لعل المال ينهي الحرب في سوريا

<p>طابور بطول كيلومترين اثنين امتد بين محطة الوقود في أحد أحياء دمشق وبين السيارة الاخيرة التي تنتظر دورها. السائق يغفو على مقوده فيما أن خلفه، ينام أبناء عائلته. ويحتمل أن يمر يوم الى أن ينجح في الوصول الى نقطة التعبئة. معضلته هي: هل يغلق السيارة، يسير مشيا على الاقدام الى بيته، يبقي حارسا قرب سيارته ويأتي غدا أم يقضي الساعات الطويلة داخل سيارته دون أن يعرف اذا كان المخزون سينفد في محطة الوقود ام ربما يتعين عليه على الاطلاق ان يبحث عن محطة وقود اخرى الطابور فيها أقصر.<br />
على مسافة بضع مئات الامتار منه يرى كيف أن اصحاب السيارات يدفعون سياراتهم نحو المحطة توفيرا للبنزين. كما انه لا يعرف ماذا سيكون سعر الوقود حين يصل الى المحطة.<br />
هذه التوصيفات القاسية لازمة الوقود في سوريا تملأ مواقع الانترنت. وهي تروي القصة الحقيقية خلف المعطيات الكبرى التي تشير الى الازمة الاقتصادية الهائلة التي تلم بسوريا.<br />
عن هبوط قيمة الليرة السورية بمعدل أكثر من 60 في المائة جرى الحديث طويلا. ولكن عندما يكسب الموظف السوري 160 دولار في الشهر وسعر الوقود غير الرسمي يزيد عن 1.5 دولار للتر، حين ترتفع اسعار الانتاج الزراعي بـ 120 في المائة، وعندما ترتفع أسعار الغذاء للاطفال في 22 شهرا من القتال لاكثر من 300 في المائة، وعندما لا تنجح الحكومة في أن تراقب أسعار المنتجات الاساس، التي أصبحت فرصة ذهبية للتجار الكبار فان الدولة تكون تندفع في منحدر التحطم دون قدرة تحكم.<br />
يحاول وزير التجارة السوري تهدئة الخواطر والوعد بان لدى الحكومة مخزونا كافيا من البنزين والمازوت. &#39;المشكلة هي في النقل فقط&#39;. ولكن الامور أبعد من أن تهدىء الروع. إذ أن سائقي ناقلات الوقود يخشون من قطع الطرق بعضها يسيطر عليها الجيش السوري الحر، بعضها عصابات وميليشيات ولا يهم على الاطلاق ان تكون هناك وقود في مكان ما في الدولة.<br />
المعهد السوري للبحوث السياسية نشر الاسبوع الماضي معطيات مقلقة عن صندوق الدولة الفارغ، فاذا كان لدى سوريا في العام 2010 احتياطي عملة صعبة بمقدار 18 مليار دولار، ففي نهاية 2012 هبط الى 2 مليار دولار فقط. ومع أن ايران منحت سوريا في الشهر الماضي خط ائتمان بمليار دولار، ولكن هذا المبلغ لن يراه سكان الدولة. المال سينتقل لاستخدام الجيش.<br />
لقد بلغ العجز في الميزانية السورية في نهاية العام نحو 62 في المائة من الانتاج المحلي الخام، اكثر من 70 في المائة من رجال الاعمال غادروا الدولة، ومصانع صغيرة اغلقت في فترة الثورة بالمئات مما رفع معدل البطالة في بعض المحافظات الى نحو 40 في المائة. والتقدير هو انه اذا ما استمرت الازمة حتى العام 2015، فستصل البطالة الى 60 في المائة.<br />
في مثل هذه الفترة لا أحد يدفع ضرائب او يسدد ديون للدولة. &#39;عندما أتلقى ثلاث حتى اربع ساعات كهرباء في اليوم فلماذا أدفع لشركة الكهرباء&#39;، قال احد سكان دمشق لصحيفة &#39;الحياة&#39;.<br />
لقد خسر الاقتصاد السوري، كما يشير التقرير حتى الان، اكثر من 48 مليار دولار، نحو 82 في المائة من الانتاج المحلي الخام. وتكاد السياحة لا توجد وكذلك الاستثمارات الاجنبية. ولو انتهت الحرب اليوم، لاحتاجت سوريا الى 45 مليار دولار كي تعيد بناء نفسها.</p>
<p><br />
سوريا ليست ايران أو العراق، اللذين فرض عليهما عقوبات دولية قاسية. ليس لدى سوريا نفط زائد يمكنها ان تهربه الى الخارج أو مقدرات اخرى يمكنها أن توفر لها الاموال النقدية. ومن بين نحو 21 مليون من سكانها، أصبح مليون منهم لاجئين أو نازحين يجدون صعوبة حتى في الحصول على رزم المساعدة من منظمات الاغاثة الدولية بسبب مصاعب الوصول اليها.</p>
<p><br />
هل الوضع الاقتصادي وحافة الافلاس للحكومة هما اللذان سيحدثان الانعطافة ويؤديان الى نهاية الثورة في سوريا؟ ليس فورا. روسيا، مثلا، بعثت في الاشهر الاخيرة بثماني طائرات محملة بـ 240 طن من الاوراق النقدية السورية التي طبعت في روسيا. منظمة الصحافة المحققة &#39;بروبوبليكا&#39; التي بلغت عن ذلك، تعتمد على وثائق الطيران التي حصلت عليها. هذا المال، الى جانب المساعدات الجارية، والمقدرة بـ 10 مليار دولار منذ بداية الثورة، كفيل بان يطيل حياة النظام الحالي.</p>
<p><br />
بالمقابل، للمعارضة ايضا توجد مصاعب عديدة. قادتها يقدرون بانهم يحتاجون الى 500 مليون دولار في الشهر كي يديروا المناطق الحرة التي يسيطرون عليها، ولكن لم توجد بعد المصادر المالية التي تتيح لها وجود حياة معقولة في تلك المناطق.</p>
<p><br />
معطيات الاقتصاد السوري بحد ذاتها كانت تكفي كي تعرف سوريا كدولة مفلسة، لا يوجد لها وجود حقيقي. ولكن طالما الاسد يمكنه ان يدفع الرواتب لجنوده وضباطه، وطالما كان قراره الاستراتيجي، كما يبدو حتى الان هو القتال حتى النهاية فان للتحليل الاقتصادي سيكون تأثير محدود. فما الذي سيخافه الاسد؟ العصيان المدني للمواطنين غير الراضين عن الوضع الاقتصادي؟.</p>