجتمع, والحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي وتقوية جبهة السياسة الخارجية للدولة.

والمطلوب فلسطينياً الاستفادة من التجربة البحرينية, وذلك بتحديد طبيعة النظام السياسي والفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة, وصياغة ميثاق عمل وطني فلسطيني, والتأكيد على أن لغة الحوار هي المخرج الوحيد لحل الخلافات, والتأكيد على المسار الديمقراطي في الحياة الفلسطينية من خلال تفعيل مبدأ دورية الانتخابات وإجراءها في مواعيدها وفق القانون, وتفعيل دور المجلس التشريعي الفلسطيني, والتأكيد على التعددية السياسية والمشاركة السياسية والتنمية بمختلف أشكالها, وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في نشر ثقافة الحوار والتسامح والعدالة والمساواة, والسماح للمعارضة من ممارسة دورها بما لا يتعارض مع القانون والأمن والاستقرار الداخلي, والتأكيد على حرية الرأي والتعبير وعدم الاقصاء, والمطلوب قبل كل ذلك إعادة بناء الثقة بين كافة القوى السياسية, والتزام الجميع بتنفيذ بنود الورقة المصرية للمصالحة التي تم الاتفاق والتوقيع عليها في القاهرة وتفاهمات الدوحة واتفاق الشاطئ, فعنصري الثقة والالتزام ركيزة ومطلب أساسي لبدء مرحلة إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية.