فيلم «حنين» ... بيروت مخيّم كبير

بقلم:  محمد غندور

تفتح حنين النافذة وتنظر إلى البعيد. البعيد هو أمل ترجوه وهروب تتمناه ومغامرة قد تغيّر حياتها. ما خلف قضبان النافذة زنزانة واسعة وكبيرة، لكنها مختلفة عن زنازين السجن. المخيم هنا هو الزنزانة التي تحكمها عادات وتقاليد لا تتغير أو تتبدّل، فحتى الهواء يصعب وصوله إلى الرئتين بسهولة. نافذة حنين المطلة على بيروت، هي شباك الزنزانة المطل على الحرية والابتعاد عن الأحكام المعلبة والجاهزة.

يسعى المخرج الفلسطيني المقيم في بيروت فادي دباجة في فيلمه «حنين» (40 دقيقة) إلى الابتعاد عن مآسي اللاجئين الفلسطينيين في لبنان داخل المخيمات، وإهمال الدولة أبسط حقوقهم، والغوص في مشاكل داخلية وشخصية ونفسية تحدث داخل المخيم - الزنزانة.

حنين فتاة جميلة تطلقت بعدما عجزت عن الإنجاب، وبما أن المطلقة في غالبية الدول العربية تعود إلى منزل أهلها، كانت عودة حنين بداية لقصة ضياع جديدة، وواجبات لا تنتهي، ومحاولة للبحث عن الذات واستكشافها مجدداً.

محاولة قتل الروتين

لم تستطع الفتاة قتل الروتين إلا بالرسم والنظر إلى البعيد، والاستلقاء على سرير واسع فارغ من الحنان والعاطفة. ولكن زيارة مفاجئة من ابن عمها وفرقته المسرحية ولقائها بأحد أصدقائه غيّرت حياتها. الزيارة كانت الأولى لبعض الشبان اللبنانيين إلى مخيم فلسطيني.

تبحث المجموعة عن مكان لعرض عمل مسرحي في بيروت، لكن إيجاد مكان للتمارين كان أمراً صعباً، فيقترح شاب فلسطيني استعمال مسرح المخيم وتقديم العمل هناك بمشاركة حنين وطفل فلسطيني سيلعب دور الراوي. تنال الفكرة التأييد وتُنفّذ المسرحية وتنشأ علاقة حب صامتة بين حنين وأحد شباب الفرقة. تعجب الفتيات بحياة المخيم وطريقة العيش فيه، لكن حنين تخبرهم أنها تعمل على مغادرته.

واقعتان قد تكونان مقصودتين من قبل المخرج، بيّنتا بيروت على أنها مخيم كبير شبيه بمخيم برج البراجنة حيث تدور أحداث العمل. فالمسرح وجد بسهولة داخل المخيم، في وقت لم تستطع الفرقة تأمين مثله في المدينة الكبيرة. وفتيات الفرقة أعجبن بطريقة العيش داخله والفرح الذي يغمر قاطنيه، وقرب المنازل من بعضها، في حين أن حنين تعيش كبتاً اجتماعياً قبل أن يكون عاطفياً.

ويظهر الفيلم علاقة اللبناني الملتبسة مع المخيمات. قصة الحب التي نشأت بين حنين والشاب، هي صراع دائم للمقيمين داخل المخيم للخروج منه والانفتاح على العالم، وما علاقة الشاب والفتاة، إلا سعي المخيم على أن يتمدد ويصبح مدينة بمداخل ومخارج كثيرة.

مهما يكن من أمر فإن الفيلم على أهمية موضوعه وبعض جرأة في طروحاته، يعاني من بعض مبالغة في التمثيل والانفعالات، وسوء إخراج لبعض الكادرات، إضافة إلى ضعف الحوارات بين المؤدين وانتقال من مشهد إلى آخر من دون أي رابط.

ومع هذا يمكن الإشارة في هذه المناسبة إلى أن موضوع المخيمات لا زال يغري كثيراً من المخرجين خصوصاً الفلسطينيين منهم، لكن المشكلة تكمن في أن المواضيع ذاتها تتكرر بصور ومشاهد مختلفة بين فيلم وآخر ما يدفعنا إلى الافتراض بأن من يريد عملاً سينمائياً داخل المخيم عليه البحث أولاً عن فرادة الفكرة ومن ثم التفكير بطريقة لإخراجها من دون الاستعانة أكثر من اللازم بزواريب ضيقة أو كادرات معتمة أو مشاهد لشبان يتحدثون أو يتلاقون صدفة في الشارع فيتحدثون بعفوية مصطنعة.

بات التعاطي مع أوضاع اللاجئين الفلسطينيين سينمائياً يشوبه نوع من الملل والتكرار، وعدم الجدية في التفاعل مع الأحداث.