الانتخابات الأميركيّة: الأغلبيّة في الأصوات الشعبيّة لا تكفي أحيانًا...
زمن برس، فلسطين: بعد محاولة الاغتيال الأولى في ولاية بنسيلفانيا في أحد التجمّعات الانتخابيّة، وفي جولة ثانية من المحاولات، تعرّض المرشّح الرئاسيّ دونالد ترامب الأحد إلى محاولة اغتيال جديدة مع اقتراب الانتخابات الرئاسيّة في كانون الثاني/نوفمبر القادم. تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدراليّ أشارت إلى أنّ محاولة الاغتيال المزعومة يقف خلفها رايان ويزلي روث، وهو مواطن أميركيّ، في أحد ملاعب الجولف الخاصّة بترامب، وتمّ عرض المتّهم على المحكمة بعد الحادثة. التحقيقات في حسابات التواصل الاجتماعيّ لرايان تشير إلى مواقف متشدّدة تجاه الحرب في أوكرانيا، وكذلك إلى أنّ الرجل البالغ من العمر 55 عامًا لديه سجّلّ إجراميّ يعود إلى سنة 1990. من الجدير بالذكر أنّ ترامب قدّم وعودًا للناخبين بإنهاء الحرب في أوكرانيا في حال انتخابه رئيسًا للبلاد.
العدّ التنازليّ بدأ فعليًّا للانتخابات، والسباق المحموم شهد مناظرة دراماتيكيّة مؤخّرًا بين المرشّحة الديمقراطيّة كامالا هاريس ودونالد ترامب. قبل المناظرة، كانت استطلاعات الرأي تشير إلى تقدّم ترامب. إلّا أن تفوق هاريس، حسب رأي المراقبين، غيّر المعطيات، وبعد انتهاء المناظرة، اختلفت استطلاعات الرأي، وأصبحت ترجّح فوز المرشّحة الديمقراطيّة في السباق الرئاسيّ.
ويشهد العام الحاليّ انتخابات عامّة في عدّة دول تقدّر بأكثر من 60 انتخابات، بدأت في انتخابات عامّة في بنغلاديش، مرورًا بانتخابات في دول آسيويّة أخرى ودول أفريقيّة بالإضافة إلى الاتّحاد الأوروبّيّ وانتهاء بالانتخابات الأميركيّة. ويعدّ العام الحاليّ مفصّليًّا بالنسبة للسياسة الدوليّة.
الحمار والفيل
منذ بداية الانتخابات الأميركيّة عام 1788 وحتّى اللحظة، أقيمت 59 انتخابات رئاسيّة أفضت إلى 46 رئيسًا أميركيًّا عبر التاريخ بداية من جورج واشنطن وانتهاء بالرئيس الحاليّ جو بايدن. الرؤساء من الحزب الديمقراطيّ يشكّلون 16 رئيسًا، و19 من الحزب الجمهوريّ، بينما البقيّة من أحزاب أخرى أو قبل تأسيس الحزبين.
ويميل الحزب الديمقراطيّ إلى التوجّه الليبراليّ، ويدعم دورًا حكوميًّا أكبر في القطاع الاقتصاديّ والدعم الحكوميّ، أمّا الجمهوريّون في المقابل فهم محافظون بشكل أكبر، ويدعمون دورًا أقلّ للحكومة في القطاع الاقتصاديّ، ويعدّ النظام الضريبيّ من الفروقات الكبيرة بين الحزبين، ففي حين يفضّل الديموقراطيّون اقتطاعات ضريبيّة أكبر لدعم عمل الحكومة الكبيرة، فإنّ الجمهوريّين يفضّلون اقتطاعات أقلّ؛ لأنّ الحكومة أصغر وتدخّلاتها أقلّ. أمّا في المجال العسكريّ، فإنّ الميزانيّات المخصّصة للجيش الأميركيّ عادة ما تكون أكبر عند الجمهوريّين، وفي السياسيّة الخارجيّة يميل الديمقراطيّون إلى تجنّب اتّخاذ إجراءات أحاديّة الجانب والتنسيق مع الحلفاء على عكس الجمهوريّين، وفي مجال النسيج الاجتماعيّ، فإنّ الديمقراطيّين يميلون إلى حرّيّات أكثر، بينما يميل الجمهوريّون إلى الحفاظ على الثقافة والعادات والتقاليد.
أمّا بالنسبة للانتشار الجغرافيّ، فنجد أنّ الديمقراطيّين موجودون أكثر في المدن الرئيسيّة مثل نيويورك ولوس أنجليس، مقارنة بالجمهوريّين المسيطرين أكثر على المناطق الريفيّة مثل الولايات الجنوبيّة، ومن الجدير بالذكر أنّ رمز الحمار الّذي يرمز للحزب الديمقراطيّ والفيل الّذي يرمز للحزب الجمهوريّ يعود إلى رسّام الكاريكاتير السياسيّ توماس ناست الّذي كان يعمل في صحيفة هاربرز ويكلي، وظهر الكاريكاتير أوّل مرّة في العام 1879.
