إضراب المعلمين وسلوك سلطة أوسلو

بقلم: 

لا يستغربن أحد سلوك السلطة اليوم مع المعلمين، فالاستغراب تعبير عن عدم فهم حقيقتها. لا شأن لها بالشعب لا من قريب ولا من بعيد وعليه فشعار ( يا حيف) كتعبير عن شعور بالخذلان، لا معنى له. فهل اعتقد احد ان 28% من موازنة السلطة المخصصة للأمن، وهذا الرقم الرسمي، سيذهب لغير القمع؟ هل اعتقد احد مثلاً ان الحكومة تتقلب على جنبيها ليلاً أرقاً تعاطفا مع معلم لا يملك تعليم اولاده في الجامعة أو شراء ملابس العيد لإطفاله إلا من بسطات البالة؟ هل اعتقد احد ان الأجهزة الأمنية ستدافع عن شعبها في وجه المستوطنين واقتحامات المدن وهدم المنازل واعتقال عشرات الآلاف وإعدام الأطفال في الشوارع؟ أم اعتقد أحد ان الخبرات الأوروبية والعربية الرجعية والامريكية في تدريب وتسليح افراد الأجهزة كان لغير نصب الحواجز في وجه الشعب؟
ليعي مَنْ لا زال غافلاً عن حقيقة السلطة! والسلطة اليوم وأجهزتها قدمت كل ما لديها لكشف وجهها الحقيقي! استنفروا الآلاف في مشهد أقل ما يوصف بانه مشين ومخزي لمنع المعلمين من الوصول لرام الله. قد يعتبره البعض تصرفاً غبياً، وهو كذلك، فقد حرقوا أنفسهم بأنفسهم في وجه قطاع شعبي واسع وفقير ويقوم بمهمة عظيمة هي التعليم، حرقوا أنفسهم أمام كل الشعب، ولكن، ومع ذلك، ينبغي وضع الأمور بنصابها: هم معادون طبقياً للفئات الشعبية بكل إصرار، فالمعلمون آخر اهتماماتهم، والعاطلون عن العمل آخر إهتماماتهم، والطلبة آخر إهتماماتهم، والمزارعون آخر إهتماماتهم، والحرفيين الذي تدمرهم بضائع الصين آخر إهتماماتهم، همهم فقط، تدعيم سلطتهم على حساب شعبنا، وتسمين المحسوبين الملتفين حولهم في المناصب العليا، همهم التسهيلات المقدمة لنهب البلد والناس من شركات الاتصالات والبنوك والتأمين والعقاريين والمستثمرين والمضاربين، ومستوردين.... أي كل مَنْ يشكلون قاعدتها الاجتماعية. وإذا كانت السلطة بدعايتها الكاذبة تتمترس خلف ضائقتها المالية فليدعو المعلمون، ونحن معهم، بوضوح: ضريبة للتعليم على مداخيل القطاع الرأسمالي الخاص الكبير وخاصة البنوك وشركات الاتصالات والمستوردين والعقاريين، ليتحمل هذا القطاع جزءا من المسؤولية الوطنية خاصة أن الاستثمار في التعليم يصب لاحقاً في جيبه! إعادة جدولة الموازنة فلا يعقل ان الأمن، بغياب الامن، اكثر من قطاع التعليم، خفض حقيقي وتقشف فعلي للإنفاق، لذوي المراتب العليا، لسفرياتهم وامتيازاتهم، ورواتبهم وووووو
ورغم كل حماقات وعداوات السلطة فقد حقق المعلمون حتى اللحظة مكاسب حقيقية:
1- اسقطوا الامانة العامة للاتحاد بإجبارها على تقديم استقالتها لتذهب حيث مكانها الحقيقي: جيب السلطة.
2- اسقطوا الاتفاقات المخزية، والمهينة للكرامة فعلاً، التي وقّعتها الامانة العامة مع الحكومة: اتفاقيتي العشرين والثلاثين شاقل!
3- اثبتوا قوة حركتهم في الشارع رغم الاعتقال لنشطائهم والحواجز في وجههم والتشهير بهم وتشويه صورة حركتهم الحقيقية.
4- أنشأوا لجان التنسيق المنتخبة بشكل مؤقت وديموقراطي كتمهيد لإعادة بناء الاتحاد من القاعدة بعيداً عن هيمنة السلطة ومفوضية فتح
وعلى هذا يمكن البناء: فقط استمرار إرادة النضال والاصرار حلى المطالب دون مساومة، فالنصر صبر ساعة، وقوة المعلمين في إيديهم، والشارع، بتقديري متفهم. ينبغي عدم الالتفات للدعاية التشويهية التي تصور المعلمين وكأنهم لا يعبأون بمستقبل طلابهم، فتلك دعاية رخيصة، وكذابون الين يدعون حرصهم على الطلبة أكثر من المعلمين، وحقوق المعلمين وحياتهم الكريمة وكرامتهم لا ينبغي ان تقايض بالعام الدراسي، فلا عملية تعليمية ولا مستقبل للطالب إن لم يكن كرامة ومستقبل للمعلم!
ومع ذلك، ينبغي توسيع التضامن الشعبي مع حركة المعلمين، من اتحاد نقابات العمال، ألا زال موجوداً؟، من شبكة المنظمات الأهلية، من مؤسسات حقوق الإسان، من الحركة الطلابية، من نقابات الجامعات، بفعاليات ميدانية متضامنة، ببيانات التأييد والتضامن والإدانة لسلوك السلطة، وهنا لا بد من الإشارة لريادية مؤسسة الحق التي لم تتأخر في إدانة اعتقال السلطة للمعلمين الاسبوع لماضي، وحواجز الأجهزة هذا اليوم، فعلى الأقل لتحذو المؤسسات القانونية والحقوقية حذوها.
إن منع المعلمين من الوصول للاعتصام واعتقال نشطائهم ينتهك حقهم القانوني في الإضراب والتظاهر والاعتصام وهنا يجب ان يقول القانونيون والمحامون، نقابة المحامين مثلاً، كلمتهم.
فإلى الأمام وعاشت حركة المعلمين النقابية.