الرسائل التي يبعثها الجيش المصري من خلال ضغطه على "حماس"

بقلم: تسفي بارئيل
إعادة انتخاب خالد مشعل لرئاسة المكتب السياسي لـ "حماس" لم تأت مفاجئة، على الاقل بالنسبة للمخابرات المصرية التي كان رئيسها الجنرال رأفت شحاتة بين الضاغطين الأساسيين لإعادة انتخاب مشعل. حاكم قطر، التي اصبحت احدى الدول الممولة للمنظمة في عصر ما بعد انقطاعها عن سوريا، هو الآخر وكذا الملك عبدالله، الذي أقام في الأشهر الأخيرة علاقات جديدة مع زعيم "حماس"، عملوا كي يتراجع مشعل عن نيته عدم الترشح التي ليس واضحا كم كانت جدية منذ البداية.
حسب مصادر مصرية "أصبح مشعل شخصية لا يمكن التنازل عنها في هذا الزمن. فقد أثبت زعامة وقدرة على التحكم بالمجريات على الأرض، ولديه حضور ليس لدى منافسيه، بمن فيهم موسى أبو مرزوق واسماعيل هنية، وهو ملتزم بالخط العربي وليس بإيران". وبينما تجتهد مصر أيضا لتحقيق المصالحة بين "فتح" و"حماس"، فان مشعل هو الشخصية الأساس التي يمكنها أن تهدئ الاصوات المتطرفة داخل المنظمة، أولئك النشطاء الذين أداروا في حينه الصراع الفتاك ضد نشطاء "فتح". كما أن مشعل لم يعارض إدارة مفاوضات مع إسرائيل شريطة أن يكون محمود عباس (ابو مازن) هو الذي يديرها وليس هو شخصياً. بل إنه كان وافق، بعد ضغط مكثف، على المبادرة العربية. إذا ما توجه الفلسطينيون الى الانتخابات وانتصرت "حماس" فان الدول العربية تفضل مشعل على أي من النشطاء الكبار الآخرين في القطاع.
ولكن العلاقة الوثيقة بين رئيس المخابرات المصرية وبين مشعل لا يمكنها أن تشهد على ان الاوضاع بين "حماس" والجيش المصري – خلافا للعلاقة مع الرئيس المصري محمد مرسي – تجري على مياه هادئة. فبينما أدار مشعل وهنية في نهاية الأسبوع الماضي محادثات مع قادة المخابرات المصرية، واصل الجيش المصري تدمير الأنفاق التي تربط بين غزة وسيناء. وبعد أن دمر الجيش في الشهر الماضي نحو 250 نفقاً، أغرق الآن بالمياه العادمة 76 نفقا آخر، عثر عليه من المعلومات التي تصل من الاقمار الصناعية، على ما يبدو ثمرة التعاون مع الأميركيين. عشرات الشاحنات، التي وصلت منطقة الانفاق كي تخلي شحناتها اضطرت الى العودة الى العريش مخلفة وراءها ليس فقط تجاراً غزيين ومصريين محبطين بل وايضا موجة من ارتفاع الأسعار في القطاع وضررا اقتصاديا لحق بحكومة "حماس"، التي تجبي رسوماً على عبور البضائع في الانفاق.
وأوضح وزير الدفاع المصري، الجنرال عبد الفتاح السيسي، هذا الاسبوع، أن الجيش سيواصل نشاطات واسعة يقوم بها ضد الارهابيون في سيناء وان "ليس للجيش المصري أي حاجة لمساعدة حماس أو أي جهة اخرى. فالجيش المصري قادر على التصدي للإرهاب بنفسه". وجاء هذا الإيضاح بعد أن اقترح قادة "حماس" مرة أخرى مساعدتهم في احباط تهريب السلاح والعمليات الارهابية التي مصدرها سيناء. وكانت بداية هذا الشرخ العميق بين الجيش المصري و"حماس" العملية التي قتل فيها 23 ضابط مصريا على حدود رفح – العملية التي يتحمل مسؤوليتها، حسب المصريين، نشطاء في "حماس". ولم يجدِ نفعا طلب مشعل وهنية، ورفض السيسي طلباتهما لقاءه أو لقاء ضباط كبار آخرين، وحتى جهود الوساطة من مرسي لم تغير موقف السيسي، الذي علاقاته مع الرئيس المصري بعيدة عن أن تكون حميمة. ولم يوافق السيسي إلا على لقاءات رئيس المخابرات مع مشعل وهنية وذلك على حد تعبيره "لأن هذه شؤون سياسية خارجية وداخلية تتعلق بالمصالحة الفلسطينية، التي تتحمل مسؤوليتها قيادة المخابرات المصرية".