الانتخابات: ترتيب زمنيّ
تقام الانتخابات كلّ 4 سنوات، ولا يمكن للرئيس أن يتولّى مهامّ الرئاسة أكثر من مرّتين. الرئيس الأميركيّ السابق باراك أوباما صرّح في أحد المؤتمرات في البيت الأبيض أن لو بإمكانه الترشّح لمرّة ثالثة لفعل ذلك، ولكنّ ذلك الأمر يتعارض مع الدستور الأميركيّ.
يبدأ الأمر عادة مع إعلان المرشّحين نيّتهم الترشّح للسباق الرئاسيّ، ويحدث ذلك في العادة قبل الانتخابات بسنة. في ذلك الوقت يعمل المرشّح على تشكيل الفريق الّذي سيدير الحملة الانتخابيّة وتبدأ جولات المرشّحين حول الولايات المختلفة لحشد الدعم، ويبدأ كذلك جمع التبرّعات الّتي تعتبر حجر أساس في نجاح أيّ مرشّح.
يتنافس المرشّحون عادة، على مستوى الحزب الّذي ينتمون إليه، حيث يبدأ التنافس عن طريق مناظرات بين المرشّحين خلالها يجب على المرشّح شرح السياسات الّتي ينوي العمل عليها والدفاع عن وجهة نظره أو نظرها للترشّح، وبعد الجولات والمناظرات يأتي الانتخاب على المستوى الحزبيّ لإفراز مرشّح واحد يمثّل الحزب، ويتمّ اختيار المرشّح بطريقتين، الطريقة الأولى المؤتمرات هي الحزبيّة والطريقة الثانية هي الانتخابات التمهيديّة.
في المؤتمرات الحزبيّة تجري العادة أن يسجّل أعضاء الحزب رغبتهم بالحضور والتصويت للمرشّح أو بانتخاب مندوب عنهم للتصويت، أمّا في حالة الانتخابات التمهيديّة فهي بدورها تجري قبل 6 إلى 9 أشهر قبل الانتخابات، وتجري عن طريق تصويت بشكل سرّيّ للمرشّح، على عكس المؤتمرات الحزبيّة "Caucus" الّتي يمكن أن يكون فيها التصويت علنيًّا عبر أفراد أو مجموعات ونقاشات علنيّة.
ينتهي الأمر عادة بانتخاب مرشّح واحد لكلّ حزب مع نائبه، وتختلف القوانين من ولاية إلى أخرى، إذ إنّ بعض الولايات تسمح لكلّ الناخبين المسجّلين باختيار المرشّح للانتخابات، بينما في ولايات أخرى يسمح فقط لأعضاء الحزب باختيار المرشّح، ومن المؤتمرات المعروفة في الولايات المتّحدة مؤتمر "إن آر سي".
بعد الإعلان عن المرشّحين، تبدأ الحملات الدعائيّة والتسويق والجولات بين الولايات لحشد الدعم والتبرّعات، وتنتهي بيوم الانتخابات العامّة الّتي تحدّد الرئيس الّذي سيدخل البيت الأبيض، إلّا أنّ المرشّح الّذي جمع تبرّعات أعلى ليس بالضرورة من يحصد عدد أصوات أكبر. في عام 2016 جمع دونالد ترمب 957 مليون دولار مقابل هيلاري كلينتون الّتي جمعت 1.4 مليار دولار ولكنّها خسرت السباق الانتخابيّ.
القواعد الانتخابيّة والولايات المتأرجحة: من يصوّت لمن
تتكوّن الولايات المتّحدة الأميركيّة من 48 ولاية، بالإضافة إلى واشنطن. في العادة، لدى كلّ من الحزب الجمهوريّ والديمقراطيّ عدد من الولايات الّتي يغلب عليها أصوات الحزب، ولكن على الجانب الآخر هناك الولايات "المتأرجحة"، وبرغم صعوبة تحديد تعريف واضح لتلك الولايات، إلّا أنّه يمكننا القول إنّ الولاية المتأرجحة هي الولاية الّتي صوّتت لحزب مختلف عن الحزب الّذي صوّتت له في الانتخابات السابقة، ولدى تلك الولايات عادة فرق الصوت بين الحزبين تقدّر بأقلّ من 3 نقاط.
منذ العام 1992 مثلًا، صوّتت 30 ولاية لحزب مختلف عن الّذي صوّتت له في السابق على الأقلّ مرّة واحدة، و26 ولاية منها فاز فيها أحد الحزبين بفارق أصوات أقلّ من 3 نقاط، ومنذ العام 1988 صوّتت نحو 20 ولاية للسبب نفسه في كلّ عام، منها 13 للحزب الجمهوريّ و7 للحزب الديمقراطيّ. نيويورك، ماساتشوستس ومينيسوتا مثلًا دائمًا ما كانت ديمقراطيّة، بينما نبراسكا، تيكساس وألاباما دائمًا ما كانت جمهوريّة.
