عمو داعش وبراري رام الله الصامتة

بقلم: 

على بال زمن بقلم صالح مشارقة

يعيش في حينا رجل متدين يلبس ملابس غريبة، لفة على الرأس وتنورة قصيرة تنزل عن الركبة ببضعة سنتيمترات، وبوت رياضي أو حذاء تصعد منه الجوارب الى الركاب، وشعر طويل مثل بوب مارلي ولحية محناة مثل أكف الشهداء، وحواجب مكحلة، وهكذا.

أصادفه في السوبرماركت يشتري مثلنا بسكويت فرنسي أو شوكولاتة دنماركية وألبان من كل الدنيا.

استغل وجود هذا الجار:"عمو داعش" لتهديد أولادي، وما أن أذكرهم به حتى تهدأ الأصوات وتفتح الكتب والدفاتر ويتم تنفيذ كل المطلوب في دقائق.

طبعا الرجل واضح أنه من المتدينين البسطاء من جماعة السلف، لكني استغل وجوده لأبطش بأولادي.

ولكن هذا لا يعني أن حضوره لا يصنع شيفرات صعبة لأي إنسان، هنا الاختلاف الصعب والصارخ الذي يفرق ولا يجمع، اختلاف صارخ يشير أنني لا اشبهكم ولي عالمي البعيد الخاص الذي أرفض أن يرضخ لجماليات أبصاركم، أو عالم تخيلاتكم السعيد عن الحياة، إنني متدين بسبعة وعشرين كتابا عن فقه ما، في هذه الكتب أعيش ومنها اقتبس وأفسر كل حياتي وأحل كل المعضلات.

في المول التجاري القريب رأيت أولاداً يهربون من "عمو داعش"، ببساطة يهربون من اختلافه الصارخ، ليس من دينه بل من كل هذه "الجلجلة" في الاختلاف.
الأطفال أكبر مقاييس القبول براءةً، فلماذا لا نحترم فهمهم الفطري للأشياء.

بالمناسبة الاولاد يخافون أيضا من العلمانيين المبالغين في السحنة الجيفارية والجدائل الماركسية والغبرة البوهيمية... دعوكم من هذه الأفلام.. دعوكم.

خلاء رام الله

تسحر مدينة رام الله قاطنيها وزائريها، المقاهي والمؤسسات والهندسات وهكذا، لكن لم يجرب أحد خلاء رام الله وبريتها، فإلى الغرب منها ثمة جبال ومطلات على البحر مباشرة، ليس سهلاً رؤية ذلك من شبابيك الطيرة والإرسال، إنك بحاجة الى عصا وملابس قديمة وحذاء جامد ونهاية يوم عمل، وانطلاق قبل أن تغيب الشمس الى غرب الطيرة، وغرب البيرة، وغرب بيرزيت، وصعود واقعي الى أي قبعة جبل، وجلوس هادئ على التلة، وقياس المسافة القصيرة إلى شاطئ البحر.

اجلس هناك مع ثلاث غزالات وعائلة خنازير مدورة الوجوه.

اجلس وتأمل ولا تدفع ثمن متعتك لأحد، وانت تغادر مرر ساقيك في ميرمية بريئة من كل التهم، وأفرك يديك بزعتر جبلي وقل لخنزير بري صغير وداعاً.

يسقط الباطون والإسمنت والإسفلت والهندسة الهابطة، وعاشت برارينا حارسة صمتنا ووحدتنا وتوحشنا النبيل.

المكان الساكت

قبل سنتين بدأت شركة "مارقة" للحدود العمل في رام الله والبيرة، بنت عمارات وأبراج ضخمة في أجمل المواقع، لكن للأسف بأبشع أنواع الرسم الهندسي، كتل اسمنتية زائغة، وأعمدة باطون غير مفسرة، وتقسيمات مائلة وحجر البناء الفلسطيني في أسوأ مواقعه ومواقفه...

كل هذا أضيف إليه زجاج لئيم التصميم على مداخل ومخارج غير لطيفة... من أي صحراء جاء كل هذا اللاجمال؟ لا أحد يعرف ولا أحد يعلق.
لعنة الله على المال الأعمى والأعمال الجاهلة والدرجات العلمية غير المثقفة. فهنا تحت هذا الجحيم الإسمنتي كان يترامى متنزه العشاق في رام الله والبيرة قبل ستين عاماً، هنا جلسوا وعشقوا وقابلوا الخطيبات وفسحوا الزوجات والأطفال في عطلة الصيف، وهنا كان برج الإذاعة الذي استثمرت فيه المذيعات كل إغواءات الصوت ليقلن: من عواصم عربية بعيدة: "رسائل شوق" لفلسطين.

مسكينة بعض الأماكن، تسكت وتحايد ولا تقاتل.

مقال خاص بزمن برس