وقال مسؤولون كبار في الجيش المصري لصحيفة "التحرير" إن "الجيش المصري يقيم علاقات مع جيوش نظامية لدول وليس مع منظمات سرية". و "منظمات سرية" هو تعبير معتدل نسبيا اكثر من التعابير التي تستخدمها مصادر مصرية تجاه "حماس" لغير الاقتباس. ورفض اللقاء مع قادة "حماس" ومواصلة تدمير الأنفاق ليست فقط أعمالا ترمي الى تعزيز الامن في سيناء او محاسبة قادة "حماس"، فالسيسي يستخدم هذه الاعمال، التي تحظى بدعم جماهيري، كي يوضح للرئيس مرسي أيضا بأن الجيش هو من يحدد ما هو التهديد الوطني وهو الذي يحدد سبل العمل ضد هذا التهديد، سواء كان هؤلاء مهربين في سيناء أم منفذي عمليات في بورسعيد. وبهذا الشكل يرسم وزير الدفاع، الذي عينه مرسي نفسه، خط الفصل بين صلاحيات القيادة السياسية وبين القيادة العسكرية.
ومع ذلك، فان مثل هذا الفصل بين السلطات العسكرية والحكم من شأنه أن يتشوش على اي حال حين يتخذ الجيش أعمالا تؤثر على ما يجري في غزة، على اقتصادها وعلى قدرة "حماس" على إدارة القطاع. لا توجد معطيات رسمية عن الضرر الاقتصادي الذي ألحقه تدمير الانفاق التي تمر عبرها نحو 30 في المائة من بضائع الاستيراد من القطاع. ويفهم من التقارير من غزة بانه منذ بدأ الجيش المصري في شباط بهدم الانفاق، ارتفعت أسعار مواد البناء بعشرات في المائة. وهكذا مثلا، فان سعر طن الاسمنت ارتفع بين ليلة وضحاها من 350 شيقلا الى 650 شيقلا، وتوقف بناء منازل للسكن، وتوقفت خطط لشق طرق واضيف الاف العمال الى مخزون العاطلين عن العمل. وتوضح الرافعة الاقتصادية – الامنية التي يستخدمها الجيش المصري حيال "حماس" بالتالي لمرسي حدود قوته، حتى في إدارة علاقاته مع الفلسطينيين بشكل عام ومع "حماس" بشكل خاص. وفي الجبهة الداخلية ايضا يتعرض مرسي لضغوط شديدة وليس فقط من جهة المعارضة العلمانية. وأوضح المسؤول الكبير السابق في "الاخوان المسلمين"، د. عبدالمنعم ابو الفتوح، الذي كان هو نفسه مرشحا للرئاسة بان "المعارضة الوطنية مصممة على إسقاط النظام الحالي بوسائل ديمقراطية"، وأن "الرئيس، حزبه، وقبيلته غير قادرين على الحكم في مصر أو إكمال أهداف الثورة".
ويضاف الى الانتقاد الموجه ضد "الاخوان المسلمين" نشر تحقيق طويل ومفصل لصحيفة "الوطن" المعارضة عن مصادر دخل الحركة. وحسب هذا التحقيق، يتمتع "الاخوان المسلمون" بتبرعات بعشرات ملايين الدولارات، تدار في فروع للبنوك وشركات التمويل في سويسرا، ايطاليا، جزر البهاما وفي دول عربية، بالاضافة الى استثمارات مدرة للربح بمليارات الدولارات قام بها رجال أعمال "الاخوان المسلمين" في الدول العربية والتي تشكل مصدراً دائماً لتمويل نشاطاتهم.
في تحقيق استغرق خمسة أشهر واعتمد على وثائق تذكر الصحيفة أحد رجال الاعمال المهمين للحركة الا وهو يوسف ندى، الذي اقام في التسعينيات "بنك التقوى" في جزر البهاما، والذي يندرج ضمن قائمة الارهاب لدى الولايات المتحدة للشك بدوره في تمويل عمليات القاعدة في 11 ايلول 2001. في التحقيق ذاته نقل عن المرشد العام السابق للحركة، محمد مهدي عاكف، الذي صرح بان "الاخوان المسلمين" يعملون في 72 دولة ويديرون عشرات الجمعيات الخيرية في أرجاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة. كما أن رجل "الاخوان المسلمين" السابق، ثروت الحرباوي، في لقاء مع الصحيفة روى أن الحركة تتمتع بتبرعات شهرية تأتي عبر هذه الجمعيات الخيرية، بحجم 100 مليون دولار. ولا يصل كل المال إلى مصر. بعضه ينتقل على حد قوله الى فروع اخرى من "الاخوان المسلمين" في أرجاء العالم وبعضه موجه إلى الاستثمارات التجارية. وحين تكون مصر في أزمة اقتصادية عميقة وتبحث عن مصادر تمويل لتشغيل خدمات الحكم، فان مثل هذا التقرير لا يضيف الى سمعة أو شرعية الحركة وزعيمها السياسي محمد مرسي اللذين لا يرون في هذه الاثناء نهاية للتمرد ضدهما.
هآرتس