يحتاج الى ثلاثة للتانغو

بقلم: افيعاد كلاينبرغ
أثار اعتذار نتنياهو لاردوغان ردودا مختلفة عجيبة فكان هناك من اعتقدوا ان نتنياهو تهاون بكرامتنا الوطنية؛ واعتقد آخرون ان المصلحة القومية الاسرائيلية تقتضي ابتلاع ضفدع. ولم يكد يوجد من يعتقدون انه كان ينبغي من البدء اخلاقيا وسياسيا ان تعبر دولة اسرائيل عن أسف لأن قرارا عملياتيا سيئا أفضى الى موت تسعة اشخاص وجرح كثيرين.
إن الحقيقة الواضحة وهي ان فريقا من الناس على متن السفينة كانوا نشطاء متطرفين متحمسين للمواجهة، لا تغير حقيقة انه لو كان علاج أصح من السلطات الاسرائيلية لما انتهت هذه المواجهة الى سفك دماء. ولم يكن التقصير تقصير جنود الوحدة البحرية الذين نفذوا عملهم بقدر كبير من ضبط النفس والشجاعة بل كان متخذو القرار على وقف السفينة بهذه الوسائل هم الذين قصروا.
إن الاعتذار الذي قيل في الاسبوع الماضي بلغة ضعيفة كان يجب ان يقال فورا وبأعلى تعبير. وكان يجب على دولة اسرائيل ان تعتذر عن أخطاء في التقدير وان تعبر عن أسف للشعب التركي ولحكومته بسبب المس بسفينة تركية وبمواطنين أتراك مهما تكن نواياهم. وما كانت لتسقط شعرة واحدة من شعر كرامتنا القومية أرضا، وربما كان يمنع صراع طويل لا حاجة اليه.
لكن حقيقة انه كان يفترض في رأيي ان نعتذر منذ زمن، سواء أكان الاعتذار يقبل أم لا، لا تجعلني أعتقد مثل عدد من المحللين ان اعتذار نتنياهو كان استسلاما للضغط الاميركي. فهذا التفسير يقوم على الفرض الحبيب الى المحللين وهو ان نتنياهو قابل للضغط وان السبب الوحيد للاعتذار كان إصرار رئيس الولايات المتحدة.
بيد ان نظرة أقل انحيازا الى الحقائق تعرض صورة مختلفة تمام الاختلاف، فاسرائيل لم تكن لها مصلحة قومية واضحة فقط في انهاء الصراع مع تركيا بل إن شروط المصالحة كانت أشد ملاءمة لمواقف اسرائيل الابتدائية من ملاءمتها للمواقف التركية. فرئيس وزراء اسرائيل لم يعتذر أمام عدسات التصوير ولم ينشر اعتذارا مكتوبا بل أجرى مكالمة هاتفية خاصة وسرية مع رئيس وزراء تركيا. وبحسب التقارير قال نتنياهو الكلام التالي وهو أن النتائج المأساوية لقافلة "مرمرة" لم تكن متعمدة وإن اسرائيل تعبر عن أسف للمس بحياة الناس. وفي ضوء التحقيق الاسرائيلي للواقعة الذي أشار الى عدد من الأخطاء في العمليات، عبر رئيس الوزراء عن اعتذار للشعب التركي عن كل خطأ أمكن ان يفضي الى فقدان حياة بشر ووافق على إتمام الاتفاق على التعويضات.
في هذا الاعتذار بالضبط ما أمكن اسرائيل ان تعلنه من البدء وكان يجب عليها ذلك، فليس فيه اعتراف بذنب بل بأخطاء؛ ولا تحمل مسؤولية بل تعبير عن أسف. ولن تحول اموال التعويضات مباشرة الى عائلات المصابين – وهي خطوة يمكن ان ترى شبه تحمل مسؤولية – بل الى صندوق انساني. وفي مقابلة ذلك وافق الأتراك على الغاء الدعاوى القضائية على جنود الجيش الاسرائيلي وعلى تطبيع العلاقات. وتخلوا ايضا عن طلبهم اسقاط الحصار عن غزة مقابل وعد غامض بـ "تسهيلات انسانية" (ستمنح أو لا بحسب تقدير اسرائيل).
تعبر هذه المصالحة اذا عن استعداد تركي لقبول الموقف الاسرائيلي كاملا تقريبا. ولماذا؟ من المنطق ان نفترض كما قلنا آنفا ان الاتراك لم يتبنوا فجأة وجهة النظر الاسرائيلية. إن انهيار سوريا يضعف ايران ويمكن الاتراك لا من التفكير بمفاهيم توازن القوى بين تركيا وايران بل بمفاهيم الهيمنة. ويمكن ان تساعد اسرائيل التي لا يحبها اردوغان حبا كبيرا على هذا الاجراء.
كانت للطرفين مصلحة في التوصل الى تسوية من جديد. والمطلوب وسيط عرف كيف يشير الى هذه المصالح ولاعبين يكونون مستعدين للخروج من اجلها من المواقع التي تخندقوا فيها. وقد عرف اوباما في خطبته في مباني الأمة كيف يتعرف بوضوح ايضا على المصلحة الاسرائيلية. والسؤال هو هل نحن مستعدون للخروج من الخنادق؟.