هل نناضل من أجل هؤلاء؟
"هل أناضل من أجل هؤلاء...؟" سؤال وضعه في أذني صديق لمّا مرّ سائق شاب إلى جوارنا وأغنية صاخبة تندفع عبر نوافذ سيارته المفتوحة، في مشهد، مزعج بكل تأكيد، للحواس كلها... هذا السؤال، المتكرر، الذي يختصر أنانية الفرد الفلسطيني في اعتبار ذاته هي الفُضلى، وأن نمط حياته أو سلوكه الذي يرتضيه لنفسه هو النموذج الأمثل لفلسطين "المناضلة"... ويختصر أيضًا تلك الصورة النمطية عن الفلسطيني الذي لا أدري لم يُصر الخارج والداخل، وذو الشأن، وبعيد العلاقة، على أن يكون في إطارِ "سوبرمان الخارق" أو "المنكوب" العابس، أو الراهب فاقد المتعة والحياة الشخصية... صورة نمطية ليست كريهة، لكنها لا يجب أن تبتلعنا، وتُبعدنا عن إنسانيتنا الأصلُ في النضال من أجل الحرية... ربما لا يعجب هذا الموقف "المثاليين سكر زيادة" لكنه رأي موجود يبحث عن صورة جميلة لشعب ظُلم كثيرًا.
إذا كان النضال من أجل الحرية، يعني الدفاع عن "نمط واحد" من الأنماط المجتمعية، أو شريحة، أو فئة مؤمنة بحزمة فكرية بعينها دون باقي الشرائح والأذواق، فهذا نضال منقوص، ومتعجرف، وفوقي، لا يحترم "الكلّ الفلسطيني"... وفيه دعوة لإنكار الآخر، والتحكم الديكتاتوري بحاجات الناس وأهوائهم... إنّ الجمع الفلسطيني كلّه، الصالح والطالح، والملتزم والمتحرر، والجاد والعابث، والمراهق والناضج، والذكور والإناث، يخضعون للاحتلال، بقمعه، ونفيه لكل صفاتهم التي يتصارعون بين بعضهم عليها، هو لا يريد لهم أية صفة... لذا لا أعتقد إلا بأن النضال يكون لأجل هؤلاء كلهم، ويستقيم من أجلهم، في سبيل حريتهم، حرية ممارسة الصواب والخطأ، وأن يكون الثواب والعقاب على تلك الممارسة، فلسطينيّا صرفًا، لا احتلال فيه، ولا عابرَ بحرٍ جاء من البعيد لينفذ في المجموع العام وكل التراكيب المجتمعية إرادته وقراره ونفوذه... نعم نناضل من أجل ذلك المراهق الطائش، وذلك الشاب المستهتر، وتلك الفتاة العابثة، وتلكم السيدات الفاضلات، وأزواجهن المحترمين... نناضل ليمتلكوا ناصية الحرية في أرض محرّرة، ومجتمع يحاور بعضه باحترام وقبول، وتعددية... يقوّم نفسه بنفسه، ويتطوّر بإرادته، ويحاسب أبناءه لأنهم أبناؤه، وجزء أصيل منه، كيفما يكونون، وواهم من يظن أن الفلسطينيين (يجب) أن يكونوا شعبًا من الأنبياء... بل يجب أن يكونوا شعبًا من الطبيعيين، فيهم الخطأ والصواب... وبينهم من يستحق العقاب كمن يستحق المكافأة والثواب... هكذا فقط... نكون شعبًا طيّبًا متواضعًا لا يزعم المثالية المطلقة... شعبًا يعرف معنى الكفاح وقيمة الحياة...