نتنياهو الثالث يواجه التحدّيات ... وحيداً

بقلم: أري شبيط
بنيامين نتنياهو إنسان معزول. وقصة حياته هي قصة إنسان ليس له قريب خارج فضاء عائلته، وليس له شريك خارج مجال الحلقة الفكرية التي نشأ فيها. فليس لنتنياهو اصدقاء بالمعنى العميق جداً. وليست له طائفة ينتمي إليها، ولا مجموعة انتماء يُجلّها، وليست له جماعة موالين يشعر بالراحة بين أظهرها. فقد كان رئيس حكومة اسرائيل وما زال غير منتمٍ يشعر بأنه لا يوجد إنسان من خارج بيته يستطيع ان يثق به حقا، ولا يكاد يوجد إسرائيلي يدرك التحديات التي يضطر إلى مواجهتها. إنه من وجهة نظر ابن المؤرخ من القدس؛ فان فشل نخب فشلاً ذريعا يجعله يقف وحده تماماً على جسر قيادة دولة اليهود.
لكن نتنياهو في الولاية الثالثة هو انسان وحيد بصورة مميزة. ويشعر بأن حكومته السابقة كانت حكومة ممتازة، فقد منحت اسرائيل، في فترة كان العالم فيها كقِدر تغلي، استقرارا أمنيا واستقرارا اقتصاديا واستقرارا سياسيا. فلم توجد حروب ولم توجد ازمة اقتصادية عميقة، وكانت الحدود هادئة كما لم تكن منذ عشرات السنين. وجعلت مواجهة إيران المُحكمة الغرب يعمل على مواجهتها بتصميم. لكن الجمهور الاسرائيلي، الذي يعوزه وعي التهديدات، لم يدرك عظم الانجاز وأراد تغييراً، وأعاد الى دار الحكومة في جفعات رام رئيس وزراء ضعيفاً معزولاً. نتنياهو الثالث ليس إلى جانبه ايهود باراك وافيغدور ليبرمان وبني بيغن ودان مريدور. وقد يفقد قريبا رون بريمر وتسفي هاوزر ايضا. وهكذا يشعر الشخص الذي يؤمن بأن عليه ان ينقذ الدولة من الفناء بأنه يجب عليه ان يفعل ذلك الآن وهو لا يملك حليفا حقيقيا وليس معه فريق قيادة من بالغين ذوي مسؤولية عظام.
لم يتغير العالم المعادي بالنسبة لنتنياهو، فما زالت ايران التهديد الوجودي حتى 2013، وهي التهديد الوجودي منذ 2013 فما بعد. وهو يُقدر ان سياسة حكومته السابقة الحازمة وخطبة الخط الاحمر التي خطبها في الامم المتحدة هما اللتان صدتا الايرانيين في السنة الاخيرة، واكتسبتا الوقت القليل الذي ما زال يمكن العمل فيه. وكما تبرهن حالة كوريا الشمالية، لا تستطيع العقوبات وحدها ان تقوم بالعمل بحيث لم يعد التحدي الآن الحديث عن المحرقة السابقة بل منع المحرقة القادمة. ويصعب فعل هذا وهم في جهاز الامن يؤمنون بسذاجة بالمسيح المُخلص الأميركي، وحينما لا يكون الخطاب السياسي الاعلامي جديا.
ويصعب فعل ذلك حينما يُسرّب ما يُقال في الغرف المغلقة فورا الى الشبكات الاجتماعية، وحينما يتصرف رؤساء منظمات سرية سابقون كما يتصرفون على الملأ. لكن نتنياهو الثالث لا ينوي الاستسلام، فايران بالنسبة إليه ليست وراءنا بل أمامنا.
إن برنامج عمل الربان الاسرائيلي ليس برنامج عمل الجمهور الاسرائيلي. وليس ما يواجهه هو السحب على المكشوف لريكي كوهين بل ايران والفوضى العربية والمسألة الفلسطينية وضرورة الحفاظ على معجزة العقد الاخير الاقتصادية.
اذا قاد وزير الخارجية الاميركي، جون كيري، مسيرة سياسية تسير حسب خطة كامب ديفيد – كلينتون – أنابوليس فسيكون جواب نتنياهو الجديد كجواب نتنياهو القديم وهو: الأمن، الأمن، الأمن. هل تريدون دولتين؟ تفضلوا. لكن برهنوا أولا من فضلكم على أن سابقة "أوسلو" والعمليات التفجيرية لن تتكرر، وأن سابقة غزة والقذائف الصاروخية لن تتكرر، وأن الاراضي التي ستُسلم الى الفلسطينيين في المستقبل لن تصبح قواعد صواريخ لأنه أصبح واضحا اليوم أن ليست المستوطنات هي العائق أمام السلام بل عدم الاستقرار في العالم العربي. إن الشرق الاوسط الجديد المضعضع والاسلامي هو المشكلة الحقيقية التي ينوي الرجل الوحيد نتنياهو أن يواجهها في السنين القادمة.