إذًا، بعض الولايات تتأرجح بين الحزبين، ومن المعروف أنّ تلك الولايات تشكّل مسرح الصراع الكبير بين الحزبين، اذ يمكن ان تذهب تلك الولايات في أيّ اتّجاه بناء على المرشّح الرئاسيّ ونائب المرشّح الرئاسيّ وحملات التسويق الكبيرة الّتي تقوم بها إدارة المرشّح، ومن المعروف أنّ الأحزاب تنفق في العادة أموالًا أكثر وموارد أكبر في الحملات الدعائيّة والتسويق في تلك الولايات.
من المعروف أنّ الفائز في المقعد الرئاسيّ في البيت الأبيض ليس بالضرورة من يحصد مجموع الأصوات الشعبيّة الأكثر، إذ سيذهب الأميركيّون إلى التصويت يوم الثلاثاء الخامس من كانون الثاني/نوفمبر لاختيار الرئيس فيما يسمّى بـ"الثلاثاء العظيم"، ولكن، عمليّة التصويت لا تجري بشكل مباشر، أي أنّ الانتخاب لا يجري للمرشّح، وإنّما للـ "منتخبين"، وهم مجموعات المنتخبين الذين يطلق عليهم اسم الكلّيّة الانتخابيّة أو المجمع الانتخابيّ Electoral College.
كيف يتمّ اختيار المنتخبين؟
يتمّ اختيار المنتخبين وعددهم بشكل نسبيّ حسب عدد السكّان في الولاية، ويكون لدى كلّ ولاية عدد منتخبين بنفس عدد ممثّليهم في الكونجرس "Congress" المكوّن من مجلس الشيوخ "Senates" والبرلمان "House of Representatives". كلّ ولاية أميركيّة لديها ممثّلان اثنان في مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى أعضاء برلمان بحسب الكثافة السكّانيّة، مثلًا الولايات الصغيرة مثل ديلاوير وألاسكا لديها 3 ممثّلين فقط وبالتّالي 3 منتخبين، بينما الولايات الكبيرة مثل كاليفورنيا لديها 55 منتخبًا.
وبما أنّ مجموع الأعضاء في الكونجرس الأميركيّ 538 لتمثيل الولايات الـ 48، بالإضافة إلى واشنطن، فإنّ المرشّح الفائز يجب أن يحصل على 270 صوتًا لتكون أكثر من نصف المنتخبين من الولايات المختلفة.
يتمّ اختيار المنتخبين في كلّ ولاية حسب القوانين الخاصّة في تلك الولاية. في بعض الولايات يتمّ التصويت للمنتخبين في المؤتمر الحزبيّ؛ حيث إنّ كلّ حزب يختار منتخبيه، أو في حالات أخرى يتمّ اختيارهم عبر التصويت في الانتخابات التمهيديّة.
على أيّ أساس يختار المنتخبون المرشّح؟
يختار المنتخبون المرشّح بناء على مجموع الأصوات "الشعبيّة" في كلّ ولاية، فإذا اختارت الأغلبيّة في ولاية ما أن يصوّت لمرشّح معيّن، فعلى المنتخبين التصويت لذلك المرشّح بصرف النظر عن الحزب الّذي ينتمون إليه، ويتعهّد المنتخب بالتصويت للمرشّح الّذي حاز على أغلبيّة الأصوات في الولاية، ولكن في حالات قليلة اختلف اختيار المنتخب عن أغلبيّة الأصوات الشعبيّة مثل ما حصل في واشنطن عندما صوت 4 من أصل الـ 12 المنتخبين على عكس أغلبيّة الأصوات الشعبيّة، الّتي كانت بالمناسبة لصالح هيلاري كلينتون، وصوت 3 منهم إلى المرشّح كولن باول وأحدهم إلى مرشّحة أخرى في ذلك الوقت.
أي أنّه وبناء على أغلبيّة الأصوات الشعبيّة، فإنّ المنتخبين جميعهم في الولاية يدلون بصوتهم إلى المرشّح الّذي فاز بأغلبيّة تلك الأصوات في الولاية، ولكنّ الأمر لا يخلو من الاستثناءات والحالات النادرة، فأحيانًا يحظى بعض المرشّحين، مثل هيلاري كلينتون في عام 2016 بمجموع أعلى على المستوى الوطنيّ من عدد الأصوات، أي أنّ عدد الناخبين الأمريكيّين الّذين انتخبوا هيلاري كلينتون كانوا أكثر من أولئك الّذين انتخبوا ترامب، ولكنّ تلك الانتخابات انتهت بفوز دونالد ترامب بسبب نظام المجمع الانتخابيّ.
نظام اختيار الرئيس الأمريكيّ يعود إلى التأسيس؛ فمع مناقشة اختيار الرئيس انقسم "الآباء المؤسّسون" إلى فريقين؛ فريق رأى أنّ على الكونجرس اختيار الرئيس، وفريق آخر رأى أنّ التصويت الشعبيّ هو الحلّ الأفضل. وبعد مناظرات استمرّت لأشهر خلص الفريقان إلى التنازل والالتقاء في المنتصف! وهكذا نتج نظام هجين بين الأصوات الشعبيّة وأصوات ممثّلي الشعب يحدّد الرئيس.